الشريط الاخباري
- نتقبل شكواكم و ملاحظاتكم على واتس أب رقم ٠٧٩٥٦٠٦١٨٨
أين العرب من الحرب الإقليمية على البحر الأحمر وأفريقيا
عريب الرنتاوي
القوى الإقليمية الثلاث الفاعلة في هذه المنطقة (إيران ، تركيا وإسرائيل) ، تبدو في حرب معلنة ومضمرة على أفريقيا... تركيا استضافت العام الفائت (2008) أول قمة تركية أفريقية بمشاركة رؤساء دول وحكومات أكثر من خمسين دولة... وإيران أعلنت العام ذاته ، عاما لتطوير العلاقات الإيرانية الأفريقية كما صرح بذلك منو شهر متكي ومن أديس أبابا ، وطهران تسعى في استضافة قمة إيرانية تركية ، أو اجتماعا على المستوى الوزاري على الأقل ، فيما إسرائيل تمد نفوذها في القارة السوداء كالإخطبوط متشعب الأذرع والعيون.
بين تركيا وإيران ، ينحصر التنافس في الميادين السياسية والاقتصادية والثقافة والاجتماعية ، كل طرف يسعى في خطب ود دول القارة ، أنقرة خصصت برنامج مساعدات معلن ومعروف وشفاف ، فيما طهران لديها شبكة واسعة من البرامج متعددة المستويات والطبقات التي لا نعرف عنها الكثير سوى أنها فاعلة ومؤثرة وتحتية ، والمؤكد ثمة بعد مذهبي (وسياسي) مؤثر في درجة تطور علاقة هذه الدولة الأفريقية أو تلك بكل من إيران وتركيا.
إسرائيل التي نظرت وتنظر لأنقرة كرديف استراتيجي ، تضع لإيران في المقابل كخطر وجودي ، وهي إن كانت مستعدة لـ"النظر بعين العطف" لدور تركيا في القارة السوداء ، إلا أنها تتابع بكل القلق تزايد النفوذ الإيراني على مقربة منها ومن الطرق البحرية المؤيدة إلى ميناء إيلات ، وتحديدا في الدول المشاطئة للبحر الأحمر.
في سعيها لاستهداف إيران وتشديد أطواق العزلة حولها ، وربما التمهيد لتوجيه ضربة عسكرية لها قبل الصيف القادم ، فتحت الاستخبارات الإسرائيلية مؤخرا ملف "خطوط تهريب السلاح من إيران إلى غزة" عبر الخليج وباب المندب واليمن وبور سودان ، مرورا بالطبع بالعمق المصري وعطفا على صحراء سيناء وصولا إلى القطاع المحاصر وأنفاق التهريب المفضية إليه.
ومن أجل قطع "طريق الحرير" الجديد هذا ، شنت طائرات وقطع بحرية إسرائيلية ثلاث غارات على السودان كما تقول المصادر الإسرائيلية ، استهدفت (مرتين) شاحنات على مقربة من الحدود السودانية مع مصر ، وضربت سفنا صغيرة في ميناء بور سودان أو على مقربة منه.
الروايات الإسرائيلية تتحدث عن دور إيراني رسمي ومنظم في عمليات التهريب ، وهي تقول أن السلاح يأتي أولا للحوثيين في اليمن ، ومن ثم يواصل طريقه إلى السودان فحماس في قطاع غزة ، وإذ ترافقت التسريبات الإسرائيلية مع أحاديث عن كشف شبكة كبيرة لحزب الله في مصر ، تزود حماس بالمال والسلاح ، فإن الرواية الإسرائيلية تأخذ طابعا دراماتيكيا إقليميا ، أكثر "جدية" ، وأقرب تناولا.
وتمضي تل أبيب في نسج فصول إضافية لحكاية الخطر الإيراني المتمد لأفريقيا والبحر الأحمر ، فتقول أن إيران تحتفظ بقاعدة بحرية لها في ميناء عصب الإيرتيري ، وأنها تستخدم هذه القاعدة لتكون على مقربة من إسرائيل إن حصل الاشتباك العسكري بين الدولتين ، فضلا عن تهريب السلاح لحلفاء طهران في غزة واليمن والسودان وأفريقيا عموما.
في ظني أن إسرائيل تبالغ عن قصد وغرض ، في تصوير الحضور الإيراني في أفريقيا والبحر الأحمر ، ولقد علمت من مراجع أوروبية ذات صلة ، بأن ما يقال عن قواعد إيرانية في أيرتريا مبالغ به ، وأن إسرائيل ما زالت تحتفظ لنفسها بقواعد في أفريقيا ، ومن ضمنها إيرتريا.
الخلاصة تقول ، لإيران وجود في أفريقيا والبحر الأحمر ، بيد أن إسرائيل معنية بتضخيمه والحديث عن "خطر إيراني" هناك ، والهدف "بناء قضية" ضد إيران ، ظاهرها التمدد والتغلغل وتهريب السلاح ، وباطنها البرنامج النووي الإيراني ، وهي مسرحية تبدو واشنطن على دراية بمن كتبها ووضع السيناريو والحوار لها ، ولهذا حذر جو بايدن ، نائب الرئيس الأمريكي ، من مخاطر "التهور الإسرائيلي" واحتمالات قيام تل أبيب بتوجيه ضربة عسكرية لإيران ، وكذلك فعل الجنرال بترايوس من قبل.
ولا شك أن واشنطن تعرف ما في جعبة نتنياهو وحكومته ، وأنها تابعت الاجتماعات الثلاثة التي عقدها الرجل منذ تشكيل حكومته للمستويين الأمني والعسكري للاطلاع على خطط الضربة العسكرية لإيران ، حيث خرج بمفاجأة من النوع السار على حد قوله ، ألا وهي أن تل أبيب أصبحت جاهزة لتنفيذ الضربة العسكرية لإيران عملياتيا ، وأن جهوزيتها هذه لا ينقصها سوى القرار السياسي ، الذي يحتاج بدوره إلى تهئية وتحضير ، وهذا ما تقوم به آلة الدعاية الإسرائيلية اليوم ، من البحر الأحمر والسودان وميناء عصب ، وانتهاء بلبنان وغزة وشاحنات السلاح وخلايا إيران النائمة واليقظة في المنطقة.
أما نحن كعرب ، فغائبون تماما عن الصورة ، فقدنا إيرتريا من قبل ، والأرجح أننا سنفقد الصومال وجيبوتي وجزر القمر من بعد ، والبحر الأحمر الذي طالما عُدَّ بحيرة عربية ، يبدو العرب اليوم ، الطرف الأضعف في تقرير مستقبله ومصائره ، وجارتنا الإقليمية (القارة السوداء) التي طالما كانت مجالا حيويا لنا ، تتحول إلى ساحة لاصطراع قوى إقليمية ودولية ، ليس من بينها قوة عربية واحدة ، لكأنه كتب علينا أن نكون "شهود زور" هذا العصر ، وفي مختلف الأزمات والملفات.

الأكثر قراءة