• رئيس التحرير المسؤول .. فايز الأجراشي
  • نتقبل شكواكم و ملاحظاتكم على واتس أب و تلفون 0799545577

عمّان..المدينة الباحثة عن هويّة في الأرصفة والمقاعد

صفحة للطباعة
تاريخ النشر : 2010-02-26
1924
عمّان..المدينة الباحثة عن هويّة في الأرصفة والمقاعد

نيويورك تايمز – ترجمة هشام غانم - قد يكون مِنَ الغلوّ تسميتها "معجزة"، ولكنّ حكومة هذه العاصمة التي تتربّع على سبعة جبال سمراء؛ نجحت في شيء يبدو حتّى الآن، مستحيلاً. فهي بنت جادّاتٍ للمشاة!

 ولكنْ مهلاً، عمّان أنجزت شيئاً آخر أيضاً! فهي وضعت مقاعد في الحدائق. وليس فقط في الحدائق، بل في جادّات المشاة الجديدة والمنبسطة كذلك، التي لا تنتهي فجأة ومِنْ غير سبب واضح. غير أنّ الجادّات هذه، ومقاعدها؛ يمكن الإشاحة أو الصدوف عنها بيسر وسهولة بحسبانها أماكن للراحة وليس لها ضرورة. يصحّ هذا خصوصاً إذا عرفنا كم أنّ الناس هنا يحتاجون إلى وظائف أفضل، ومدارس أفضل، ورعاية صحيّة أفضل.
 
ولكن حين الحديث إلى أولئك الذين كانوا وراء إيجاد تلك الجادّات والمقاعد، نرى أنّهم يحسَبون أنّ وجودها في كلّ مكان، إنّما هو كناية عن التخطيط الاجتماعيّ الفعّال، على نحو ما هو ضربٌ مِنْ هدم الجدران بين الأغنياء والفقراء. وهذا كلّه يساعد هذه المدينة المحرومة مِنْ هويّة في أنْ تنمّي إحساساً بالمكان والمُلكيّة.
 
"أعتقد أنّها تجعل الناسَ سعداء بعض الشيء"، يقول عمر الذيب، 68 سنة، وهو نشأ في الجزء الفقير الشرقيّ مِنْ عمّان.
 
والسيّد الذيب يبيع الأحذية والصنادل في حيٍّ مكتظ، حيث المحالّ والبيوت والمساجد والكنائس ترقد على جبل تربطه شوارع ضيّقة الأطراف وملتفّة الاعطاف. ومكان عمله هو كرسي بلاستيك يقوم على ركن شارع التاج وشارع بدر، مقابل إحدى آخر "ابتكارات" المدينة، وهو جادّة للمشاة ومقاعد خشبيّة. والشارع هذا، الذي كان ذات يوم مُترعاً بالسيّارات، أمسى اليوم مكاناً تأتيه العائلات مِنْ فِجاج عمّان. وهذه العائلات التي لطالما شعرت بأنّ الحكومة تتجاهلها، صار لديها الآن شارع فيه أرصفة للمشاة ومقاعد خشبيّة.
 
"الجميع يحبّونه"، يقول أحمد سوسا، 38 سنة، وهو صاحب محلّ "مكسّرات" في الساحة التي افتُتحت هذا الشهر هناك.
 
وهذه ليست مشاريع لمرّة واحدة فقط، أي مقاعد قليلة هنا وهناك؛ ولكنّها جزء مِنْ مخطّط شموليّ لعمّان، تأتي كمحاولة تنظيم مدينة تضرب جذورها عميقاً في التاريخ، تمتدّ إلى نحو 8500 قبل مولد المسيح. وهي مدينة تستضيف، اليوم، مليونين ونصفاً مِنَ السكّان، ويبلغون في الصيف ثلاثة ملايين.
 
وشعار المخطّط الشموليّ لمدينة عمّان هو: "المدينة القابلة للحياة، هي المدينة المنظمة...ولها روح". وهذه طريقة ماكرة لوصف ما لا تريد عمّان أنْ تكونه، وهو غمز مِنْ قناة دبي.
 
"كنّا نواجه "الدبينة(Dubaification) "، يقول جيري بوست، وهو كنديّ أسّس ويرأس "معهد عمّان للتطوير العمرانيّ". وهذا يضمّ، في معظمه، فريقاً مِنَ المعماريّين الأردنيّين والمخطّطين والمصمّمين والمفكّرين. وأُنشئ هذا المعهد مِنْ قِبَل عمدة عمّان، عمر المعاني؛ وذلك للمساعدة في الحفاظ على عمّان وتجديدها، عوضاً عن إعادة اختراعها.
 
وعندما عُيّن السيّد المعاني منذ أربع سنوات، كان هناك خططٌ لبناء 16 برجاً مِنَ الزجاج والمعدن على طول الطريق الرئيسيّ في عمّان؛ وهي أبراج كانت ستسدّ مشهد بيوت الحجر البيضاء التي تفترش جبال عمّان. وأطولها كان مِنْ 80 طبقة. والأبراج هذه كانت ستُرهق البنية التحتيّة. ولكنّ الصفاقة فيها، بالنسبة للمخطّطين الحضريّين، أنّها ستؤدّي إلى خلق جزر معزولة للأثرياء.
 
وعلى الأثر، قُلّصت تلك المشاريع إلى ثلاثة، قامت على ثلاث بُقع منخفضة حول المدينة؛ فحال ذلك دون إخفاء مشهد الأفق، على نحو ما أكسبَ المدينةَ نوعاً مِنَ المشاركة والحياة.
 
"لا أريد مدينتين في مدينة واحدة"، يقول رامي الظاهر، المعماريّ الذي كان وراء بعض أغمض مشاريع المدينة، ولكنْ أكثرها جرأةً.
 
وفي عالم السيّد رامي الظاهر، "المقاعد الخشبيّة مهمة، مثلها مثل جادّات المشاة".
 
"الأمر الأهم هو التعدّد الاجتماعيّ والعدالة"، يقول السيّد الظاهر، بادياً ناشطاً سياسيّاً أكثر مِنْ كونه مخطّطّاً عمرانيّاً.
 
غير أنّ النظام (السيستم) السياسيّ في الأردن، يجعل التغيير عسيراً. فهو، مثل الكثير مِنَ البلدان العربيّة؛ يقدّم قشوراً ديمقراطيّة تخضع، في نهاية المطاف، إلى سلطة مركزيّة (...). ويرى المخطّطون العمرانيّون فرصةً في تعظيم قوّة المواطنين، مِنْ طريق تغيير المساحات والأماكن حولهم، ولكنْ قبل ذلك بسؤالهم (سؤال المواطنين) عن كيف يريدون أنْ يحيوا. فيُجرون استطلاعات وحوارات. والسيّد جيري بوست درّب طاقماً لعقد اجتماعات مع المواطنين.
 
"ما تفتقر إليه المدينة هو الإحساس بالمواطَنة"، يقول السيّد بوست. ويضيف: "ينبغي لنا أنْ نخلق إحساساً بالمواطنة والانتماء".
 
ونما الأردن مع كلّ موجة مِنَ المهاجرين – الشركس والأرمن واللبنانيّين والفلسطينيّين. ومؤخّراً، نزح الأردنيّون الذين يعيشون في القرى والمدن الصغيرة، إلى عمّان. فساعدوا في نموّها وتحوّلها إلى مركز اقتصادي وسياسيّ وثقافيّ. وعلى رغم العدد الكبير مِنَ الأجيال التي عاشت في عمّان، إلّا أنّهم نادراً ما يعرّفون أنفسهم بأنّهم مِنْ عمّان، على ما يقول الكثيرون هنا. وتطوير الهويّة العمرانيّة وتغيير العادات الراسخة، هي أمور صعبة. ولكنْ مع ذلك، كان هناك بعض الانتصارات الصغيرة.
 
"إذا كنت فتاة وتقف في شارع عاديّ أو تجلس على مقعد بجادّة للمشاة، فذلك يُعدّ أمراً غير لائق"، على ما تقول ريم الحنبلي، 20 سنة، بينما كانت تجلس تحت شمس الشتاء الساطعة في ساحة للمشاة أُقيمت مؤخراً هنا. "الجميع سينظرون إليك ويسألون: "لماذا تجلس هذه البنت هنا؟". ولكنْ هنا الأمر مقبول. فنستطيع أنْ نجلس هنا، وهو أمر اعتياديّ".
 
ولكنّ تجربة "شارع الوكالات"، أيضاً، تُظهر خطر التغيير. فالشارع هذا كان "مملكة حصريّة" للمتسوّقين الأثرياء الذين يقطنون غرب عمّان. ولم يكن أصحاب المتاجر مكترثين كثيراً ببناء مساحة مشتركة تساوي بين البشر، بقدر اكتراثهم بأناس لديهم بطاقات ائتمان!
 
فأصحاب المتاجر هؤلاء لم يرغبوا بوجود الكثير مِنَ الشباب المتواضعي الإمكانيّات يذرعون "شارع الوكالات". فهم (الشباب) يُرهبون الزبائن ويضايقونهم، على ما يقول أصحاب المتاجر. ولذا بدأ هؤلاء بالشكوى، واستجابت المدينة لهم، فأزالت معظم المقاعد هناك.
 
وهناك مشروع آخر يبعد نحو ميل مِنَ الطرف الشرقي بغرب عمّان، هو "شارع الرينبو". وكان على وشك أنْ يغدو جزيرة معزولة وحصريّة للأثرياء وأصحاب النفوذ. ولكنّ ذلك لم يحصل. فالمدينة لن تسمح للسيّد الظاهر أنْ يغلق الشارع بالسيّارت، ولذا مهّد هذا الشارع ورصفه بقطع حجرية صغيرة؛ وذلك ليبطئ حركة المرور وويجعل الأمر يبدو ناعماً، ويملأ الجوّ بضجيج السيّارات الناجم عن احتكاكها بالشارع المرصوف.
 
وكان ثمّة مشاكل. فـ"المجلس البريطانيّ"، الذي أقيم هناك لسنوات، رفض أنْ يخفّض جداره المرتفع؛ وذلك لحماية واجهته الأمنيّة الشبيهة بالسجن. غير أنّ مدرسةً محليّة هناك، خفّضت ارتفاع جدرانها، بينما رجعت المتاجر إلى الوراء بغية السماح للمشاة أنْ يمرّوا، ولكي تترك حيّزاً للمقاعد.
 
والناس يحبّون شارع الرينبو. فهم يمتزجون بالعمّانيّين مِنْ أنحاء المدينة الأخرى. بيد أنّ بعض القاطنين هناك تذمّروا مِنْ حركة الاقدام الكثيرة، وبعضهم اشتكى مِنَ ارتفاع الأسعار والإيجارات.
 
"إنّه تغيير لنا، ولكنّه تغيير طيّب"، على ما تقول سمر الصرايرة، 17 سنة، بينما كانت تجلس مع أختها في إطلالة مسرحيّة على المدينة. "حين آتي هنا، أجد القليل مِنَ السيّارات، وثمّة أمكنة للجلوس والاسترخاء خارج المسكن. إنّه مكان عام للجميع".
  
أضافة تعليق


capcha
كافة الحقول مطلوبة , يتم مراجعة كافة التعليقات قبل نشرها . :

انا احب عمان27-02-2010

على جبالك يا عمان و في ليالي الصيف يطيب السهر لنرسم لوحة عشق ابدية عنوانها اسمك الزاهي عمان

في القلب انتي ومهما تغربنا ترينا نحن الى ترابك الى رائحة الياسمين وعبق الزهور التي تفوح من حنبيكي يا عمان

اه كم احن اليكي لتضميني بحنانك الذي لا ينضب كم احن الى تلك الصباخات الو
رد على التعليق
capcha
: كافة الحقول مطلوبة , يتم مراجعة كافة التعليقات قبل نشرها .
العراب نيوز صحيفة الكترونية جامعة - أقرأ على مسؤوليتك : المقالات و الأراء المنشورة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها و لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العراب نيوز.