• رئيس التحرير المسؤول .. فايز الأجراشي
  • نتقبل شكواكم و ملاحظاتكم على واتس أب و تلفون 0799545577

منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة بين اخفاقات الواقع وجمالية الطموح

صفحة للطباعة
تاريخ النشر : 2016-12-19
1033
منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة بين اخفاقات الواقع وجمالية الطموح

 كتب سفيان المحيسن - يكثر هذه الايام تناول تقييم مشروع منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة باراء متضاربة فهناك من يكيل المديح لهذا المشروع ويرى فيه مثالاً للنجاح المؤجل وآخرون يرون فيه مثالاً للفشل ويطالبون بفتح ملفاته وتحرى قضايا فساد فيه. 

بعد مرور عشر سنوات على تحويل العقبة الى منطقة اقتصادية خاصة ربما من حق الجميع التساؤل هل فعلا تحققت الطموحات والاهداف التي وضعت لهذا المشروع وهل فعلا تطورت العقبة وارتقت لمستوى المدن العصرية وهل انعكست هذه التطورات على المدينة وسكانها وهل اصبحت المنطقة مستقطبة وحاضنة للاستثمارات والنشاطات الاقتصادية على اختلاف انواعها. 

في الوقت الذي يسهل ملاحظة علامات الفشل او النجاح في اي مشروع اقتصادي اجتماعي تنموي مثل مشروع منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة لربما ليس من السهل الحكم بدقة على مستوى هذا النجاح او الفشل اذ يحتاج الامر لمعلومات دقيقة وبيانات كامله حول منظومة معايير من ابرزها مستويات واوجه الانفاق وفرص العمل التي تولدت وحجم وكلف الاستثمار الحقيقي وانواعه وانعكاسات ذلك كله على المجتمع المحلي. بكل الاحوال فان مراجعة لبدايات هذا المشروع والطموحات والاهداف التي صاحبته ومقارنتها مع ابرز الممارسات والمشاهدات والحقائق الواضحة على ارض الواقع خلال مسيرة العشرة سنوات الماضية تدفعنا للحكم أنه على الرغم من بعض الايجابيات فان الواقع يسوده العديد من الاخفاقات والتشويه وربما احيانا الفضائح بالمقارنة مع جمالية الصورة التي رسمت لاهداف ونتائج هذا المشروع. 

في شهر ايار من عام 2001 وفي احتفال مهيب برعاية ملكية اعلن انطلاق مشروع منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة بطموحات ورؤى كبيرة تسعى لتحويل مدينة العقبة الى مدينة عصرية متقدمة جاذبة للاستثمار ومتطوره لتوازي المدن العصرية اقتصاديا وعمرانيا وخدماتيا وتعليميا وصحيا وبيئيا. وتم فعلا انشاء سلطة حكومية مستقله لادارة هذه المنطقة تدار من مجلس مفوضين بصلاحيات وزراء ورئيس مجلس بصلاحيات رئيس وزراء وبدعم سياسي قوي مقرونا بكل الصلاحيات والامكانيات اللازمه لتحقيق هذه الاهداف والغايات. رغم ذلك فلم تخلو الاجواء آنذاك من التشكيك في امكانية انجاز هذه الطموحات ووصمها بالحلم البعيد المنال الا أن الرعاية والدعم والتصميم الملكي الذي حظي به هذا المشروع أخرجه الى النور للانطلاق على امل أن يصبح مشروعا رياديا تنتقل عدوى نجاحة الى باقي محافظات المملكة. لذلك كان من المنطقي أن ترتفع امال وتوقعات كل من حضر حفل انطلاقة المشروع واستمع وشاهد العرض الذي قدم ليتخيل بأن العقبة سترتقي بعد بضعة سنوات الى مستوى المدن العصرية لتصبح مدينة ساحلية عصرية تنظيما وعمراناً وبيئة ونظافة تنتشر فيها الحدائق والملاعب والمكتبات عامة وتغدو مركزاً للصناعات الخفيفة والتجميع والتوزيع واعادة التصدير ومركزاً اقليمياً لسياحة المؤتمرات والتسوّق العائلي ، ويتطور مينائها ومطارها ليكونا بوابه لوجيستية للتجارة الخارجية للمشرق العربي ، ولتصبح بيئة النقل والمرور فيها مثالاً في الشكل والاسلوب وربما سباقه في تسيير القطار الخفيف للركاب لينعكس كل ذلك بدوره على ارتفاع في مستوى معيشة ورفاهية المواطنين في العقبة. 

منذ بداية المرحلة التحضيرية لمشروع منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة وتعيين اول رئيس مجلس مفوضين لسلطة المنطقة في نهاية شهر أيلول من عام 2000 وبدء المشروع فعلياً في 15/2/2001 وحتى تاريخه مرت على العقبة ستة عهود بداية بوزير النقل السابق الكابتن محمد الكلالده ليليه وزير السياحة السابق عقل بلتاجي ثم وزير النقل والسياحة السابق المهندس نادر الذهبي ثم وزير الاشغال العامة السابق المهندس حسني ابو غيدا ثم من القطاع الخاص المهندس محمد صقر وحاليا وزير النقل السابق المهندس عيسى ايوب. 

سجلت ادارة هذه السلطة في بداية انطلاقها انجازا وطنيا بقيامها وبدعم من رئيس ومجلس الوزراء آنذاك بإنهاء عمليات تفتيش المستوردات والصادرات التي كانت تجري على ارض ميناء العقبة في ذلك الوقت من قبل مفتشين مؤسسة 'اللويدز ريجستر' تحت مظلة هيئة الامم المتحدة منهية بذلك مرحله قاسية مر بها الاقتصاد الاردني وحركة التجاره الخارجية للأردن بدأت بحصار خليج العقبة في صيف 1990 من قبل ما كان يسمى 'بقوات التحالف الدولية' (Multinational Interception Forces-MIF). 

منذ البداية سعت ادارة السلطة لاستقطاب مطوّر عالمي ليتولى مهمة تطوير وادارة وتسويق منطقة العقبة وذلك استجابة لتوصيات الشركة الاستشارية الاجنبية التي انيط بها الاشراف على هذا المشروع ، وبعد عجز ادارة السلطة عن استقطاب اي مطوّر قامت بالتعاقد مع شركة امريكية (معروفة) لتتولى عملية استقطاب المطوّر وادارة منطقة العقبة وبعد عامين تقريبا وتقاضيها عدة ملايين من الدولارات اعترفت الشركة باخفاقها في استقطاب أي مطوّر وانسحبت من المشروع مما دفع بادارة السلطة وكحل بديل الى اللجوء لانشاء شركة حكومية لتطوير العقبة بموجب قانون الشركات وتم منحها كل الصلاحيات وحقوق التصرف بالاراضي والمرافق الاستراتيجية كالميناء والمطار في العقبة. اثيرت انذاك تساؤلات عديدة حول قصة المطوّر وقصة تلك الشركة الامريكية والغاية من التعاقد معها والاموال التي دفعت لها وعن الفوائد مـن هذا التعاقد في ظل وجود السلطة الحكومية المستقله التي تم انشاؤها لادارة وتطويرهذه المنطقة ومجلس المفوضين الذي منح كل الصلاحيات والدعم السياسي والمادي والمعنوي . 

بعد انجاز المخطط الشمولى للعقبة اشارت الشركات الاستشاريه في تقريرها بنقل الميناء الرئيسي الى المنطقة الجنوبية وبرغم اعتراض العديد من الخبراء آنذاك على هذه المشوره لاسباب علمية وفنية فقد اعتمدت ادارة السلطة هذا التوجه منذ السنوات الاولى للمشروع وتم تعيين عدد من الشركات الاستشارية العالمية لوضع المخططات والبرامج لتنفيذ هذه الخطوة وتشير المعلومات بأن كلفة الاستشارات والتحضيرات تجاوزت ثلاثين مليون دولار. وتجدر الاشاره هنا بأنه برغم أن المخطط الشمولي قد اقترح نقل ميناء البضائع الرئيسي للجنوب الا ان المخطط أكد على بقاء ارصفة الميناء ملكا للدولة واستغلالها كميناء سياحي للبواخر السياحية وبواخر الركاب من منطلق الحفاظ على الاستثمارات الضخمة التي استثمرت في بناء هذه الارصفة التي يتجاوز طولها 2200 متر. اليوم بعد عشرة سنوات فلا وجود لميناء جديد في المنطقة الجنوبية والميناء الرئيسي قد تم بيعه بسعر وصفقة غامضه يدور حولهما جدل واسع خصوصا بعد أن تكشف أن الذين فاوضوا عن الحكومة الاردنية تولوا المواقع القيادية في الشركة الاستثمارية التي اشترت ارض الميناء وبرواتب خيالية. يضاف لذلك الجدل القائم حالياً والانتقادات النيابية والاعلامية حول القرض البنكي الضخم (125 مليون دينار) الذي تم الحصول عليه لهذه الغاية ولم يستخدم والخسائر والكلف المترتية على هذا القرض. 

وفي الوقت الذي اعتبرت فيه ادارة السلطة استقطاب شركة عالمية للموانىء كشريك استراتيجي لادارة وتطوير واستثمار ميناء الحاويات في العقبة يمثل انجازاً لادارة المنطقة تكشّف لاحقا بأن وراء هذا الانجاز غموض وخفايا كشفها السكوت على بطء هذه الشركة العالمية في تطوير الميناء واخفاقها في ضخ اي اموال لتطوير الميناء واللجوء للاقتراض من البنوك المحلية لتمويل عمليات التطوير والتوسعة اضافة لما يتردد حاليا في الكواليس حول مناورة التوسعة الجديدة فبدلا من الاستثمار ببناء رصيف جديد بطول 450 متر على امتداد الرصيف القائم حاليا سيتم استعمال الارصفة العائمة الموجودة حاليا والمملوكة لمؤسسة الموانىء لاستعمالها ويستمر مسلسل التقاعس عن الاستثمار في تطوير حقيقي لهذا الميناء. الامر الذي دفع بالعديد من الاقتصاديين والمعنيين بقطاع النقل لوضع اللوم على الجهات التي مثلت الحكومة بالتفاوض مع هذه الشركة وللتساؤل عن اسباب استقطاب هذا الشريك الاستراتيجي بهذه الشروط المجحفة بحق الدولة وحرمان الدولة من كامل ايراد هذا الميناء الذي كان يمثل انجح نشاطات ميناء العقبة والبقرة الحلوب لمؤسسة الموانىء خصوصا في ظل انعدام شعور قطاع النقل بقيمة مضافة مميزة اضافها هذا الشريك الاسترتيجي لم يكن بمقدور الكفاءات الاردنية انتاجها واضافتها. 

وفي اطار الحديث عن قطاع النقل ففي الوقت الذي نجحت فية احدى ادارات سلطة منطقة العقبة الاقتصادية في تحرير قطاع النقل بالشاحنات من نظام الدور الذي كان سائداً تعود ادارة جديدة للسلطة لتفرضة من جديد بطريقة تكنولوجية ذكية وتلزيمة لشركة خاصة لازال قطاع النقل يتساءل عن خلفياتها وخفايا تلزيمها بهذا النشاط خصوصا في ظل السكوت على تجاوزاتها والرسوم المتزايده التي تفرضها هذه الشركة على قطاع الشاحنات والتي تنعكس بالنهاية على المواطن الاردني والقدرة التنافسية لميناء العقبة . وبنفس السياق فتشير المعلومات والمشاهدات بأن اعمال التطوير لازالت قائمة في مطار العقبة فقاعات القادمين والمغادرين في المطار قد أعيد تأهيلها وتجديدها عدة مرات ، حيث يصف احد المراقبين بأنه ما يلبث متعهد من الانتهاء من اعمال اعادة تاهيل وتطوير ليباشر آخر بتغيير اعمال سابقة تحت نفس الغاية والمسمى . اما المدرجات فلا تزال اعمال التوسعة قيد التنفيذ. 

ومن جانب آخر تشير دراسة للبنك الدولي (World Bank) نشرت في عام 2008 حول اداء المناطق الاقتصادية الخاصة في العالم (الدراسة مذكورة في نهاية المقال) بأن منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة لم تحقق النتائج المرجوة من تحويلها لمنطقة اقتصادية خاصة استنادا للمفهوم الاقتصادي العالمي للمناطق الاقتصادية الخاصة حيث تبيّن الدراسة بأن هذه المناطق تنشأ لتسهيل وتشجيع اقامة الصناعات التصديرية بالدرجة الاولى بينما منطقة العقبة لم تحقق اي نجاح في استقطاب واقامة نشاطات صناعية تصديرية بخلاف ما كان قائما قبل اعلانها منطقة اقتصادية خاصة. اما على صعيد نشاطات السياحة والمنتجعات والاستثمارات العقارية فتذكر الدراسة أن المنطقة نجحت في استقطاب عدد جيد من هذه الاستثمارات وبعضها قيد الانشاء ولكن تحتاج لسنوات قادمة ليلمس اقتصاد العقبة والاقتصاد الوطني اثارها الاقتصادية . يجدر الاشارة هنا الى أن الجدل الكبير الذي صاحب هذه الاستثمارات فيما يتعلق بتدني اسعار بيع هذه الاراضي يضعف كثيراً قيمة العوائد الاقتصادية المتوقعة مستقبلا لهذه المشاريع. فهناك صخب شعبي ومساءلات نيابية حول الاسس التي تم على اساسها تحديد اسعار بيع اراضي مشروعي آيله (2200 الفان ومائتان دونم بسعر خمسة الاف دينار/دونم) ومرسى زايد (3200 ثلاثة الاف دونم بسعر مائة الف دينار/دونم) وتدني هذه الاسعار وبعدها كثيرا عن القيمة الحقيقية والواقعية للارض ، حيث تشير قيود دائرة الاراضي والمساحة بأن سعر الارض في هذه المواقع او موقع مشابهة في العقبة هي اضعاف الاسعار التي بيعت بها هذه الاراضي وذلك في نفس فترة بيع وتسجيل هذه الاراضي باسماء مستثمريها (تتراوح بين مائة الف ومليون ونصف المليون دينار للدونم لمشروع آيله ، تتراوح بين خمسمائة الف ومليوني دينار للدونم لمشروع مرسى زايد). بالطبع ليس من المتوقع أن يدفع مستثمر لمشاريع بهذا الحجم اسعار السوق ولكن أن يدفع اقل من 10% عشرة بالمائة من سعر السوق فهذا أمر يدعو للوقوف عنده ويفتح المجال لكثير من التساؤلات عن الاسس التي حددت على اساسها هذه الاسعار وعمن فاوض وتوصل لهذه الاسعار واسباب حرمان الخزينة والدولة من هذه الحقوق وعن اسباب السكوت على هذا الامر. الادهى من ذلك مايتردد حاليا خلف الكواليس بان توفير البنية التحتية لهذه المشاريع واعمال الحفر يتم الانفاق عليها من خزينة الدولة. 

في جانب تطوير وتنمية المجتمع المحلي فالوضع لايختلف كثيرا فعلى سبيل المثال في الوقت الذي كان الطموح أن يرتفع مستوى معيشة ورفاهية المواطنين فلاتزال تسمع ملاحظات وتذمر من عدم العدالة الوظيفية في الرواتب بين العاملين في سلطة منطقة العقبة الاقتصادية وبين العاملين في مؤسسات ودوائر الحكومة الاخرى في العقبة ونشوء حالة من الشعور بانعدام الامن الوظيفي لدى هؤلاء العاملين نتيجة عدم وضوح حدود صلاحيات السلطة وتداخل المسؤوليات مع مؤسساتهم. فالعاملين في مؤسسة الموانىء أضربوا عن العمل عدة مرات خلال السنوات الماضية للمطالبة بتحسين اوضاعهم المعيشية ، اضف لذلك اعتصامات العاملين في عدد من المؤسسات الاخرى في العقبة لنفس الغاية والعجيب أن حركة المطالبة بالعدالة وتحسين الاوضاع قد دفعت بالعاملين في سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة لتنفيذ عدد من الاعتصامات مؤخراً . ولم يقف الامر عند هذا الحد بل بدأ اهالي العقبة يتذمرون مما يسمونه فوضى الاستثمار في العقبة فاصبحوا يعتصمون للمطالبة باغلاق مراكز التدليك والمساج التي تم ترخيصها تحت عنوان تشجيع وجذب الاستثمار لمدينتهم بعد أن استشعروا اثرها السلبي على المجتمع كما باتوا يشكون من انتشار البضائع المقلدة والسلع المتدنية الجودة في اسواق العقبة ويطالبون بتفعيل دور الرقابة على جودة السلع. 

وبنفس الاطار فقد كان يتأمل أن يحدث هذا المشروع نقله نوعية في مستوى وشكل واسلوب وبيئة التعليم الالزامي والثانوي والجامعي في العقبة الا أن كثيرين يؤكدون بأن الوضع التعليمي في العقبة لم يتغير عما كان علية سابقا لا في المدارس والمعاهد الحكومية ولا حتى في المدارس الخاصة ويؤكد ذلك مقارنة نسب النجاح والرسوب في امتحان التوجيهي لمدارس العقبة قبل وبعد اعلانها منطقة اقتصادية فضلا عن أن اختيار مبادرة مدرستي لتحسين البيئة المكانية لبعض مدارس العقبة بعد سبع سنوات تقريبا من انطلاق منطقة العقبة الاقتصادية يؤكد ضعف هذه البيئة وتراجعها. بالمقابل ينتقد ابناء المجتمع المحلي بأن الاموال التي انفقت والامتيازات التي منحت لاستقطاب وانشاء مدرسة دولية خاصة تتقاضى اقساط باهظة كان على حساب تطوير وتحسين البيئة التعليمية في المدارس القائمة في العقبة . 

كذلك في الجانب الصحي فيؤكد كثيرون بأن الوضع لم يتغير عما كان عليه قبل انشاء المنطقة الاقتصادية فالمستشفيات والمراكز الصحية القائمة قبل عشر سنوات كما هي ولم يطرأ أي تحسن على مستوى ادائها بل اصاب التقادم الكثير من مرافقها ولا زالت العديد من الحالات يتم تحويلها لمستشفيات في العاصمة كما لا زالت المدينة تفتقر لمستشفى مدني. مع الاشارة بأنه بوشر ببناء مستشفى عسكري جديد قبل عدة سنوات كبديل لمستشفى الاميرة هيا العسكري ولكن يلاحظ بأن المشروع يسير ببطء شديد . 

اما من حيث تطور البيئة الخدمية في المدينة وسهولة حصول المواطنين على هذه الخدمات فبرغم مرور عشر سنوات لم يطرأ أي تحسن أو تطور ملحوظ على كثير من هذه الخدمات وتسهيل حصول المواطن عليها فعلى سبيل المثال خدمة ترخيص المركبات والسواقين في العقبة تعتبر مثالا لمعاناة المواطن ، اذ ان معاملة ترخيص المركبة او رخصة القيادة مشتتة بين المركز في المنطقة الحرفية (مدخل المدينة) ومواقع اخرى في وسط واطراف المدينة ، فتجديد رخصة المركبة يتطلب فحص المركبة فنيّا في مركز على الطريق الخلفي للعقبة ثم العودة لمركز الترخيص في المنطقة الحرفية (مسافة لاتقل عن 10 كم) لاستكمال المعاملة وثم ليعود مرة اخرى لمحكمة سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة (في وسط المدينة – على بعد 3 كم تقريبا) لدفع المخالفات والعودة بعدها لمركز الترخيص لاستكمال الاجراءات. اما خدمات المياه والكهرباء وتراخيص البناء واذونات الاشغال فيؤكد عدد من الاهالي بأن الامور كما هي واحيانا باتت اصعب من السابق لا بل بعضهم يستشهد بعجز السلطة خلال العشرة سنوات الماضية عن اتخاذ قرار تنظيمي بالسماح ببناء القرميد في العقبة. 

يؤكد مراقبون من مجتمع العقبة بأن سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة انطلقت بكل فعالية ونشاط في بداية انشائها الا انها مالبثت أن غرقت في اشكالاتها الداخلية وانصرفت عن التركيز على الاهداف الرئيسية للمشروع الى امور ثانوية صاحبها ارتفاع ملحوظ في مستويات الانفاق من المال العام وضعف واضح في الفعالية التشغيلية للموارد (Effectiveness) جعلها موضع انتقاد واتهام في كثير من الاحيان. فقد تضاعفت موازنتها عدة مرات واستحوذت الرواتب والاجور والمكافآت على معظم مخصصات الموازنة مما اثقل كاهل الميزانية ودفع الكثيرين لتوجيه الانتقادات لهذا التوسع في الانفاق الاداري الذي لم يتوقف واستمر في التوسع والتضخم خصوصا تحت مسمى ملف اعادة الهيكلة وتسكين الموظفين وبند العلاقات العامة حيث تجاوز مجموع ما أنفقته سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة لوحدها خلال العشرة سنوات الماضية السبعمائة مليون دينار (مليار دولار تقريبا) والتي كما قيل لو انفقت فعلاً وبكفاءة على مدينة بحجم العقبة لجعلتها مثل باريس وذلك ناهيك عما انفقته شركة تطوير العقبة وبرامج المنح والمساعدات الاجنبية التي قدمت للعقبة خلال تلك الفترة. 

وختاماً فلقد دأبت سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة منذ انطلاقتها على اقامة احتفالية ضخمة في ذكرى انطلاقتها في منتصف شباط من كل عام ، الا ان الملفت للانتباه غياب هذه الاحتفالية منذ عامين وخصوصاً في السنة العاشرة والتي تعتبر بالعادة سنة مميزة للاحتفال الامر الذي نعتبره مؤشرا يحمل في طياته اعترافا بأن الواقع لم يرقى لمستوى الطموحات وبأن الكلف المالية والاقتصادية والاجتماعية التي ترتبت على هذا المشروع باتت تفوق العوائد المتأتية منه . ان الواقع الذي آلت اليه الامور في العقبة مقابل النجاح الباهر للعديد من مشاريع المناطق الاقتصادية التنموية في العالم يجب أن يدفعنا للبحث عن اسباب فشل هذا المشروع لدينا ، توضح دراسة لاحد بيوت الخبرة العالمية أن اهم اسباب فشل المناطق الاقتصادية الخاصة في العالم يعود لضعف وسوء الادارة وتفشي الفساد فهل فعلا كانت هذه الاسباب وراء ما آل اليه الوضع في العقبة أم اسباب اخرى بكل الاحوال فان الوضع في العقبة لايمكن ان يستمر على ماهو عليه حيث لابد من تصويب الامور علنا نستطيع تعويض ماخسرناه من وقت وهدر في الاموال وتحقيق الرؤيا الملكية لمدينة العقبة وباقي محافظات المملكة.. 

smuhasen@hotmail.com 
(Special Economic Zones-Performance, Lessons Learned and Implications for Zone Development)]دراسة البنك الدولي - See more at: http://www.ammonnews.net/article/96068#sthash.wc10lDuu.dpu
f

أضافة تعليق


capcha
كافة الحقول مطلوبة , يتم مراجعة كافة التعليقات قبل نشرها . :
العراب نيوز صحيفة الكترونية جامعة - أقرأ على مسؤوليتك : المقالات و الأراء المنشورة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها و لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العراب نيوز.