ووفق تقرير نشر على موقع هيئة الإذاعة البريطانية bbc أعدته الصحفية بريجيت شيفر، التي التقت سيسوكو في مسقط رأسه بمالي، وروت أنه مازال حرًا طليقًا ولم يدخل السجن ولو ليوم واحد. وتوصف العملية التي خططها سيسوكو بأنها واحدة من أكثر حيل النصب جرأة في التاريخ، وفقًا للتقرير البريطاني.

ووفق المصدر تعود بداية القصة لذهاب سيسوكو، إلى الإمارات وطلب قرض من بنك دبي الإسلامي لشراء سيارة. وكانت الخطوة الأولى في العملية هي استدراج مدير أحد فروع البنك حينها ويدعى "م. أ.” الذي قبل دعوة على العشاء من سيسوكو، كنوع من رد الجميل للموافقة على القرض.

وأثناء العشاء بدأ سيسوكو تنفيذ مخططه بإدعاء شيء مدهش، وهو امتلاكه قدرات سحرية وأنه يمكنه "توليد الأموال”، بمعنى مضاعفة أي مبلغ يريده، ودعا المدير الإماراتي للحضور إليه مرة أخرى ومعه مبلغ من المال لتأكيد قدرته السحرية على زيادة الأموال.

ولم ينتظر مدير البنك طويلًا حتى ذهب مجددًا إلى منزل سيسوكو ومعه أمواله، وقابله الرجل مندفعًا من إحدى غرف المنزل وهو يصيح بأن "الجن” هاجمه للتو، وحذره من إغضاب الجن وإلا فلن تتضاعف أمواله، فاستجاب الرجل على الفور وترك الأموال في الغرفة وظل ينتظر.

وروى "م. أ.” ما حدث معه وقال "رأيت ضوءًا ودخانًا وسمعت أصوات الجن. ثم فجأة ساد الصمت”، حسب قوله. وكانت المفاجأة أن الأموال "توالدت” وتضاعفت كما وعده الساحر، وهنا ظهر السرور على وجهه، ومن هنا تهيأت الأمور لعملية السطو الكبرى.

ويصف ألان فاين، محقق من ميامي استعان به البنك الإماراتي فيما بعد للتحقيق في الجريمة، ما حدث قائلًا: "الرجل المستهدف آمن بأن ما حدث كان سحرًا أسود، وأن سيسوكو بالفعل قادر على مضاعفة الأموال”. وأضاف المصدر، أن "م. أ.”، مدير بنك دبي الإسلامي حينها، أدين بالاحتيال وسجن 3 سنوات وخضع لعلاج من السحر، لكنه بعد ذلك أرسل أموالًا إلى سيسوكو، وكانت من أموال البنك، واعتقد أنها ستعود إليها أضعافًا مضاعفة ويستفيد منها. وبحسب أوراق القضية فقد أجرى مدير البنك 183 تحويلًا ماليًا إلى حسابات سيسوكو حول العالم، في الفترة من 1995 إلى 1998.

كما عمل سيسوكو على استخدام أموال بطاقات ائتمانية كبيرة، بلغت الملايين بحسب فاين، وكان المدير المصرفي يتولى تسوية هذه الأموال بدلًا منه، بحسب التقرير. وفي عام 1998، بدأت الإشاعات تتقاطر على البنك وأزمته المالية، وحينها نشرت إحدى الصحف في دبي تقريرًا عن أن البنك يعاني أزمة سيولة، وحدثت اضطرابات وتجمع المودعون أمام البنك في انتظار سحب أموالهم.

يقول فاين عن حقيقة ما حدث: "مالكو البنك تعرضوا لضربة كبيرة وكبيرة جدًا. ولم تكن أموال التأمينات كافية لتغطيها، وما أنقذهم هو وقوف الحكومة إلى جانبهم ومساعدتهم”. وأضاف: "تفرغت بعد ذلك السلطات الإماراتية للتحقيق في ملابسات القضية لفك طلاسمها وأطرافها”، على حد قوله.

وفي هذا الوقت كان فوتانغا بعيدًا جدًا ينعم بأموال البنك، إذ فتح حسابًا في سيتي بنك في نيويورك واستخدمه لتحويل 151 مليون دولار من دبي، وهو الذي وضع مخططًا من البداية يقضي بعدم التواجد في دبي أثناء تلقي الأموال، واعتمد على أن يكون بعيدًا عنها بينما تتدفق الأموال إليه في الخارج. فبعد أسابيع قليلة من عرضه السحري أمام مدير البنك الإماراتي، توجه سيسوكو في نوفمبر/تشرين الثاني 1995، إلى مصرف آخر في نيويورك، وفعل أكثر بكثير من فتح حساب.

يقول ألان فاين: "لقد دخل إلى مقر سيتي بنك يومًا ما، دون موعد سابق، والتقى بإحدى الموظفات في قسم التحويلات المالية وسرعان ما تزوجها”.

ويوضح المحقق الأمريكي أن تلك السيدة "لعبت دورًا في تسهيل علاقته مع سيتي بنك الأمريكي، وانتهى به المطاف لفتح حساب هناك، يمكنني تذكر أنه من خلاله تم تحويل أكثر من 100 مليون دولار إلى الولايات المتحدة”. ويضيف: "في الواقع، وفقًا للقضية التي رفعها بنك دبي الإسلامي ضد سيتي بنك الأمريكي، فقد تم تحويل أكثر من 151 مليون دولار، "خصمها سيتي بنك من حساب المراسل الخاص ببنك دبي الإسلامي دون إذن مناسب، وقد تم إسقاط القضية لاحقًا.”

ودفع سيسوكو أكثر من نصف مليون دولار لزوجته مقابل مساعدته في تحويل الأموال من دبي إلى نيويورك. وعن هذا الزواج يقول فاين :”لا أعلم الإطار القانوني لزواجه منها، لكنه قال، إنها زوجته وهي بدورها صدقت أنها زوجته أيضًا”. وقد أدركت أنه لديه زوجات أخريات، بعضهن من أفريقيا والبعض الآخر من ميامي، وحتى كان هناك زوجات من نيويورك.

ومع تدفق الأموال عليه، كان بإمكان سيسوكو تحقيق حلمة بإنشاء شركة طيران في غرب أفريقيا، واشترى للشركة طائرة مستعملة من طراز "هوكر- سيديلي 125” وطائرتين عتيقتين من "بوينغ 727 إس” . وكانت هذه البداية الحقيقية لشركة طيران "أير دابيا”، التي سماها على اسم قريته التي ولد فيها في مالي. لكن سيسوكو ارتكب خطأً كبيرًا، في يوليو/ تموز 1996، عندما حاول شراء مروحيتين من طراز "هيوي” تعودان لحرب فيتنام.

يقول فاين عن هذه الصفقة :”أوضح سيسوكو أنه أراد شراءهما لاستخدامهما في خدمة الإسعاف الطائر، لكن المروحيات التي كان يبحث عنها كانت كبيرة جدًا، فهي ليست من النوع الذي يستخدم في المستشفيات ومراكز الصحة في الولايات المتحدة.. كانت أكبر بكثير من ذلك”. ولأنه يمكن إعادة تهيئتها كطائرات حربية، فإن المروحيات تحتاج إلى رخصة تصدير خاصة في الولايات المتحدة. وحاول رجال سيسوكو تسريع الأمور من خلال تقديم رشوة بقيمة 30 ألف دولار إلى ضابط الجمارك، وبدلًا من ذلك، فقد عرضوا أنفسهم للاعتقال.

وأصدر الإنتربول أمرًا بتوقيف سيسوكو أيضًا، وتم القبض عليه في جنيف، وسريعًا تم ترحيل سيسوكو إلى الولايات المتحدة، حيث بدأ في حشد داعمين مؤثرين.

وأصيب قاضي جلسة الاستماع الخاصة بقضيته بصدمة عندما رأى استعداد دبلوماسيين لضمان سيسوكو، كما تفاجأ سبنسر عندما وجد عضو مجلس الشيوخ الأمريكى السابق "بيرتش بايه” ينضم لفريق الدفاع عنه. وكانت الحكومة الأمريكية تريد احتجاز سيسوكو في السجن، ولكن تم إنقاذه بكفالة 20 مليون دولار، وهو رقم قياسي في ولاية فلوريدا في ذلك الوقت. وبعد خروجه بدأ في الإنفاق ببذخ، وكافأ فريق الدفاع بسيارات من طراز "مرسيدس” و "جاغوار”.

أنفق سيسوكو خلال تواجده في بلاد العم سام نصف مليون دولار في متجر مجوهرات واحد فقط، ومئات الآلاف في متاجر أخرى، ودفع أكثر من 150 ألف دولار في متجر ملابس للرجال، بحسب ما يتذكره فاين. وقال رونيل دوفرين، تاجر سيارات :”قد يأتي يومًا ليشتري سيارتين أو ثلاثًا أو حتى أربع سيارات في وقت واحد، ويعود بعد أسبوع ويشتري سيارتين وثلاثًا وأربع سيارات في وقت واحد. وكان ينفق الأموال في الهواء”. ويكشف تاجر السيارات أنه باع له ما بين 30 و35 سيارة. وسريعًا أصبح سيسوكو من المشاهير في ميامي. كان لديه بالفعل بضع زوجات، ولكن ذلك لم يمنعه من الزواج أكثر، وإيوائهن في بعض الشقق من 23 شقة استأجرها في المدينة.

وعلى الرغم من رصيد العلاقات الذي جمعه، عندما جاءت قضية سيسوكو إلى المحكمة تجاهل نصيحة محاميه وأقر بالذنب. وكان الحكم بالسجن لمدة 43 يومًا وغرامة قدرها 250 ألف دولار يدفعها بنك دبي الإسلامي بطبيعة الحال، حتى وإن كان لا يعرف أنه سيدفعها. وبعد أن قضى فقط نصف هذه المدة، حصل على إفراج مبكر مقابل دفع مليون دولار إلى ملجأ للمشردين. وكان من المفترض أن يقضي بقية العقوبة رهن الإقامة الجبرية في مالي، وبدلًا من ذلك عاد إلى وطنه كبطل. وخلال السنوات الماضية كانت الحقائق تتكشف في الإمارات وبدأ عملاء بنك دبي الإسلامي يدركون أن خطأ ما قد وقع، وأصبح مدير البنك أيوب عصبيًا، ولم يعد سيسوكو يرد على اتصالاته.

وفي النهاية لم يتحمل مدير المصرف الإماراتي الضغوط واعترف لأحد زملائه بما حدث معه وتحويله أموالًا للخارج، وعندما سأله زميله عن المبالغ التي حولها لم يتجرأ على أن ينطقها وكتبها على ورقة، وكانت المفاجأة أنها بلغت 890 مليون درهم ما يعادل (242 مليون دولار).

وفي النهاية تمت إدانته بالاحتيال المالي وصدر الحكم بسجنه 3 سنوات، وكانت هناك إشاعات بإجباره على الخضوع لعلاج بالقرآن لطرد الجن من جسمه وعلاجه من الإيمان بالسحر الأسود. أما سيسوكو فلم يخضع للعدالة قط. وحكمت عليه محكمة في دبي بالسجن غيابيًا 3 سنوات للاحتيال المالي وممارسة السحر الأسود. وأصدر الإنتربول مذكرة لاعتقاله ومازال مطلوبًا للعدالة.

وأصبح سيسوكو عضوًا في برلمان مالي لمدة 12 عامًا؛ ما منحه حصانة سياسية ضد الملاحقة القضائية. وبعد خروجه من البرلمان وطوال أربع سنين ماضية تمثلت حصانته في أن مالي لم توقع أي معاهدة لتسليم مواطنيها المطلوبين قضائيا في الخارج. ومازال بنك دبي الإسلامي يلاحقه قضائيا من خلال المحاكم دون جدوى.

وفي قرية "دابيا” على حدود مالي والسنغال وغينيا حيث يقيم سيسوكو السبعيني حاليًا، ظهر فجأة محاطًا بحراس مسلحين.يقول مستعرضًا قوى خارقة: "اسمي سيسوكو فوتانغا ديت باباني. أتعرفين أن اليوم الذي ولدت فيه احترقت كليًا جميع القرى المحيطة بالمنطقة. وخرج القرويون يصرخون (ماريتو رزق بصبي). وانتشرت النار أكثر وأكثر. فقد كان هناك الكثير من الأدغال حولنا”.

سيسوكو نفى تمامًا – في نهاية المقابلة – الحصول على أموال البنك أو ممارسة السحر الأسود واتهم المدير بالتلاعب وتحويل الأموال لصالحه. يقول ردًا على سؤال حول ثروته: "لم أعد ثريًا، أنا فقير”.