وقد نجح العدو الإسرائيلي على أثر نكبة 1948، في تحقيق ثلاثة أهداف هي:
1 – احتلال 78% من أرض فلسطين مما يزيد عن ربع مساحة فلسطين الممنوحة له وفق قرار التقسيم 181.
2- طرد نصف عدد أبناء الشعب الفلسطيني وتشريدهم خارج وطنهم.
3 – رمي القضية الفلسطينية إلى الحضن العربي، إلى لبنان وسوريا والأردن الحاضنة للاجئين الفلسطينيين، وعلى أثر ذلك تحولت القضية الفلسطينية وبفعل التواطؤ الدولي الأميركي الأوروبي والعجز العربي، من قضية وطنية سياسية إلى مسألة إنسانية يحتاج أصحابها إلى الإغاثة والتعليم والعلاج.
النضال القومي والوطني
وبذلك فقد الشعب الفلسطيني هويته الوطنية التي تبددت، وخسر جغرافية وطنه التي تمزقت بين ثلاثة كيانات سياسية متعارضة، ولهذا سعى الفلسطينيون من خلال المتعلمين منهم والمثقفين، إلى الاندماج بأحزاب وتيارات الحركة السياسية العربية العابرة للحدود، وباتت شعارات هذه الأحزاب المركزية بمثابة الملاذ والغطاء والأمل، وفي نفس الوقت صارت عنوان الصراع والخلاف الحاد، فالتيار القومي دعا إلى الوحدة العربية وصولاً إلى تحرير فلسطين، والتيار الإسلامي من الإخوان المسلمين وحزب التحرير تمسك بالخلافة وأحكام الشريعة وصولاً إلى فلسطين، بينما تمسك التيار اليساري بالاشتراكية طريقاً لفلسطين.
شرائح فلسطينية متواضعة وجدت أن فلسطين هي عنوانها وهدفها وهويتها، مثل حركة فتح وجبهة التحرير الفلسطينية وشباب الثأر وأبطال العودة، فواصل هؤلاء طريقهم الفلسطيني على هذا الأساس، وساعدهم على ذلك : 1- خطاب عبد الناصر الذي قال لا يوجد زعيم عربي ولا هناك دولة عربية لديها خطة لتحرير فلسطين وعلى أبناء فلسطين أن يتحملوا مسؤولياتهم لتحرير بلدهم، 2 – تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية في 28 أيار 1964، 3 – احتلال ما تبقى من فلسطين في 5 حزيران 1967، 4- معركة الكرامة في 21 أذار 1968.
محطات أردنية متقدمة
كانت المحطة الكبرى الأولى التي أدى الأردنيون فيها دورهم في أن يكونوا رافعة وغطاء ودعماً وحاضنة للحركة الوطنية الفلسطينية، قد تمثلت قي المؤتمر التأسيسي الأول للمجلس الوطني الفلسطيني الذي عُقد في القدس أواخر شهر أيار 1964 بقرار أردني افتتحه الراحل الملك حسين، وبذلك كان أول محطة عملية سياسية بولادة منظمة التحرير باعتبارها مشروعاً وطنياً توحيدياً لفعاليات الجهد الفلسطيني في تجنيد الفلسطينيين وتأطيرهم في معركة استعادة حقوق الشعب الفلسطيني، وتتالت المحطات الأردنية الداعمة، والتي شكلت روافع لنضال الشعب الفلسطيني على طريق استعادة حقوقه الوطنية الثابتة غير القابلة للتبديد أو التلاشي أو الانحسار.
المحطة الثانية التي لا تقل أهمية عن محطة عقد المجلس الوطني الفلسطيني، فهي معركة الكرامة التي حقق خلالها الجيش العربي الأردني انتصارا ملموساً وهزيمة مرة لجيش العدو الإسرائيلي، حيث جنى ثمارها العمل الكفاحي الفلسطيني الذي شكل محطة انتقالية لفصائل العمل الفلسطيني من فصائل محدودة التنظيم والتأثير والفعالية إلى حراك جماهيري واسع، شكل انقلاباً في الانحيازيات الفلسطينية لصالح العمل الوطني الفلسطيني.
الصدمات العربية الفلسطينية
النشاط الفلسطيني المكثف والنهوض الوطني على امتداد الجغرافيا المحيطة بفلسطين، تصادم مع الأولويات ومصالح البلدان العربية المجاورة للأرض المحتلة: الأردن وسوريا ولبنان وهي الحاضنة الأساسية للاجئين مادة الثورة وعمادها، فوقعت الصدامات ما بين المصالح الفلسطينية المطالبة بفتح الحدود والجبهات للنضال الفلسطيني، وبين ردود الأفعال الإسرائيلية الانتقامية، التي استهدفت البلدان العربية المحاذية، في ظل غياب الاستعدادات الواجبة لحماية أراضي العرب وضعف إمكاناتهم أمام تفوق العدو الإسرائيلي.
عقد المجلس الوطني في عمان
أدى الاجتياح الإسرائيلي للبنان في حزيران 1982، وخروج قوات المقاومة الى البلدان العربية من اليمن شرقاً إلى الجزائر غرباً، الى اضعاف الدور الفلسطيني الذي اصطدم مع الدولة السورية، التي عملت على إيجاد البديل الفلسطيني، وكادت تفقد اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير نصابها القانوني الشرعي، فوجدت القيادة الفلسطينية في الأردن الحاضنة لعقد المجلس الوطني الفلسطيني في دورته السابعة عشرة في عمان يوم 11/11/1984، ونقل مقرها من دمشق إلى عمان وانتخاب الشيخ عبد الحميد السائح رئيساً للمجلس الوطني بديلاً عن رئيسه السابق منذر الفاهوم، فأعاد لمنظمة التحرير شرعيتها المهزوزة وتماسكها الوظيفي، ولكن الأهم هو انتقال أبرز القيادات الفلسطينية للإقامة في عمان والعمل من خلالها نحو فلسطين، وخاصة الرئيس الراحل ياسر عرفات والشهيد خليل الوزير اللذين اهتما بشكل عملي وملموس بالوضع الفلسطيني داخل وطنهما المحتل، فشكل ذلك نقلة نوعية عادت على النضال الفلسطيني بالنهوض الشعبي العارم على أرض الوطن، أثمر ذلك بشكل واضح في تفجير الانتفاضة عام 1987 ضد الاحتلال.
مؤتمر مدريد
الحرب الباردة لم تكن ذات نتائج إيجابية لصالح العرب والشعب الفلسطيني، مثلما لم يكن اجتياح العراق للكويت والحرب على العراق وتدميره وحصاره تمهيداً لاحتلاله سوى كارثة أكبر على العرب، ولذلك استغل جورج بوش الأب نتائج تلك الكوارث ودعا لمؤتمر مدريد في 30 تشرين أول 1991 لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي وفتح التفاوض المباشر ما بين حكومة المستعمرة الإسرائيلية مع لبنان وسوريا والأردن، وتشكيل الوفد الأردني الفلسطيني المشترك غطاء للمشاركة الفلسطينية، وعمل الوفد الأردني بكل السبل لاستقلالية الوفد الفلسطيني عن الوفد الأردني وحقق نجاحات نسبية بهذا المجال، وعلق الوفد الأردني نتائج مفاوضاته مع الإسرائيليين من شهر كانون أول 1992 حينما توصل إلى جدول الأعمال، إلى أن يصل الوفد الفلسطيني لنتائج عملية، وهذا ما حصل حيث وقّع الوفد الفلسطيني اتفاق أوسلو في ساحة الورود في البيت الأبيض يوم 13/9/1993، وبعدها تم التوقيع على بيان التفاهم الأردني الإسرائيلي وصولاً إلى معاهدة السلام يوم 25/10/1994.
ومنذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا يلعب الأردن دوراً رافداً لتعزيز الصمود الفلسطيني على أرضه الوطنية وتعزيز بناء السلطة الوطنية ومؤسساتها وبناها التحتية كمقدمات ضرورية حيوية لقيام الدولة الفلسطينية.