• رئيس التحرير المسؤول .. فايز الأجراشي
  • نتقبل شكواكم و ملاحظاتكم على واتس أب و تلفون 0799545577

والدة طفلتي كترمايا اللبنانية تروي مشاهد من الجريمة

صفحة للطباعة
تاريخ النشر : 2010-05-02
1508
والدة طفلتي كترمايا اللبنانية تروي مشاهد من الجريمة

 كتبت ريتا عقيقي مراسلة صحيفة الراي الكويتية : انها كترمايا، البلدة التي دخلت «التاريخ» بـ «دم مزدوج» وعلامات سود، بعدما كانت ارضاً لجريمة جَرّت اخرى، وعلامتهما الفارقة «فظاعتهما» ووحشيتهما وهولهما.
على بعد نحو 47 كيلومتراً من بيروت بدت كترمايا هي «عاصمة الحدث» اللبناني، فـ «ضجيجها» غطى على هدير «السكود» وصخب الانتخابات البلدية وكل الاشياء الاخرى.
ففي هذه البلدة «الشوفية» الواقعة في اقليم الخروب اللبناني ، بدت رائحة الدم هي الاقوى. يوم الاربعاء الماضي فجعت كترمايا بـ «مذبحة» طاولت اربعة اشخاص من الـ أبو مرعي، جد وجدة وحفيدتيهما الطفلتين... نُحروا بالسكين بعدما انقضّ عليهم قاتل مجهول - معلوم في جريمة قضّت مضاجع كل لبنان.
بعد اقل من 24 ساعة، اي يوم الخميس، اوقفت القوى الامنية مشتبها به، تبين انه المصري محمد سليم مسلم. وعقب اعترافه اصطحبته الاجهزة الامنية الى مكان الجريمة لتمثيلها، فحصل ما لم يكن في الحسبان.
جريمة فوق جريمة هزت هي الاخرى لبنان الذي صدم بمشهد الثأر للدم بالدم على ايدي جماعات غاضبة من اهالي كترمايا قامت بـ «اعدام» المشتبه به بعدما انتزعته من ايدي القوى الامنية، وطعنته بالسكاكين قبل سحبه من المستشفى الذي نقل اليه وذبحه ثم سحله بعد ربطه بسيارة فانتزاع ثيابه عنه وتعليقه من رقبته بعمود كهرباء.
«الراي» زارت البلدة التي كانت ضحية لـ «الجزار» فبدت كأنها... الجلاد.
رغم الجريمتين اللتين شهدتهما البلدة، لم تفارق الحركة كترمايا.
وعند الوصول الى ساحة البلدة، الجميع يُشيرون الى المكان الذي «اخذوا الثأر» فيه والى العمود الذي علقوا عليه «القاتل».
ويفاخر اهل البلدة بما قاموا به ويبادرك احدهم بالقول: «14 الف نسمة قتلوا الفاعل وليس شخصا او عشرة».
مسرح الجريمة الاولى التي ذهب ضحيتها يوسف ابو مرعي وزوجته كوثر وحفيدتاهما أمنة وزينة، خال من اي حركة او «حياة»، فالاهل المفجوعون فضلوا تقبل التعازي في منزل احد الاقارب في كترمايا.
الوالدة، رنا، التي فقدت والديها وبنتيها، بدت منهارة، تتوسط مجموعة من النساء. والدموع لم تجف بعد من عينيها اللتين «تبكيان دماً». وفور دخولنا، بادرتنا الى رواية تفاصيل اكتشافها الجريمة فقالت: «... عند عودتي من المدرسة التي أدرس فيها، وعند اول شارع القرية التقيت بباص المدرسة الذي يقلّ يومياً موني وزينة. فرحت وقلت في نفسي انني وصلت في الوقت المناسب فلا بدّ انهما لم تتناولا طعام الغداء بعد وفي استطاعتنا التشارك به. وصلت الى المنزل فوجدت الابواب في الاسفل مقفلة وهو امر غير اعتيادي لانها تبقى دائماً مفتوحة. اقتربت قليلاً من الباب فوجدته مقفلاً بواسطة المفتاح، نظرت من الفراغ بين درفتي الباب وفي اعتقادي ان سوءاً ألمّ بأبي كإصابته بسكتة قلبية او ما شابه، فلم اجده. توجّهت الى شباك الغرفة ولكنني لم ار سوى طرف السرير ولم يكن احد عليه، فاعتقدت انه خارج المنزل لأن لا نور في الداخل على غير عادة. توجّهت الى باب خشبي آخر اتوجّه منه الى منزلي فوجدته موصداً بدوره والمفتاح الذي يبقى دائماً في الصارورة مفقود، فتضايقت وتحسرت في قرارة نفسي كيف اقفلوا الباب وهم على علم أنني سأصل قريباً. فرحت اناديهما «يا موني، يا زينة»، ولا من مجيب. امسكت بهاتفي الجوال واتصلت بخط المنزل ولكن لم يجب احد. تأكدت انهم لم يصعدوا الى الطابق الاعلى فقلت لا بدّ من ان مكروهاً اصاب والدي فذهبت والدتي بالفتاتين الى احد الجيران. فاتصلت بسائق الباص وسألته هل كان هناك احد في انتظار ابنتاي لدى وصولهما، فأجاب بالنفي وقال لي انهما دخلتا المنزل من الباب الحديدي. تأكدت حينها ان عائقاً صحياً اصاب احداً من والديّ وانهم توجهوا جميعاً الى المستشفى. اتصلت بمستشفى «عثمان» وسألت عنهم. ثم تذكّرت ان هناك عرساً في البلدة فبحثت عنهم في موكب المحتفين ولكن عبثاً.
اضافت: «قلت لشقيق العريس ارجوك اريد ان ادخل المنزل فلا مفتاح معي وانا احمل اغراضاً كثيرة من قرطاسية للاولاد وحلويات لبعد الغداء، فقام بمرافقتي وفتح لي الباب، فتوجهت على الفور الى المنزل فوجدت انه تمّ قطع الكهرباء. مررت في الغرف للتأكد انهم ليسوا هناك فكان اعتقادي في مكانه. نزلت الى الصالون وفوجئت بحقائب الفتيات هناك. ولأنه نادراً ما يضعنها هناك، فقلت في نفسي ربما كان ابي يتناول طعامه بمفرده فدخلتا ووجدتاه هناك ووضعوا الحقائب». تابعت: «شعرت بحرارة جسدي تنخفض قليلاً لانني علمت انهم كانوا هناك ولكن الى اين ذهبوا لم اعلم. تذكرت حينها انني لم اتصل بمستشفى «سبلين» القريب من البلدة. وكان رصيد هاتفي قد استُنفد، فطلبت من جاري ان يأخذني الى المستشفى. لكن طبعاً لم اجد احداً هناك فاعتارتني موجة من الغضب اين ذهبوا؟ ولأي اسباب؟ لماذا لم يتصلوا بي ويُبلغوني؟ لا سيما ان هذا التصرّف ليس من شيمهم. ثم خطر ببالي ان اتصل بامرأة خالي التي كانت امي برفقتها، فقالت لي ان والدتي عادت الى المنزل عند الساعة الثانية والنصف، فتخيلت ان ابنتي زينة التي تحبّ التوت كثيراً، توسلت جدّتها ان تأخذها الى القلعة لقطف التوت وادّعت امامها انها ليست جائعة ليأكلوا من قبل. ثم قلت في نفسي ربما ذهبت الفتاتان بمفردهما الى القلعة لأنني اقول لهما دائماً انه في حال لم تجدا جدّتكما وجدّكما ادخلا المنزل او اتصلا بي وانا بظرف دقائق اكون معكما. توجّهت الى القلعة وناديتهما لكن لا جدوى وعُدت الى مكان العرس وكانت النتيجة واحدة».
وروت: «قصدت اصدقاء لي، وأجريت اتصالات بأقاربي ولكن لم يعلم احد بمكانهم. جلست افكر ومشهد الباب الخشبي لم يفارق خيالي، فطلبت من احدهم مرافقتي ومساعدتي على فتح الباب الذي يوصل الى القسم الذي لم اتمكن من دخوله. فطلب مني شاكوشاً وقلت له كل الاغراض موجودة في الطابق العلوي. وعندما عدت قال لي لسنا بحاجة اليه، فقد رأينا من النافذة والدك على الفراش. فقلت انه اصيب بنوبة قلبية وأقفل الباب على نفسه حتى لا تراه ابنتاي. ثم قال لي ان الى جانب والدي مسدساً. وبعدما خلعنا الباب تبين انه قدّاحة على شكل مسدس ووجدت جثة والدي مشوّهة. ورحت ابحث عن والدتي وابنتاي وانا اصلي ان يكونوا هربوا. ووجدنا في الممر آثار دماء اعتقدت في البداية انها مياه وعلمت انه لا يمكن ان يكون من ابي لأنه مقتول في الغرفة. فتحت الباب عند آخر الممر فوجدت قدم امي وشاهدت التشوّهات التي لحقت بجسدها. ركضت ابحث عن الفتاتين، دخلت الى الحمام فبان لي حذاء زينة وقد حصرها في زاوية بعد ان قام بطعنها، وقد بدا انها حاولت صدّه لأنني امرّنها دائماً على الدفاع عن نفسها. ولم يدعوني ارى موني في الطرف الآخر والتي ألقى بها على بطنها وقام بقطع اذنها وهي لم تحاول حتى ان تقاوم لأنها جامدة في الارض. وفي التحاليل تبيّن ان الدم الموجود على السكين يعود الى زينة اي انها دافعت عن نفسها ولكنها لم تستطع ان تفلت من قبضتيه، فحشرها في زاوية الحمام».
> ما الدوافع برأيك؟
- لا اعلم، يا ليتني اعلم، لكن هذا واجب القوى الامنية والقضاء معرفة اسباب الجريمة. هو فارّ من القضاء المصري ومنذ وصوله الى لبنان اعتدى بالسكين نفسه على قاصر لا يتعدّى عمرها الـ 13 سنة، تم توقيفه ثم اخلي سبيله. وقد تبيّن انه يتعاطى المخدرات وانه مريض نفسياً وقالوا انهم سيعرضونه على اخصائيين ولكن كيف اخرجوه من السجن وفي ملفه جرائم كهذه؟».
اضافت: «هو جارنا ولا تعاطي لنا معه. كان ابي يتحدث مع زوج امه من عائلة «عرابي» واشقائه من مدخل المنزل ولكنه لم يدخل منزلنا الا مرة واحدة، فانا كنت اجلب مَن يغسل لي السجاد. وفي اليوم ذاته الذي كان من المفترض ان يأتي هذا الشخص لتوضيبه، عاكستنا الامطار فاعتذر واضطررنا الى طلب مساعدة محمد لان لا أحد في المنزل يستطيع ان يحمل السجاد الرطب. واقتصر عمله على ذلك.
ولا يمكن ان يكون على علاقة بأبي لأن والدي يخرج في ساعات الصباح بحثاً عن الخرضوات ويعود ظهراً فنتناول الغداء سوياً ونمضي فترة ما بعد الظهر على قنوات التلفزة فلا مجال للتعاطي بينهما».
... «خسرتم خيرة تلامذتكم». هكذا بادرت «الام الحزينة» احدى معلّمات مدرسة طفلتيها. تتوجّه الى مديرة المدرسة وعيناها مغرورقتان بالدموع وتقول: «سألتني زينة في الصباح هل ستصلين قبلنا؟ قلت لها سأكون خلفك مباشرة في الباص، وسنتناول طعام الغداء معاً. وعندما يتمّ نقلي في القريب العاجل للتعليم في مدرستكم سأكون دائماً في انتظاركما وسأغادر المنزل بعدكما. لو وصلت قبلهما في هذا اليوم المشؤوم لما كان هذا كلّه حصل».
تحاول احدى الجالسات التهدئة من روعها ولكنها تستطرد «فرحت عند تخرّج التلاميذ الذين علّمتهم وكبرت مع كل فرد منهم فلم حُرمت من نعمة رؤية طفلتيّ تتخرجان؟».
لا تقوى رنا على استيعاب فكرة غياب طفلتيها فالموت لأسباب طبيعية مقبول ولكن ان تذهب عائلتها قتلاً فهو ما لا تستطيع استيعابه! «لا استطيع ان افكر بالصراخ الذي اطلقوه والعذاب الذي عانوه وهو يقطع اجسادهم ارباً ارباً، لا اريد ان افكر كيف حاولوا الهرب من قبضتيه او كيف استغاثوا بي لنجدتهم فهأنا اسمع صوتهما يناديني «ماما، ماما». رحلت زينة وعلى جبينها النجوم التي وضعتها لها المعلّمة مكافأة على جهودها في دروسها. كيف سأقوى على دخول منزلي ولا اجدهما فيه؟ آه كم ارغب بضمّهما الى صدري كما افعل يومياً وانزالهما بوابل قبلاتي... اخذ مني عائلتي».
هذه الكلمات لم تكن سوى جزء صغير من المرارة التي تمرّ بها رنا فهي وكما قالت ولدت وحيدة ورأت بطفلتهما عزاءً لها، لكن قبضة مجرم سلبها اياهما.
اما عبد اللطيف ملك، ابن شقيقة المغدور يوسف ابو مرعي، فرجّح ان يكون افراد وراء اقدام محمد على الجريمة البشعة، قاموا بإرساله دون ان يوضح الاسباب التي تدعوه الى الظنّ بذلك. ولكن وبحسب ما افاده ان القاتل يقوم منذ فترة طويلة بمراقبة المنزل، نافياً ان تكون هناك اي علاقة بين الغادر والمغدور تتجاوز علاقة جار بجاره كون منزل زوج والدة محمد يقع على بعد بضعة امتار من منزل ابو مرعي.
ويقول ملك ان العائلة لم تعرف قط ان محمود هو من اعتدى على فتاة في الـ 14 من عمرها في كترمايا قبل فترة وانه تمّت تخليته. كما انهم لم يعلموا بالجريمة التي اقدم عليها في مصر ودفعته لمغادرة البلاد خلسة.
حكاية كترمايا لم تنته وستستمر تحت «المعاينة» بعدما تحولت الجريمة... جريمتين.

أضافة تعليق


capcha
كافة الحقول مطلوبة , يتم مراجعة كافة التعليقات قبل نشرها . :
العراب نيوز صحيفة الكترونية جامعة - أقرأ على مسؤوليتك : المقالات و الأراء المنشورة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها و لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العراب نيوز.