• المدير العام ( المفوض ) .. عماد شاهين
  • يمكنك الاعتماد على وكالة العراب الاخبارية في مسألتي الحقيقة والشفافية
  • رئيس التحرير المسؤول .. فايز الأجراشي
  • نتقبل شكواكم و ملاحظاتكم على واتس أب و تلفون 0799545577

محمد الخطيب يكتب: الملك عبدالله الثاني: صوت الحكمة في زمن الغضب... ورسائل دولة في لحظة مصير

صفحة للطباعة
تاريخ النشر : 2025-07-30
474
محمد الخطيب يكتب: الملك عبدالله الثاني: صوت الحكمة في زمن الغضب... ورسائل دولة في لحظة مصير

 -

في لحظة استثنائية من تاريخ المنطقة، حيث يشتد الحصار وتزداد المأساة في غزة إلى حدود غير مسبوقة، جاء لقاء جلالة الملك عبدالله الثاني مع شخصيات إعلامية ليحمل أكثر من مجرد موقف إنساني؛ بل ليشكل خارطة طريق أردنية تجمع بين الوفاء الأخلاقي، والنضج السياسي، والبصيرة الاستراتيجية.
 
الملك لم يكتفِ بالتعبير عن الألم، بل تحدث بلغة العارف بعمق المعاناة وبثقل المسؤولية. حين قال إن ما يجري في غزة "يمس إنسانيتنا في الصميم"، لم يكن يخاطب الإعلاميين فقط، بل كان يخاطب ضمير شعبٍ بأكمله، يراقب المجازر، ويختنق بالقهر، ويتوق لفعلٍ يتجاوز الغضب العاطفي.
 
ولعل أبرز ما ميز هذا اللقاء أنه حمل مواقف واضحة ولكن بصياغة متزنة، فلم يكن استعراضا لمشاعر، بل بناءا لخطاب دولة. الملك شدد على أن الوقوف إلى جانب الأشقاء ليس خيارا، بل واجب أخلاقي وإنساني وعروبي، لا يُمنّ به ولا يُنتظر عليه شكر.
 
في هذا الموقف تتجلى فلسفة الأردن التي لم تتبدل رغم تغير الظروف: دعم فلسطين من منطلق الثوابت لا المصالح، ومن منطلق العهد لا الشعارات.
 
لكن جلالة الملك لم يكتفِ بتأكيد الموقف الأردني الثابت، بل ذهب أبعد من ذلك حين أطلق واحدة من أهم الرسائل الداخلية: ضرورة احترام جميع أساليب التعبير عن الغضب والحزن دون تشهير أو تخوين. هنا تتجلى حكمة القيادة في لحظة يغلي فيها الشارع، وتتعالى فيها الأصوات المختلفة، فقد اختار الملك أن يعزز وحدة الصف لا أن يقسمه، وأن يحتضن التعدد في الرأي لا أن يقمعه، مؤكدا أن ما يجمع الأردنيين أقوى من أي خلاف، وأن وطنا بُني على الوفاء لا تفرقه الانفعالات المؤقتة.
 
الملك أيضا وجّه رسالة بالغة الذكاء حين دعا إلى الموازنة بين الحزن والتضامن من جهة، واستمرار مظاهر الحياة من جهة أخرى، مبينا أن وقف الحياة والإضرار بالاقتصاد الوطني لا يخدم أهل غزة، بل يُضعف قدرة الأردن على الوقوف إلى جانبهم. في هذا الطرح، دعوة صريحة لوعي جديد: أن تكون القوة الاقتصادية والسياسية للدولة الأردنية هي أحد أشكال دعم فلسطين، وأن الحفاظ على الوطن لا يعني تجاهل الألم، بل أن نمتلك القدرة على الاستمرار رغم الجراح.
 
ولم يغب البعد الإقليمي والدولي عن حديث الملك، الذي أشار إلى لقاءاته مع قادة أوروبيين وكنديين، وجهوده المتواصلة مع القادة العرب والشركاء الدوليين. هي رسالة بأن الأردن لا يكتفي بالتعاطف ولا يكتفي بالإغاثة، بل يُجري اتصالات فاعلة في دوائر القرار، ويُحرك أدواته الدبلوماسية للضغط من أجل وقف الحرب وإيصال المساعدات الإنسانية. إنها دلالة على أن الأردن رغم محدودية إمكاناته، لا يزال صاحب حضور ووزن في معادلات الإقليم.
 
أما التوقيت، فهو بالغ الذكاء والدقة. فاللقاء جاء في لحظة احتقان شعبي داخلي وغليان عربي، ليعيد ترتيب أولويات المشهد الوطني، ويضبط الإيقاع العام، ويمنع الانزلاق نحو فوضى شعاراتية قد تخدم أعداء القضية أكثر مما تخدم أصحابها. وهنا يبدو جليا أن جلالة الملك لا يتحدث فقط باسم القيادة، بل يتحدث بلغة أردني يعرف شعبه جيدا، ويدرك أن في داخله وفاء لا ينضب، ولكن أيضا حاجة مستمرة إلى التوجيه الرشيد.
 
كان هذا اللقاء تجسيدا لنموذج القيادة التي تجمع بين الألم والتعقل، بين الانتماء والواقعية، بين العاطفة الوطنية والسياسة الحكيمة. فالأردن، كما قال الملك، سيبقى السند الأكبر لأهله في غزة، ولكن هذا السند لا يُبنى بالصوت المرتفع فقط، بل بالقلب المفتوح، واليد الممدودة، والدولة القوية التي تعرف متى تصرخ، ومتى تبني، ومتى تصمت لتعمل
أضافة تعليق


capcha
كافة الحقول مطلوبة , يتم مراجعة كافة التعليقات قبل نشرها . :
العراب نيوز صحيفة الكترونية جامعة - أقرأ على مسؤوليتك : المقالات و الأراء المنشورة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها و لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العراب نيوز.