• المدير العام ( المفوض ) .. عماد شاهين
  • يمكنك الاعتماد على وكالة العراب الاخبارية في مسألتي الحقيقة والشفافية
  • رئيس التحرير المسؤول .. فايز الأجراشي
  • نتقبل شكواكم و ملاحظاتكم على واتس أب و تلفون 0799545577

‏بين الترامبية والممدانية إسرائيل تخسر بالنقاط

صفحة للطباعة
تاريخ النشر : 2025-11-02
501
‏بين الترامبية والممدانية إسرائيل تخسر بالنقاط

 

ياسر ابوهلاله

 

ربما كان آخر صوت صهيوني نقي مدافع عن إسرائيل وجرائمها الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، وهذا موقفه الذي لم يتغيّر منذ غزو لبنان في 1982. والواضح أن الرئيس الحالي، ترامب، في ولايته الثانية غير مريح لإسرائيل. صحيح أنّه يفتقر للتعاطف من حيث المبدأ، ومع الفلسطينيين بخاصة، إلّا أنه بات، بعقلية التاجر، لا يراهن على اللوبي الصهيوني. نحن أمام رئيس ليس لديه أي مبدأ، ويتحرّك وفق غرائز السياسة. المجموعة المحيطة به ليست الحزب الجمهوري التقليدي، ولا المحافظين الجدد، إنها مجموعة شعبوية تحرّكها هوية شوفينية أميركية بيضاء تعبّر عنها بشكلٍ ما حركة MAGA. ولا يمكن القول إنّ هذه الحركة معادية للصهيونية لأسبابٍ أخلاقية، وليس لديها الوعي الكافي بالمشروع الصهيوني وخطره على البشرية وعلى الولايات المتحدة. منطلق هذه الحركة شوفيني، تعتقد أن إسرائيل عبءٌ على أميركا، وأيضاً من منطلقات عقائدية ثمّة تأويلها للمسيحية الرافض للمسيحية الصهيونية، باعتبارها انحرافاً خطيراً، وأن الدين الحق هو المسيحية، وأن شعب الله المختار هم المسيحيون لا اليهود.

‏طبعاً، تتحالف هذه الحركة موضوعياً مع المسلمين، ليس عن محبة، بل لأنها تشعر أن المسلمين والعرب على نحوٍ خاص أقرب من اليهود. لعلّ العلامة الفارقة في هذه الحركة هي الاعتداء على كنائس غزّة؛ فهذه الحركة تكتشف أن العرب مسيحيون ومسلمون، وأن العروبة ليست هوية دينية نافية للمسيحي، وأن المشترك بين العرب والمسلمين والأميركيين هو تقديس المسيح، حتى لدى المسلمين؛ فالمسيح ومريم العذراء والإنجيل قيم عليا، الإسلامُ مكمّل لها، وليسَ مناقضاً أو معادياً لها.

في التصريحات الأخيرة لنائب ترامب في تأبين الناشط كريك، والذي يتوقع أن يكون خليفته، كلام أزعج الإسرائيليين كثيراً، خصوصاً أنه تزامن مع مواقفه الناقدة نتنياهو في خطة ترامب.

'تختلف المعارضة الشعبوية اليمينية للدولة اليهودية اختلافاً بيّناً عن الموقف التقليدي المؤيّد لإسرائيل'

‏في جامعة ميسيسيبي، حيث ألقى نائب الرئيس، جي دي فانس، كلمة أمام حشدٍ نظّمته 'ترنينغ بوينت يو إس إيه'. وبعد كلمةٍ قصيرة، أجاب فانس عن أسئلة الطلبة. وقد طرح طالبان أسئلةً معادية لإسرائيل. وبدلاً من صدّهما، بدا نائب الرئيس إلى حدّ كبير وكأنه يزكّي عداءهما، وذلك جديدٌ على صوتٍ بهذا البروز داخل السياسة الجمهورية، وقد ألقى جي دي فانس بظلالٍ قاتمة على العلاقات الأميركية مع إسرائيل، ومن المهم تحليل الحوار مع الطلاب.

السؤال من أحد الطلاب: 'أنا رجل مسيحي، وأشعر بالحيرة من فكرة أنّنا مدينون لإسرائيل بشيءٍ ما، أو أنها أعظم حليفٍ لنا، أو أننا مضطرّون لدعم حزمة المساعدات الخارجية بمئات المليارات لإسرائيل لتغطية ما سمّاها، على حدّ تعبير تشارلي كيرك، عملية تطهير عرقي في غزّة. لا أفهم كيف ظهرت هذه الفكرة، خصوصاً وأن ديانتهم لا تتفق مع ديانتنا، بل تدعم اضطهادها علناً'.

فانس: 'أميركا أولاً' لا تعني العزلة. ... قال فانس إن مبدأ أميركا أولاً لا يعني أن الولايات المتحدة لن تكون لها تحالفات بين حين وآخر، موضحاً: 'أحياناً تكون لإسرائيل مصالح مشابهة لمصالح الولايات المتحدة، ونعمل معها، وأحياناً لا تكون كذلك'، كما أضاف أنّ صفقة ترامب الخاصة بغزّة 'لم يكن من الممكن إنجازها إلّا من خلال ممارسة ضغط فعلي على إسرائيل'، وتابع: 'لذلك عندما يقول بعضهم إنّ إسرائيل تتحكّم بالرئيس الأميركي، فإنهم مخطئون. إسرائيل لا تتحكّم بهذا الرئيس، ولهذا تمكّنا من تحقيق بعض النجاحات في الشرق الأوسط'. وأكثر أهمية من الحديث السياسي، أكد فانس أيضاً أنّ هناك 'خلافات لاهوتية كبيرة' بين اليهود والمسيحيين، 'لكن الطرفَين يمكنهما العمل معاً لحماية المواقع المقدّسة في إسرائيل'، وأشار إلى زيارته كنيسة القيامة في القدس الأسبوع الماضي، قائلاً: 'موقفي أنه إذا كان في وسعنا التعاون مع أصدقائنا في إسرائيل لضمان وصول المسيحيين الآمن إلى ذلك الموقع، فذلك مجال واضح للمصلحة المشتركة، وأنا مرتاح لذلك'.

لا يقتصر الأمر على نائب الرئيس، ثمّة أصوات فاعلة مؤثرة في اليمين، الصوت الأبرز لتلك الآراء المعادية هو تاكر كارلسون، مع جمهوره الهائل على 'البودكاست'. وهو ليس وحده. تختلف هذه المعارضة الشعبوية اليمينية للدولة اليهودية اختلافاً بيّناً عن الموقف التقليدي المؤيّد لإسرائيل لدى 'جمهوريّي ريغان' والإنجيليين، مثل السفير الأميركي الحالي لدى إسرائيل، مايك هاكابي. ومع ذلك، يتراجع الدعم حتى بين الإنجيليين، ولا سيّما الشباب منهم.

'ثمّة صعودٌ ليسار راديكالي يعبّر عنه المرشّح الأوفر حظاً ليُنتخب عمدة نيويورك، زهران ممداني، الذي دخل السياسة من بوابة ترامب الشعبوية نفسها'

على الضفة الأخرى، ومقابل الاستقطاب اليميني المتحلّل من التحالف، والتماهي مع الصهيونية، ثمّة صعودٌ ليسار راديكالي يعبّر عنه المرشّح الأوفر حظاً ليُنتخب عمدة نيويورك، زهران ممداني، الذي دخل السياسة من بوابة ترامب الشعبوية نفسها، فقد واجه معارضة من الحزب الديمقراطي لا تقلّ ضراوة عن الجمهوريين، وهو يعبّر عن ظاهرة يمكن تسميتها الممدانية.

... تمثّل اليسار الراديكالي الذي يحاول استعادة القيم الأميركية بخطاب يستخدم أدوات ترامب نفسها، لكنه يختلف معه في الغاية. تنبّه الكاتب تشارلز ليبسون، وهو أكاديمي مرموق مؤيد لإسرائيل، في مقاله أخيراً في 'الديلي تليغراف' إلى مؤشّرات الخطر على إسرائيل 'لكنّ الهجمات على إسرائيل، والدعوات إلى فرض قيودٍ أشدّ على الدعم الأميركي للدولة اليهودية، مرشحةٌ للاتساع في التربة الشعبوية التي هي الحزب الجمهوري اليوم. وهناك ثلاثة أسبابٍ على الأقل لهذا الاتجاه؛ أولاً أنّ ترامب يخدم ولايته الأخيرة، وهو الصوت الأكثر نفوذاً وتأييداً لإسرائيل بين الشعبويين الجمهوريين. ويُنظر إلى فانس حالياً بوصفه خلفه المرجّح'، والسبب الثاني أنّ قيمة الشراكة الأمنية مع إسرائيل لواشنطن باتت 'أقلّ الآن بعد 'احتواء' إيران وتحويل الولايات المتحدة اهتمامها إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ'، وثالثاً، أصبح الحزب الجمهوري 'شعبوياً، وقد انغرس في الشعبوية تاريخياً فكرٌ تآمري. والسؤالان هما: هل ستبقى تلك الرؤى على الهامش أم تتقدّم إلى الصدارة؟ وهل سيواجهها داخل الحزب دفعٌ قويّ مضاد؟'، ويحذر من أنّ تمسّك فانس بتلك الآراء، وإذا ازدهرت، وإذا تحوّلت إلى سياسةٍ أميركية، فستشكّل 'منعطفاً كبيراً في العلاقات الأميركية–الإسرائيلية. ولن يكون ذلك المنعطف إلى الأفضل، لا لإسرائيل، ولا للشرق الأوسط، ولا لأميركا'.

'تمثّل اليسار الراديكالي الذي يحاول استعادة القيم الأميركية خطاباً يستخدم أدوات ترامب نفسها، لكنّه يختلف معه في الغاية'

شكّلت، بنظره، الشراكة القوية بين الولايات المتحدة وإسرائيل ركناً ثابتاً من أركان السياسة الخارجية الأميركية عقوداً. غير أنّ هذه الرابطة، التي تعود بالنفع على البلدين معاً، تتعرّض الآن لهجومٍ متواصل، ولم يعد مصدرُه مقتصراً على اليسار التقدّمي. ويتنبّأ أن تكتسب الهجمات اليسارية على إسرائيل مزيداً من الزخم، إذا ما انتُخب زهران ممداني رئيساً لبلدية نيويورك، كبرى المدن الأميركية وعاصمة إعلامها، وهو يعتبر 'عداءه الدولة اليهودية مقروناً بما يبدو أنّه لامبالاة تجاه المقاومة الفلسطينية العنيفة، وليس شذوذاً على أقصى اليسار. بل هو، في الواقع، من ركائز ائتلافهم السياسي'.

تخسر إسرائيل نقاطاً مهمة منذ '7 أكتوبر' (2023)، وما التغيّر في اليمين واليسار في أميركا إلّا ثمرة تضحياتٍ كبرى وجهود هائلة، من دماء وعرق مقاتلٍ في الأنفاق، إلى طفل يتضوّر جوعاً، إلى طالب فُصل من جامعة هارفارد بسبب تظاهرة... ولا تتحوّل تلك الخسارة ربحاً لقضية فلسطين، من دون وجود قيادة فلسطينية موحّدة وقادرة، وعالم عربي موحّد على دعم فلسطين، فبقدر ما يبتعد الأميركيون والغرب عن الصهاينة، ثمّة عرب يتصهينون، ويطعنون القضية الفلسطينية في ظهرها. يظلّ الأمل معقوداً على الأجيال العرب، أكثر من ممداني، رياح التغيير في نيويورك تصل إلى العالم العربي عاجلاً أم آجلاً، وهذا ما تخشاه إسرائيل، جيل جديد معادٍ لها بأدواتٍ غير مسبوقة.

العربي الجديد
 
أضافة تعليق


capcha
كافة الحقول مطلوبة , يتم مراجعة كافة التعليقات قبل نشرها . :
العراب نيوز صحيفة الكترونية جامعة - أقرأ على مسؤوليتك : المقالات و الأراء المنشورة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها و لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العراب نيوز.