- المدير العام ( المفوض ) .. عماد شاهين
- يمكنك الاعتماد على وكالة العراب الاخبارية في مسألتي الحقيقة والشفافية
- رئيس التحرير المسؤول .. فايز الأجراشي
- نتقبل شكواكم و ملاحظاتكم على واتس أب و تلفون 0799545577
بين المعصية والمناخ .. حين يختلط الوعظ بسوء الفهم العلمي
مالك العثامنة
ليس مطلوبا من وزارة الأوقاف أن تتحول إلى مركز أبحاث مناخية، لكن من المفترض أنها تدرك وزن الكلمة حين تصدر عن جهة رسمية تمثل وعيا دينيا عاما، لذلك بدا مستغربا أن يخرج الناطق الرسمي باسم الوزارة قبل أيام بتصريح يربط فيه انقطاع المطر بقلة الإيمان وكثرة الذنوب، وكأن تغير المناخ في الأردن نتيجة حساب أخلاقي لا نتيجة مسار علمي معقد يناقشه العالم بأسره
المشكلة ليست في الإيمان ولا في الروحانية التي يتمسك بها الأردنيون بفطرتهم، بل في تحويل ظاهرة كونية تدرس في الجامعات ومراكز الأبحاث إلى سردية تبسيطية تلقي اللوم على منسوب إيمان الناس وتبعد النقاش عن جذوره الحقيقية، فالقحط الذي نعيشه اليوم ليس عقوبة سماوية، بل حصيلة تغير الأنماط المناخية في شرق المتوسط وتراجع الغطاء النباتي وتدهور التربة واستهلاك المياه الجائر والتصحر الزاحف، وهذه حقائق مثبتة علميا لا تحتاج إلى وعظ بل إلى معرفة.
ولأن التصريح حاول أن يفسر انحسار المطر وفق معادلة أخلاقية، قد يصبح من المفيد أن نختبر منطقه بأبسط مثال، فلو صحت فكرة أن المطر ينحسر عن البلدان بسبب الذنوب، لوجب أن تكون السويد والنرويج المصنفتان دائما في المخيال الوعظي كبلاد فجور أرضا جافة، بينما الأمطار هناك تنهمر أسابيع كاملة بلا توقف، بلجيكا حيث أعيش تكاد تمطر نصف العام، فهل الذنوب الأوروبية تقع خارج الجدول القياسي الذي يعتمده الناطق الرسمي؟ أم أن الغيوم هناك أكثر تسامحا مع المعاصي؟
العلم لا الخطابة يقدم الإجابة الواضحة، المطر لا يهطل وفق معايير السلوك الأخلاقي، بل وفق معايير فيزيائية وبيئية ومناخية، ولذلك تصبح هذه السرديات عبئا لا فائدة منه، لأنها تهرب من الحقيقة، نحن مقبلون على أزمة مائية خطيرة تحتاج إلى إدارة وسياسات ووعي عام، لا إلى ربط الطقس بالذنوب.
الأجدى بوزارة الأوقاف، وهي مؤسسة محترمة، أن تستثمر منابرها في نشر وعي علمي بيئي يساعد الناس على فهم مسؤولياتهم تجاه الأرض، الأولوية اليوم ليست في تخويف الناس من غضب السماء، بل في توعيتهم بأضرار البلاستيك الذي يغطي الوديان والرعي الجائر الذي ينهش ما تبقى من نباتاتنا والهدر المنزلي والمزارع للمياه والتعدي على الغابات والتصحر الذي يتقدم كل عام.
الدين ليس خصما للعلم، بل شريكا في حماية الحياة، وحين يضع الخطاب الديني يده بيد المعرفة يصبح تأثيره أعمق وأكثر صدقا، أما حين يستسهل ربط الظواهر الطبيعية بالذنوب فإنه يخسر دوره الحقيقي ويدفع الناس بعيدا عن جوهر القضية.
الأردن لا يحتاج من يخبره أن المطر انقطع بسبب المعاصي، بل يحتاج من يخبره كيف ندير مواردنا وكيف نغير سلوكنا البيئي وكيف نتصالح مع حقائق المناخ بدل الهرب منها، لأن اختلال الأرض اليوم هو الخطر الحقيقي، لا نقص الوعظ.