• رئيس التحرير المسؤول .. فايز الأجراشي
  • نتقبل شكواكم و ملاحظاتكم على واتس أب و تلفون 0799545577

تراجع التعليم وانهيار مكانة المعلم من الثمار المرّة للسياسات الحكومية!

صفحة للطباعة
تاريخ النشر : 2011-05-15
1798
تراجع التعليم وانهيار مكانة المعلم من الثمار المرّة للسياسات الحكومية!

 في آذار (مارس) من العام الماضي، وعندما خرج المعلمون في مظاهرات غاضبة، احتجاجا على تردي أوضاعهم المعيشية ، ثار بقوة سؤال المكانة الاجتماعية للمعلم.

 

ورغم أن الحكومة حاولت وقتها اختزال هذا الغضب، وامتصاصه بإجراءات مادية بحتة، تمثلت بإعلانها إعادة العمل بزيادة الخمسة في المائة التي كانت أُوقفت لسنوات، إضافة إلى إعلانها تقديم قروض للمعلمين.

 

إلاّ أنها إجراءات أثارت السخط أكثر من الرضا، ليس فقط لأن الزيادة المذكورة لم تتعد في متوسطها الثلاثة دنانير شهريا.

 

 ولكن، لأن تردي الأوضاع المعيشية للمعلمين الذين تتساوى رواتبهم في النهاية مع رواتب شرائح واسعة من موظفي القطاع العام، لم يكن تفسيراً كافياً لما ظهر جليّا أنه حالة احتقان تسود أوساطهم.

 

لقد كان الخروج إلى الشارع، كما يؤكد معلمون وخبراء، احتجاجاً على سياسات حكومية تسبّبت في تآكل المكانة الاجتماعية للمعلم.

 

وكان من ناحية أخرى، كما يؤكدون أيضاً، تعبيراً عن "غضب" المعلمين من سياسات تربوية بالغت كما يقولون في "تهميشهم" داخل مهنتهم، وحوّلتهم من شركاء في صنع القرار التربوي، إلى مجرد "أدوات منفّذة" له.

 

تردّي دخول المعلمين وتراجع أدائهم زعزعا مكانتهم الاجتماعية

يرى متخصصون أن السياسات الحكومية في التعاطي مع قطاع التعليم لعبت دوراً أساسيا في تراجع المكانة الاجتماعية للمعلمين وذلك في جانبين:

أولاً، عندما وضعت المعلمين في أسفل سلم الرواتب، في مجتمع تعاظمت فيه خلال العقدين الأخيرين بالتحديد، نزعة استخدام معايير مادية لتحديد القيمة الاجتماعية للفرد.

 

 وثانياً، وهو الأهم، عندما "ضخّت" إلى المدارس أفواجاً من المعلمين ضعيفي المستوى والتأهيل، أسهموا في تحطيم الصورة التي حملها المجتمع في وعيه عبر أجيال للمعلم.

 

إن الأمر كما يوضّح الخبير التربوي حسني عايش، يشبه الدائرة المفرغة، فالحكومات المتعاقبة توسّعت بحكم الزيادة السكانية في نشر التعليم، من دون أن يرافق هذا التوسّع نوعية جيدة.

 

 ما أدى إلى تراجع مستوى الخريجين، الذين عادوا، وبسبب من هذا التوسّع وزيادة الطلب عليهم، إلى هذه المدارس كمعلمين، ولكن من دون أن يخضعوا لأي تأهيل حقيقي أو غربلة.

 

وفق عايش فإن الخلل الأساسي يعود إلى أن الدولة تتعامل مع التعليم بوصفه "واحدا من بين عدة أولويات"، في حين أنها يجب أن تجعله الأولوية رقم واحد.

 

لو حدث ذلك، فإن التعليم بحسبه، سيحظى بالمخصصات المالية التي يستحقها، والتي تضمن "أن يحصل المعلمون على رواتب تضاهي أو تزيد على رواتب الأطباء والمهندسين، لأن تأثيرهم، ومن بين جميع المهن، هو الأعظم في أي مجتمع ".

 

ويضمن من ناحية أخرى كما يقول عايش "أن يحصل هؤلاء المعلمون على الإعداد الذي يؤهلهم لأن ينتسبوا إلى هذه المهنة".

 

طلبة وأولياء أمور يحملون المعلمين مسؤولية انهيار مكانتهم

 أولياء أمور وطلبة أكّدوا وجود نماذج كثيرة لمعلمين ملتزمين بأداء واجباتهم، ولكن في المقابل حمّل الكثير من الطلبة وأولياء الأمور المعلمين مسؤولية انهيار مكانتهم، لأن "الكثير" منهم، كما يقول هؤلاء "لم يعودوا يتحمّلون مسؤولياتهم".

 

كان هناك شكاوى مريرة من معلمين لا يدرّسون، ومن بينهم معلمو توجيهي، ويقول أيمن، وهو طالب توجيهي إدارة معلوماتية، إن معلّماً واحداً درّسهم هذا العام بـ"جديّة" هو معلم اللغة الإنجليزية، أما الباقون فقد "دلّونا على المراكز التي يعطون فيها دروساً خصوصية".

 

كان هناك أيضا شكاوى من ضعف الأداء، وانخفاض القدرة على إيصال المعلومة، وذكرت آلاء وهي طالبة في الصف الثامن، أن معلمة الرياضيات تقرأ الدروس على الطالبات كما تُقرأ دروس اللغة العربية، وهي تكتب المسائل على اللوح وتحلّها بنفسها.

 

أولياء أمور اشتكوا من القسوة في التعامل مع أبنائهم، وبالتحديد التلاميذ في الصفوف الدنيا، ويقول عادل إن المعلمين في مدرسة ابنه وهو في الصف الخامس يضربون الأطفال بـ"البربيش"، وأن بعضهم يطلب من الأطفال المعاقَبين أن يقلبوا أكفّهم إلى ظاهرها، ثم يضربونهم بالعصا على أطراف أصابعهم.

 

إن حالة الاحتقان التي يعيشها المعلمون بسبب انهيار مكانتهم، يقابلها حالة احتقان يعانيها أولياء أمور يدرس أبناؤهم في مدارس حكومية، ويشاهدونهم يترفّعون من صفّ إلى صفّ، مفتقرين إلى المهارات الأساسية.

 

وقد نقل مواطن ، أنه في انتخابات البرلمان المدرسي التي أقيمت في شباط (فبراير) الماضي، صوّت طلاب في الصفين السابع والثامن في إحدى مدارس المحافظة التي ينتمي إليها كـ"أميين".

 

 وذكر أن المعلمين كانوا "يتندّرون" في ما بينهم، على أن وزارة التربية، عندما وزّعت على المدارس تعليمات إجراء الانتخابات المدرسية "غفلت" عن إضافة بند ينظّم تصويت الأميين، كما يحدث في الانتخابات النيابية.

 

المعلمون: تراجع التعليم تسببت فيه سياسات وزارة التربية

 

لا ينفي المعلمون "انتشار" ممارسات مسيئة في أوساطهم، كما هي الحال في أي مهنة أخرى، ولكنهم يرفضون أولاً الخطاب الذي يميل إلى "تعميمها" بهدف استخدامها، "ذريعة" للنيل من المعلمين بشكل عام.

 

ويرفضون ثانياً تحميلهم وحدهم مسؤولية انحدار التعليم. مؤكدين أن الخلل يكمن أساساً في السياسات التي تتبعها وزارة التربية لإدارة العملية التربوية، بمختلف جوانبها من مناهج وأساليب تدريس وتقييم وأنظمة وقوانين تنظم العلاقة بين أطراف العملية التربوية، وهي سياسات يقولون إن الوزارة "تحتكر" صياغتها، ولا تستمع إليهم عندما يشيرون إلى مواطن الخلل فيها.

 

وفي إطار الإعداد لهذا التحقيق، تعرّض معلمون، وخبراء تربويون إلى أوجه الخلل في هذه السياسات، مثيرين العديد من القضايا.

الآراء تركزت على مناقشة بعض مواطن الخلل في المناهج الدراسية، وآليات متابعة وتقييم أداء المعلمين التي تطبقها الوزارة.

 

المناهج كأدوات للتجهيل

 

الاعتراض على "ثقل" المناهج كان القاسم المشترك بين جميع المعلمين والمعلمات المستطلع رأيهم، فهي كما يقولون مجرد "حشو" لكمّ هائل من المعارف النظرية التي لا يجدون وقتاً لشرحها، فيضطرون إلى المرور عليها سريعاً، وهم مدركون بأن طلبتهم لم يفهموها بشكل حقيقي.

 

وهم "يستغربون" ما تطرحه الوزارة بأن المناهج الجديدة تسعى إلى تنمية مهارات ذهنية مثل التحليل والتركيب والاستنتاج لدى التلاميذ، فتقول إيمان عبد اللطيف، وهي معلمة تربية إسلامية، للمرحلة الثانوية في إربد، إن ذلك لم يتعد إضافة أسئلة تستهدف هذه المهارات إلى الكتب المدرسية، ولكن كـ"ديكور" فقط.

 

 أما المناهج، وهي هنا تتحدث كمعلمة، وأم لأربعة أطفال يدرسون في الصفوف من الرابع إلى الثامن، فإنها "ما تزال في بنيتها الأساسية قائمة على ذات الجوهر القديم وهو تقديم كمّ كبير من المعلومات النظرية، ومطالبة التلاميذ بحفظها".

 

إن المشكلة كما تقول خولة الطهراوي، وهي معلمة تربية ابتدائية في سحاب "ليست فقط في كثافة المادة العلمية، وضيق الزمن المخصص لها، تحول بين التلاميذ وبين أن يتعلّموا كيف يحللون وينقدون ويربطون بواقعهم المعلومات المقدمة إليهم، ولكنها تجعلهم عاجزين حتى عن فهم هذه المعلومات ضمن المستوى المباشر".

 

وهنا يكمن الخطر الأعظم، فالتلاميذ يقضون ست ساعات يوميا في استقبال معلومات لا يفهمون الكثير منها، وما يفهمونه يكون بالنسبة إليهم معرفة "صمّاء" لأنهم لا يستطيعون اكتشاف علاقتها بواقعهم وحياتهم، وأشار العديد من المعلمين إلى أن الطلبة يكررون عليهم سؤالاً هو: ماذا سنستفيد من الذي تعلموننا إياه؟

 

إن المناهج ومن خلال إغراق الطالب في كمّ كبير من المعلومات، تحوّلت كما يقول المعلمون من أداة معرفة، إلى أداة "تجهيل"،  وتحوّلت المدارس من مكان يشكّل فيه التلاميذ وعيهم، إلى مكان يهدرون فيه طاقاتهم وأعمارهم.

 

والشكوى من كثافة المناهج لا تقتصر على معلمي المواد النظرية، بل يشكو منه معلمو  مواد تطبيقية مثل الرياضيات، فيقول محمد العلي، وهو معلم رياضيات للمرحلة الأساسية في إربد، إن التلميذ يحتاج إلى الكثير من التدريب حتى يستوعب أي قاعدة رياضية، ولتتحول إلى جزء من بنائه المعرفي.

 

في حين أن المناهج "لا تراعي ذلك، فالتلميذ يتعلّم مهارة ما، وقبل أن يتمكّن منها، يجد نفسه مطالباً بدراسة غيرها وغيرها، وهنا تتداخل المعلومات في رأسه، ونرى ذلك يحدث حتى مع التلاميذ الجيدين".

 

ويزداد الأمر إشكالية، كما يقول العلي عندما تترافق كثافة المادة العلمية مع صعوبتها، كما هي الحال في العديد من مناهج الرياضيات، وبالتحديد منهاج الصف الرابع، الذي يقول إنه يشكّل صدمة للتلاميذ "درّست هذا المنهاج لسنوات ودرّسه زملاء لي، أي أننا درّسنا نفس المادة لمئات التلاميذ المختلفين في مستوياتهم، وأؤكد أن هذا المنهاج ثقيل جدا، وأعلى من مستوى التلاميذ في هذه السنّ، وله تأثير نفسي سيئ على التلاميذ لأنه يدمّر ثقتهم بأنفسهم".

 

إن ثقل المناهج كما يؤكد أستاذ علم النفس التربوي في الجامعة الأردنية الدكتور يوسف قطامي، أحد أبرز أوجه الخلل في نظام التعليم في الأردن، فهي بحسبه ما تزال تقدّم للطلبة وجبات "ضخمة" من المعارف النظرية، في وقت يجب فيه أن تركّز على تدريبهم على العمليات الذهنية.

 

وفي اليابان التي تقع كما يقول قطامي، في الصف الأول من بلدان العالم في مستوى التعليم "لا يتعدى كتاب الرياضيات العامة 23 صفحة، في حين أن أي كتاب رياضيات لدينا يمكن أن يستخدم لسند عجلة سيارة بدلاً من صخرة".

 

إن وظيفة المدرسة في هذا العصر، لم تعد كما يؤكد قطامي، تقديم المعلومات للطلبة، قدر ما هي مساعدتهم على تنمية مهارات الوصول إلى هذه المعلومات واستخدامها، وهو هدف لن يتمكّن المعلمون من تحقيقه إلاّ إذا تم "اختصار حجم المناهج إلى ربع ما هو عليه الآن".

 

مناهج تقدّم المعرفة مشوّهة

 

إن الخلل في المناهج كما يقول معلمون لا يقتصر فقط على حشو المعلومات النظرية، ولكن هذه المعلومات، تقدّم في أحيان كثيرة "مشوّهة".

 

وفي وقت تعتبر فيه "المصداقية" أحد الشروط الأساسية في أي منهاج، فإن بعض المناهج تفتقر كما يقول معلم اللغة العربية علي هصيص إلى هذا الشرط، لأنها تقدّم للتلاميذ صورة "مثالية" للواقع، لا تتوافق مع خبرات التلاميذ الحقيقية الناتجة عن معايشتهم لهذا الواقع.

 

مثلاً، يتعلّم التلميذ كما يقول هصيص عن التطور الزراعي في الأردن، في وقت يشاهد فيه النتائج المدمّرة لسياسات التوسّع العمراني على حساب الأرض الزراعية، ومن بينها مدرسته نفسها التي أقيمت على أرض خصبة.

 

ويدرس عن العلاج الصحي في الأردن بوصفه "رحلة استجمام" ولكن هذه الصورة تنسفها في ذهنه أي زيارة يقوم بها لمستشفى حكومي.

 

إضافة إلى كل هذا، فإن المناهج تقدّم للطالب المؤسسات الوطنية بوصفها "مدناً فاضلة"، وتتجاهل مشكلات معاصرة مثل الفساد.

 

نمط آخر من "المعرفة المشوّهة" يلفت إليه في مناهج الإدارة المعلوماتية، معلم مادة المحاسبة في الرمثا كمال الشرع، الذي يقول إن كثيراً منها لا يحقق الهدف الذي استحدث من أجله هذا الفرع، وهو "تأسيس أرضية معرفية مناسبة لطلاّب ينوون دراسة العلوم الاقتصادية في الجامعة".

 

ويضرب مثلاً على ذلك بمادة "المحاسبة المحوسبة" التي تُدرّس للطلاب في الصفين الأول الثانوي والتوجيهي، ويتعلمون فيها ممارسة المحاسبة عن طريق الكمبيوتر.

 

في هذه المادة "يقفز" الطلبة مباشرة كما يقول الشرع إلى تطبيق المحاسبة عن طريق الكمبيوتر، من دون أن يكونوا قد تعلّموا شيئاً عن ماهية المحاسبة، ومبادئها "أي أنهم يتعلمون الكيفية التي تمّت بها حوسبة علم، لا يمتلكون أي فكرة عنه".

 

الخلل الثاني كما يشير الشرع، يكمن في الاختبار الذي يعقد للطلبة، فالمادة تعتمد بشكل كليّ على الممارسة العملية، ولكن الوزارة تمتحن طلاّب التوجيهي فيها بشكل نظريّ "أي أنه يُطلب من الطالب أثناء الامتحان أن يسترجع في ذهنه خطوات إجراء العمليات، ثم يكتبها، ولا أعرف أي منطق سليم يقبل هذا".

 

قطامي: سلطة القائمين على تأليف المناهج تضخّمت أكثر من اللازم

 

ما سبق ذكره هو نماذج لبعض من جوانب "الخلل" في المناهج الدراسية، كما أوردها معلمون ومعلمات، ولا يتسّع المجال في هذا التحقيق لذكرها جميعها.

 

ولكن حقيقة أن هذه الاعتراضات كثيرة، وكلّها مدعومة بأدلّة من واقع الخبرة العملية لهؤلاء المعلمين، يعكس "الفجوة" التي تفصل بين من يقومون بتأليف المناهج، ومن يقومون بتدريسها.

 

وهي دليل على أن سلطة من يتولّون أمر المناهج في الأردن كما يقول قطامي، قد "تضخّمت" أكثر من اللازم، فهم ما يزالون يطبّقون ما يُعرف تقليدياً بـ"سياسة الحكماء"، وتعني أن من يمتلكون السلطة هم الأكثر وعياً ومعرفة، وهم بالتالي الأقدر على تحديد ما يحتاجه الآخرون.

وهذا كما يشدد قطامي خطأ؛ "لأن من يعمل مع الطلبة في الميدان، وليس من يجلس في المكتب، هو من يعرف احتياجاتهم، ومستوى تفكيرهم، ونوع تفكيرهم العملي الأدائي، ويجب بالتالي أن تقوم بإشراك معلمين خبراء من الميدان في عملية تأليف المناهج".

 

الأمر الذي تقول وزارة التربية إنها تفعله. وفق المستشار الإعلامي في الوزارة أيمن بركات، فإنه إضافة إلى الأكاديميين المتخصصين، فإن المعلمين يشتركون في كافة مراحل التأليف.

 

الوزارة بحسبه ترسل كتباً رسمية إلى المدارس، تدعو فيها ضمن أسس محددة،  المعلمين الراغبين في المشاركة في التأليف، وأثناء عملية التأليف، يخضع المنهاج إلى "قراءات متعددة" من قبل متخصصين، ثم تُرسل المواد إلى الميدان لاطلاع المعلمين عليها والاستفادة من ملاحظاتهم، ووفق بركات فإن الوزارة تواصل متابعة ملاحظات المعلمين حتى بعد انتهاء عملية التأليف واعتماد المناهج للتطبيق.

 

لكن منال أبو العز، وهي مديرة مدرسة في العقبة، ترى أن ما سبق لا يمثل إشراكاً حقيقيا للمعلمين في صياغة المناهج، لأن من يتم اختيارهم في النهاية هم "بضعة معلمين" من 90 ألف معلم في المملكة، والأصل أن تطوّر الوزارة آلية تتيح فيها لجميع المعلمين إيصال أصواتهم  وهو أمر لا ترى أبو العز أنه يتحقق في تعميمات الوزارة السنوية التي تطلب فيها من المعلمين إبداء ملاحظاتهم على المناهج، لأن "الوزارة تطلب من المعلمين إبداء آرائهم في مناهج طُبعت ونزلت إلى الميدان، وهذا يجعلهم ينظرون إلى هذا الإجراء على أنه رفع عتب فقط، ويؤكد ذلك أنه خلال خدمتي التي استمرت عشر سنوات، لم يكن هناك أي ردّ فعل على أي ملاحظة أُرسلت إلى الوزارة".

 

مجيدون ومسيئون.. الجميع في سلة واحدة

 

يؤكد المعلمون أن "غياب" أي آلية لتحفيز المعلمين، تربط أداءهم بأي نوع من الامتيازات، هو سياسة أسهمت أيضاً في تراجع أداء كثير من المعلمين. ورغم أن بركات يشدد على أن الوزارة "تعطي الممكن والمتاح من حوافز للمعلمين، سواء على الصعيد المادي وتحسين الأوضاع المعيشية، أو التنمية المهنية والتربوية".

 

لكن أحمد الصرايرة، معلم لغة عربية متقاعد في الكرك، يؤكد أن الوزارة لا تطبّق أي آلية "تفرز" المعلمين حسب أدائهم ونتائج تحصيل طلاّبهم، وأن من يعمل بجدّ، ومن لا يعمل على الإطلاق في سلّة واحدة.

 

الصرايرة الذي تقاعد بداية العام الدراسي الحالي، بعد خدمة 20 سنة، يقول إن أداء المعلم مرهون بالكامل بـ"دافعيته الخاصة، والتزامه الأخلاقي، ومنظومة القيم التي يحملها، ولا يوجد أي ضبط مؤسسي لهذا الأداء".

 

إن الخطر هنا كما يقول عايش، هو في انخفاض هذه الدافعية، نتيجة ضعف وازع "الالتزام الأخلاقي" تجاه المهنة، ليس لدى المعلمين بالتحديد، ولكن لدى العاملين في مجمل المهن بشكل عام.

 

وهو يعيد ذلك إلى أن الناس بشكل عام لم يعودوا يدركون أن أداءهم لعملهم على أكمل وجه، هو جزء أساسي من عقد العمل الذي التزموا به، وأنهم مجبرون على ذلك حتى لو عملوا ضمن شروط عمل سيئة.

 

وفق عايش فإن سوء الشروط الذي يعمل فيها المنتسبون إلى أي مهنة لا يجب أن يكون ذريعة للإهمال فيها، بل على العاملين أن يكافحوا لنيل حقوقهم، جنباً إلى جنب مع نهوضهم التامّ بمسؤولياتهم، فـ "منطقيّا أداء الواجب يجب أن يسبق المطالبة بالحق، لأن الحق استهلاك، والواجب إنتاج، ولكي يجد الناس ما يستهلكونه، فإن عليهم أن ينتجوا أولاً".

 

ولكن قطامي يؤكد مع ذلك، أن "تحفيز" المعلمين سيؤدي بالضرورة إلى زيادة دافعيتهم، وتعميق التزامهم بأداء واجبهم.

 

 وهو هنا يشير إلى أن المحفّزات لا يجب بالضرورة أن تكون مادية، ذلك أنه "مهما ارتفع راتب المعلم فإنه لن يكون تعويضاً عادلاً عما يلاقيه من عناء، ولا عن وحدات الدماغ التي يستهلكها داخل الصف".

 

إن "تحفيز" المعلمين يكون كما يقول قطامي باحترام عقولهم، ومنحهم الثقة، وعدم الاستعلاء عليهم، ذلك أن "انسحاب" كثير من المعلمين وسلبيتهم تجاه مهنتهم يعود إلى تهميشهم، وهذا يضعف الانتماء إلى مهنة، في حين أن إشراكهم في القرار التربوي سيحسّن من أدائهم لأنهم سيكونون أكثر قناعة بما يقدمونه".

 

لهذا يريد المعلمون نقابة

 

إن الهدف الأساسي من المطالبة بنقابة، كما يقول الناطق بلسان اللجنة الوطنية لإحياء نقابة المعلمين، معاذ البطوش هو كسر "احتكار" وزارة التربية للسياسات التربوية، ومنها صياغة المناهج، ما أسهم في تراجع التعليم، الذي بدأ المجتمع بقطف ثماره المرّة.

 

والهدف الأساسي من النقابة كما يشدد البطوش، هو إنقاذ المهنة من خلال وضع معايير تنظّم الدخول إليها، أسوة بباقي المهن، ويكون ذلك من خلال ضمان حصول المنتسبين على تأهيل "حقيقي وليس شكلياً كالذي تقدّمه الوزارة".

 

إضافة إلى وضع "ضوابط" تنظّم الاستمرار في ممارسة المهنة، من خلال مراقبة أداء المعلمين، الأمر الذي يؤكد البطوش أن وزارة التربية لا تقوم به.

 الغد

أضافة تعليق


capcha
كافة الحقول مطلوبة , يتم مراجعة كافة التعليقات قبل نشرها . :
العراب نيوز صحيفة الكترونية جامعة - أقرأ على مسؤوليتك : المقالات و الأراء المنشورة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها و لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العراب نيوز.