• رئيس التحرير المسؤول .. فايز الأجراشي
  • نتقبل شكواكم و ملاحظاتكم على واتس أب و تلفون 0799545577

البروفيسور أوغلو .. كلمة سر أسلمة تركيا

صفحة للطباعة
تاريخ النشر : 2009-05-03
1557
البروفيسور أوغلو .. كلمة سر أسلمة تركيا

عودة تركيا لمحيطها الإقليمي بقوة إبان العدوان الإسرائيلي على غزة لم يكن مجرد تطور طاريء وإنما هو سياسة مرسومة بدقة وذكاء كبيرين لاستعادة مكانة تركيا التاريخية إسلاميا ودوليا، وهذا ما أكده التغيير الوزاري الأخير في تركيا .

ففي مطلع مايو ، أعلن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوجان عن تعديل وزاري شمل عدة حقائب وزارية من بينها الخارجية والمالية والتجارة الخارجية والطاقة والتعليم ، وذلك فيما اعتبر أكبر تغيير وزاري منذ تولي حزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية السلطة في عام 2002.
في هذا التعديل ، تم تعيين أحمد داود أوجلو مستشار أردوجان الشخصي وزيرا للخارجية بدلا من على باباجان المتخصص في الاقتصاد والذي عاد وفقا للتعديل الوزارى الجديد إلى وزارة الاقتصاد والمصارف التي كان يشغلها قبل تعيينه وزيرا للخارجية عام 2007 ، كما تم تعيين رئيس البرلمان التركي السابق بولنت أرينج نائبا لرئيس الوزراء.
وبقى في الحكومة الجديدة الوزراء جميل تشيشك نائب رئيس الوزراء ووجدي جونول وزير الدفاع وبشر أتالاي وزير الداخلية وبن علي يلدريم وزير النقل ومهدي أيكر وزير الزراعة وفيصل اراوجلو وزير البيئة والغابات.
ورغم أن الظاهر على السطح أن التعديل الوزاري يأتي إثر انتخابات بلدية جرت في مارس الماضى وسجل فيها حزب العدالة والتنمية الحاكم فوزا لا يرقى إلى توقعات رئيسه أردوجان ، إلا أن هناك أسبابا أخرى ويأتي على رأسها رغبة أردوجان في إعادة توحيد صفوف حزبه بعد فترة من الانقسامات إثر اتهامات لأردوجان بمحاولة الاستئثار برسم سياسة الحزب بعد خروج عبد الله جول منه إثر توليه منصب الرئاسة ، ولذا شهد التعديل الوزاري تعيين رئيس البرلمان التركي السابق بولنت أرينج ، وهو من أبرز خصوم أردوجان في حزب العدالة، نائبا لرئيس الوزراء.
إعادة على باباجان إلى وزارة الاقتصاد هو قرار كان ضروريا جدا في تلك اللحظات التي يعاني فيها العالم من أزمة مالية خانقة ، وبالنظر إلى أن باباجان المتخصص في الاقتصاد هو الذي أنقذ الاقتصاد التركي من الانهيار الذي كان على وشك الحدوث في 2001 و 2002 بعد إفلاس بعض المصارف ، فإنه باستطاعته أيضا تجنب تداعيات الأزمة المالية ، خاصة وأنه معروف عنه نجاحه في إدخال أكبر قدر من الاستثمارات العربية وخاصة الخليجية منها لتركيا في أعقاب تولي حزب العدالة والتنمية السلطة في 2002 .
نظرية أوجلو
ويبقى الأمر الأهم في التعديل الوزاري الأخير ألا وهو رغبة أردوجان في استعادة الدور التاريخي لتركيا في العالم الإسلامي وإن كان بشكل مستتر لا يستفز المعسكر العلماني ، وكانت ورقته الرابحة في هذا الشأن الأستاذ الجامعي البروفيسور أحمد داود أوجلو .
أحمد داود أوجلو ، الذي عمل مستشارا لأردوجان لمدة 7 سنوات والذي يوصف بأنه داهية السياسة التركية ، هو صاحب النظرية التي تتحرك بها السياسة التركية منذ وصول حزب العدالة للحكم والتي أحدثت تحولات ذات مغزى كبير جدا .
تلك النظرية التي جاءت في كتابه "العمق الاستراتيجي والمكانة الدولية لتركيا" تقوم على أساس أن تركيا دولة مركزية ولها دور عالمي يعكس تاريخها وعمقها الاستراتيجي، ولذا فإنها يجب أن تتبنى نظرية الانفتاح على الكل وتعدد البعد ، والمقصود في هذا الصدد أنه لا يجب أن يكون هناك توتر بين تركيا وأية دولة وأن تكون العلاقات التعاونية أكثر ، وأن لا تكون تركيا دولة أزمات بل دولة كبيرة تحترم آرائها إقيلميا وعالميا بدءا من الاحتباس الحراري وانتهاء بالشرق الأوسط.
الترجمة الحرفية لتلك النظرية بدأت تظهر بوضوح في حرب غزة ، حيث بدت تصرفات أردوجان وكأنها دفاع عن كرامة ومكانة تركيا ، وليست محاولة لأسلمة الدولة ، وهو الأمر الذي دفع المعسكر العلماني لالتزام الصمت ، خاصة بعد التأييد الشعبي الذي حظي به أردوجان بعد المشادة التي نشبت بينه وبين الرئيس الإسرائيلي في منتدى دافوس.
ويبدو أن أردوجان يستعد لاتخاذ مزيد من الإجراءات باتجاه أسلمة تركيا واستعادة دورها الريادي في العالم الإسلامي ، خاصة بعد زيارة أوباما لأنقرة ومطالبته إياها بدور أكبر في تقريب وجهات النظر بين الغرب والعالم الإسلامي، ولم يكن هناك من هو أفضل أوجلو الذي يعرف عنه أنه ذو نزعة عثمانية على طريق أسلمة تركيا ، كما يعرف عنه الهدوء والذكاء والسرعة في امتصاص غضب العلمانيين .
أيضا فإن أوجلو ، الذي قام بدور نشط في جهود الوساطة التي قامت بها تركيا في الشرق الأوسط بين إسرائيل وسوريا ، هو الوحيد القادر على توسيع مجال السياسة الخارجية لتركيا وتحسين الأمن الإقليمي من أرمينيا إلى العراق وإيران ، ولعل حنكة أوجلو ستكون حاسمة في إنهاء قضية مذابح الأرمن التي كانت دوما وسيلة ابتزاز من جانب الغرب لتركيا وذلك بعد الإعلان عن انطلاق محادثات سرية بين تركيا وأرمينيا لتطبيع العلاقات .
وبالنسبة للعلاقات مع الغرب ، فإنه من المتوقع أن يستغل أوجلو حاجة أوباما لانسحاب آمن من العراق وتحسين صورة أمريكا في العالم الإسلامي لدفع واشنطن لتقديم امتيازات إضافية لتركيا سواء كان ذلك عسكريا أو اقتصاديا أو سياسيا ، وخاصة ما يتعلق منها بدعم موقف أنقرة في القضية القبرصية ومذابح الأرمن والانضمام للاتحاد الأوروبي.
ولعل التصريحات التي أدلى بها أوجلو في 3 مايو بعد توليه منصب وزير الخارجية تؤكد أنه مصمم على التنفيذ الحرفي لنظريته "العمق الاستراتيجي والمكانة الدولية لتركيا" ، فهو كشف أنه سيسعى لخلق دور إقليمي أكبر لبلاده في الشرق الأوسط والبلقان، قائلا :" إن تركيا تمتلك رؤية سياسة خارجية قوية نحو الشرق الأوسط والبلقان ومنطقة القوقاز، وتسعى لدور يرسي النظام في تلك المناطق".
وأضاف أن تركيا لم تعد البلد الذي تصدر عنه ردود أفعال إزاء الأزمات وإنما يتابعها قبل ظهورها ويتدخل في الأزمات بفاعلية ويعطي شكلا لنظام المنطقة المحيطة به ، مشيرا إلى أن علاقة أنقرة مع الغرب ستستمر محورا رئيسيا للسياسة الخارجية.
التصريحات السابقة قد تبدو وكأنها تحاول إيجاد توازن بين علاقات تركيا مع العالم الإسلامي من ناحية وعلاقاتها مع الغرب من ناحية أخرى ، إلا أنها في حقيقة الأمر تؤكد أن حكومة حزب العدالة برئاسة أردوجان تسير بخطى ثابتة وواثقة على طريق أسلمة تركيا ، وهذا ما ظهر واضحا في إشارة أوجلو أولا للدور الإقليمي.
أضافة تعليق


capcha
كافة الحقول مطلوبة , يتم مراجعة كافة التعليقات قبل نشرها . :
العراب نيوز صحيفة الكترونية جامعة - أقرأ على مسؤوليتك : المقالات و الأراء المنشورة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها و لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العراب نيوز.