أسرار صفقة بيع أسهم الضمان بالإسكان - وثائق

 - كشفت مصادر نيابية مطلعة عن تفاصيل جديدة في قضية "حرير"، التي زعمت فيها شركة قطرية شراء أسهم الضمان الاجتماعي في بنك الإسكان للتجارة والتمويل، بموافقة وتوقيع رئيس الوحدة الاستثمارية في حينه ياسر العدوان.

التفاصيل الجديدة، من "الملف المعدوم"، تضمنّت صراعا كويتيا قطريا خفيا للحصول على حصة الضمان في بنك الاسكان، وصلت حد حضور مفوّضين في التوقيع من قبل شركة الكويت كابيتال إلى عمّان لشراء أسهم، اكتشفوا أنها بيعت قبل أربعة أشهر من قدومهم إلى مستثمرين قطريين.

السعر الذي عرضه الكويتيون كان نفس السعر الذي بيعت فيه الأسهم (8.75 دينار للسهم)، بيد أن العرض الكويتي تميّز عن القطري بتعهّد كويتي رسمي باستثمار 2 مليار دولار في الأردن مقابل حصولهم على حصة الضمان في بنك الاسكان، لكنهم عندما حضروا للتوقيع تفاجأوا بتعنت الضمان عن اتمام الصفقة.

تفاصيل الصفقة التي وصفتها المصادر النيابية بـ "العابرة للحكومات" ، ونضعها بين يدي القارئ بالوثائق مع اقتراب إصدار المحكمة البريطانية حكمها في القضية، وترجيح مصادر قانونية خسارة القضية وأتعاب المحامين التي قد تصل إلى 5 ملايين دولار، تهون أمام أكثر من 120 مليون دولار سيدفعها الأردن مقابل الشرط الجزائي عن التراجع وفائدته القانونية من وقت التوقيع على الصفقة مع القطريين في 18 آذار من عام 2012.

الملف المعدوم

بعد وصول إخطارات قانونية إلى الضمان الاجتماعي من "مسابلة القطرية"، أنكر رئيس الوحدة الاستثمارية الجديد في الضمان سليمان الحافظ وجود قضية من أساسها.

ورفض رئيس الوحدة الاستثمارية الأسبق ياسر العدوان تأكيد توقيعه على الصفقة، في حين كان الطرف الثاني في الصفقة المرحوم وليد مرجان توفّاه الله في آب من عام 2013.

ملف حرير، كما ظهر الاسم في مراسلات الضمان الاجتماعي الداخلية، بقي في مكتب المرحوم مرجان، ورغم صدور أوامر بإعدام الملف، إلا أنه عاد إلى الحياة في أروقة مجلس النواب، ومن هناك وصل "خبرني" الملف المعدوم.

صفقة عابرة للحكومات

تعود النوايا الكويتية لشراء أسهم "الضمان" في بنك الإسكان إلى أواخر عام 2010، إبان تولي سمير زيد الرفاعي رئاسة الحكومة، وفيها بدأ الحديث عن نوايا لشركة الكويت كابيتال استثمار 2 مليار دولار إلى جانب شراء أسهم الضمان في بنك الاسكان.

وتبلورت هذه النوايا – بحسب المصادر – إلى لقاءات واجتماعات عدّة، جرى الحديث فيها عن سعر (8.75 دينار) قيمة السهم الواحد من مجموع أسهم الضمان في بنك الاسكان البالغة 38.8 مليون سهم، أي بقيمة كلية تبلغ نحو 339.5 مليون دينار، كان يفترض توقيعها في 28 تموز من عام 2012.

ولم تكن قيمة الصفقة الوحيدة التي ضاعت على الأردن من جراء اتمامها لصالح القطريين قبل ذلك بأشهر – وفقا للمصادر - ، ولكن الاستثمارات الكبرى التي رصدت لها شركة الكويت كابيتال وبقيمة تقدّر بنحو 2 مليار دولار.

الكويت كابيتال

 عادت إلى الأرشيف للبحث وراء تفاصيل شركة الكويت كابيتال، فظهرت تصريحات تعود إلى رئيس مجلس إدارة الشركة في حزيران من عام 2011، الشيخ أحمد السلمان الصباح، أعلن فيها اعتزام الشركة إنشاء مصنع للطائرات في الأردن ، وبعد فشل الصفقة مع الشركة الكويتية تقرر نقل المصنع من الاردن الى تركيا

وبحسب نفس التصريحات، فإن الكويت كابيتال هي شركة كويتية خاصة لادارة الاستثمارات تأسست في العام 1978 وتتوزع استثماراتها البالغة ما يقرب 3 مليارات دولار في كل من أميركا الشمالية وشرق آسيا واوروبا.

وكانت الشركة تهدف من الدخول إلى السوق الأردني، لإعادة تشكيل محفظتها الاستثمارية جغرافيا لترفع من حصتها بالاستثمارات بالدول العربية والبالغة – آنذاك - اقل من 6% لتكون حوالي 17% وقد اختارت المملكة الاردنية الهاشمية بوابة لتحقيق هذه الغاية.

وإلى جانب مصنع الطائرات واسهم الضمان، كان توجه الشركة لإنشاء صندوق بقيمة 500 مليون دولار يوجه بالتعاون مع الحكومة ليعمل على تمويل مشاريع ذات جدوى اقتصادية في محافظات المملكة، وبدون احتساب فائدة على المقترضين من أصحاب المشاريع.

كما تم التفكير بإنشاء منتجع سياحي في البحر الميت، يقدّم كافة خدمات الفنادق من فئة الخمسة نجوم، باستثناء تقديم الكحول، وبأسعار إقامة تلائم الأردنيين، عبر استئجار أراض من الحكومة وإنشاء المنتجع عليها ومن ثم تعود ملكيتها للحكومة بعد 99 عاما.

يا صفقة ما تمت !

تحدد موعد لتوقيع الاتفاقية النهائية لشراء الأسهم يوم 28 تموز 2013، وتحديدا في العاشرة والنصف من صباح ذلك اليوم في مكتب رئيس الوحدة الاستثمارية ياسر العدوان.

وصل الوفد الكويتي إلى مطار عمّان المدني ( ماركا ) على متن طائرة خاصة، حاملا معه كافة الأختام اللازمة لاتمام الصفقة، إلى جانب مبلغ بمقدار 950 مليون دولار تم تحويله إلى بنك الكويت الوطني فرع عمّان، لتأكيد الجدية في التوقيع على الصفقة.

نزل الوفد في فندق فورسيزنز الراقي، وبعدما ارتاح الوفد من عناء السفر، أبلغوا من خلال وسيط بعدم رغبة الوحدة الاستثمارية بإتمام الصفقة، رغم إيفائهم بكافة تعهداتهم المالية والقانونية اللازمة للتوقيع، فطلبوا لقاء العدوان لفهم التفاصيل منه.

وفي مكتب العدوان حضر الوفد لفهم التفاصيل، فأبلغوا أن القطريين دفعوا 18 دينارا مقابل السهم، أي أعلى من السعر الذي اتفق عليه مع الكويتيين، الذين كان عندهم استعداد لرفع القيمة من 8.75 دينار للسهم إلى 9 دنانير.

من فورهم، طلب الكويتيون وثائق تثبت ما قاله العدوان حول سعر القطريين، وأكدوا استعدادهم لدفع مبلغ 30 دينارا للسهم (تصبح قيمة الصفقة 1.164 مليار دينار أردني)، في حال أظهر العدوان الوثائق، لكن الأخير رفض باعتبار أن العرض السعري القطري سر لا يجوز إطلاعه على أحد.

عاد الكويتيون إلى ديارهم محمّلين بعبء تجميد مبلغ 950 مليون دولار من أموال شركة الكويت كابيتال، مسببة إحراجا لهم أمام بقية المستثمرين في الشركة، ولسان حالهم يقول "يا صفقة ما تمت!".

هنا نيويورك

لم تستفق شركة الكويت كابيتال من صدمتها لأشهر بعد خسارتها الصفقة، لكن لقاء عابرا في نيويورك زاد عليها هول الصدمة.

فأثناء لقاء بين مسؤول في شركة الكويت كابيتال، وآخر من جهاز الاستثمار القطري في نيويورك، بث المسؤول الكويتي همّه لصديقه القطري من جرّاء فشل صفقته في الأردن، التي قدّر فيها المسؤول الكويتي لصديقه القطري الموقف الأردني، من أن سبب عدم اتمام الصفقة يعود لتوجه في الدولة، بعدم بيع أسهم الضمان في بنك الاسكان، باعتبارها وقف، وأحد الاستثمارات التي تدر الأرباح على الضمان الاجتماعي.

وتفاجأ المسؤول القطري من كلام منافسه الكويتي، وقال له إن قطر اشترت حصة الضمان الاجتماعي قبل أربعة أشهر من الموعد المحدد لتوقيع الاتفاقية في الأردن.

وقال له إن شركة كريك وهي ذراع لشركة المسابلة، اشترت في 18 آذار من عام 2012 أسهم الضمان في بنك الاسكان، وأن القطريين بدأوا إجراءات قانونية لإجبار الضمان على اتمام الصفقة البالغة قيمتها نحو 469 مليون دولار، أو دفع الشرط الجزائي البالغ 93 مليون دولار.

وأظهر المسؤول القطري مراسلات جرت عبر "واتس آب" مع مسؤولي الضمان آنذاك، يطلبون منه إرجاء تحويل الملف إلى القضاء ريثما يتم التغلّب على الظروف الاقتصادية والمالية والسياسية الصعبة في الأردن، وهو ما تؤكده وثيقة تنشرها "خبرني" مع الملف.

الجناح 1107

لم ينس الكويتيون جرحهم من فقدان الصفقة لصالح القطريين، فصبّوا جهودهم لمعرفة السبب وراء عدم اتمام الصفقة، وتنامى الى مسامعهم أن العدوان يؤكد تعرّضه لضغوط كويتية من قبل أحد المسؤولين في الشركة الكويتية لإتمام الصفقة.

وعندما تساءلوا أين وكيف جرى هذا النوع من الضغوط، أبلغوا من الضمان الاجتماعي أنها كانت في الجناح رقم 1107 في فندق فورسيزنز في عمّان.

وانكر الكويتيون أن يكون المسؤول نزل أصلا في الجناح 1107، وطالبوا بالعودة إلى كاميرات المراقبة في الفندق لتحديد من دخل إلى الفندق ومتى دخلوا للقاء المسؤول الكويتي، وهو الأمر الذي لم يتم.

عمان – الدوحة – دبي – عمان

تظهر وثائق الملف المعدوم – الذي تملكه - مراسلات جرت بين المرحوم وليد مرجان ورئيس الوحدة الاستثمارية ياسر العدوان وبين علي اليافعي، الموقّع من الجانب القطري على الاتفاقية، يبلغان فيها اليافعي بموعد قدومهم إلى الدوحة لتوقيع الاتفاقية.

وفي المراسلات، يتم إبلاغ اليافعي بأن هناك ترتيبا لزيارة دبي في 18 من شهر آذار من عام 2012 في مهمة رسمية، وفيها يقترح المرحوم مرجان والعدوان السفر إلى الدوحة في 17 و18 آذار لإتمام الصفقة، ومن ثم التوجه من هناك إلى دبي لاتمام المهمة الرسمية.

ويرد اليافعي عليهما بالقول "يا مرحبا ومسهلا..العين أوسع من الدار، رجاء بلغوني بموعد الوصول لعمل اللازم".

وتتم الزيارة في الموعد المقترح ويحصل التوقيع صباح يوم 18 آذار، بحسب الوثائق.

مهندس الصفقة مع القطريين

في كل عملية محبوكة كالصفقة التي بيعت بها الأسهم يجري الحديث عن مهندس خطط ونفّذ دون أن يترك أي أثر له في القضية.

وفي صفقة حرير، تتوفر كافة العناصر لوجود المهندس، فالصفقة ما كانت لتتم لولا معرفة قانونية مسبقة بأن بيع 10% فأكثر من أسهم البنوك تتطلّب موافقة البنك المركزي عليها، فتم تجزئة النسبة المطلوب شراؤها والبالغة 15% إلى قسمين، حتى يتم تجاوز هذا الشرط.

وفي الصفقة كذلك، كان اشتراط اللجوء للقانون السويسري عند الخلاف بين الطرفين (الضمان الاجتماعي والجانب القطري)، وعند سؤال  لمرجعية قانونية عن السبب، كان الجواب أن القانون السويسري يبطل حق أي طرف في التقاضي في حال اعترف الطرف الآخر بحصوله على رشوة منه، ما يعني أن القطريين – في حال دفعهم رشوة – لن يتحدثوا فيها إطلاقا حتى لا يخسروا القضية.

ماذا بعد ..

تبدو قضية الضمان الاجتماعي في محكمة التحكيم البريطانية خاسرة، بحسب مرجعيات قانونية، ورغم التوقعات بارتفاع قيمة عقد المحامين السويسريين من 2 مليون دولار إلى 5 ملايين دولار، إلا أن القضية خاسرة.

ولا مناص أمام الضمان الاجتماعي اليوم – بحسب المصادر – من دفع الشرط الجزائي الذي تجاوز 120 مليون دولار مع الفائدة البالغة 6.5% على قيمة الصفقة من اموال الشعب الاردني في الضمان الاجتماعي ، أو إتمام الصفقة لصالح القطريين، بالسعر المتفق عليه، بمكرر ربح يبلغ 27، ما يعني سلامتها من الناحية المالية والاقتصادية، أو تقديم تبرير منطقي لوقف الصفقة مع الجانبين الكويتي والقطري.

وثائق

للعلم، وثائق الملف المعدوم كاملة، وتعرض أمام الرأي العام أبرز هذه الوثائق، كما تحتفظ بحق عدم نشر وثائق أخرى لأسباب قانونية:

وثيقة رقم (1) – كتاب رسمي موقع من رئيس الوحدة الاستثمارية الأسبق ياسر العدوان إلى علي اليافعي، رئيس مجلس إدارة شركة مسابلة القطرية، في 23 تموز من عام 2012، يظهر الكتاب طلب العدوان من اليافعي التوقف عن إرسال التحذيرات القانونية وطلب الصبر لحل الخلاف بين الطرفين بطريقة مهنية موضوعية وفق العدوان.

كما يشير العدوان في الكتاب إلى أن الظروف السياسية الحالية قادت إلى أوضاع مالية واقتصادية صعبة، حال دون تنفيذ الاتفاقية الموقعة بيننا في 18 آذار 2012.

وثيقة رقم (2) – كتاب رسمي موقع من رئيس مجلس إدارة شركة كريك، ذراع شركة المسابلة، علي اليافعي، إلى رئيس الوحدة الاستثمارية ياسر العدوان في 30 تموز من عام 2012، يخطر فيها اليافعي العدوان ببدء الإجراءات القانونية لتنفيذ الاتفاقية الموقعة في 18 آذار من عام 2012.

وثيقة رقم (3) – نص الاتفاقية النهائية بين الطرفين الأردني والقطري

وثائق رقم (4) – مراسلات بالبريد الإلكتروني بين العدوان والمرحوم مرجان من جهة، وعلي اليافعي من جهة أخرى.