صحيفة العرّاب

النبي عربي والرئيس التركي عروبي !

 بقلم ..بسام الياسين

( اعلن نائب الرئيس اردوغان "امر الله إيشلر" في انقرة، ان تركيا ستعيد إعمار غزة. وطالب اوغلو اعضاء منظمة التعاون الاسلامي الاسبوع الفائت في جدة، ـ بـ "عرض مواقفهم بصراحة من القضية الفلسطينية".بالتزامن مع هذا وذاك،كان "الجعاري" الفرعوني توفيق عكاشة مدير قناة "الفراعين" ينبح من القاهرة باعلى صوته :"مين اللي قال ان اهل غزة اصلهم عرب؟!".


سيدي الرئيس اردوغان : أَنثرُ لك الكلمات المفعمة بالحب فوق بياض الورق المقدود من شجر الياسمين الفاقع البياض، المعطر بالنقاء والصفاء . اهز فوق جبينك الشامخ عناقيد الغيم حتى تتساقط حواليك مطراً اخضرَ،لينبت بين يديك الطيبتين ايها الطيب الطيب باقات سنابل قمح،وسجاجيد ورد، وانهاراً جارية تسقي جنات فيها "فاكهة كثيرة" "لا مقطوعة و لا ممنوعة" لذة للآكلين، ومسرةً للناظرين.

*** سيدي: أَربط على بوابتك المفتوحة على آفاق المجد،نواصي الخيل المتوثبة للذهاب الى فلسطين لتمر تحت قوس قزح الممتد من مطلعِ الشمس الى مغربها ،بعد ان حفرت على صفحات قلوبنا كلمات تفيض بالعنفوان،ونقشت على شرفات ذاكرتنا كيف تكون مواقف الرجال الرجال.في زمن صار الكذب فيه "ملح الرجال"، والصدق تماثيل ملحٍ تذوب مع اول رشة ماء،بينما الخيانة شجاعة،والعمالة دبلوماسية، والتطبيع ذكاء،و المقاومة عبثاً،والانحناء للعدو فهلوة، والتسليم بالهزيمة واقعية سياسية،و الاذعان نهجاً يتبعهُ الحُكام.

*** اللهم فاشهد عليهم وعلينا فإنهم ليسوا منا، لانهم نسوا او تناسوا قولك القاطع بان اليهود "هم العدو فاحذروهم"،فقام الحكام نكاية فينا، بالاعلان ان قمة الارهاب هي المقاومة ، وضربوا بعرض الحائط بقول رسولك العربي الذي لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى" الجهاد سنام الايمان" فنسخوه بالاعتراف باسرائيل ورفع اعلامها فوق عواصمنا سعياً لمرضاة الصهيونية،ولم يدروا انهم بفعلتهم المشينة،هم دعاة ابليس على ابواب جهنم الى يوم القيامة.

*** ايها الطيب الطيب .ان اللغة العربية فقدت شرعيتها، وتخففت من مسؤولياتها، و ثتاقلت عن اداء مهماتها،بعد ان ثقلت اوزارها،وخفت اوزانها،منذ ان نطق بها "الديوث" الاكبر السادات في الكنيست العبرية،كما استهلكها الحكام العرب في الجامعة العربية وهيئة الامم المتحدة،ومؤتمرات "الرمة" التي تُدعى زوراً موتمرات "القمة" ، الشبيهة بسوق عكاظ ايام الجاهلية،وتتبارى في تدبيج المبادرات السلمية التي القتها اسرائيل بالحاوية من دون ان ترد عليها،واستنفذها المتشدقون في الخطب الرنانة،و الادعياء في سياسة رفع العتب،و اسرفوا في استنزافها الجائر في الهراء السياسي، ولم يعرفوا ان الفرق بين المقاومة وكلماتهم الطنانة، كالفارق بين النحلة والذبابة.فالاولى تحطُ على الزهرة لتخرج عسلا فيه شفاء للناس،اما الثانية فتقع على المزبلة لانتاج خلاصة القذارة .

*** اوردغان العثماني،خلخل القناعات المريضة لدينا، وفجّر الوجدان الذي ما زال يشخر على وسادة الماضي،ووخز الضمير العربي لئلا تنوس جذوته، او تنطفىء شعلته.شحن ذاكرتنا السياسية بثقافة التصدي لاعدائنا بعد ان ترهلت من طول استرخاء،واستسلمت للنسيان.الهب خيال الجماهير بالبطل الملهم،وجلس في صدر المضافة العربية، ليحكي ملاحم البطولة و يستفز المخيال الشعبي الغافي منذ ايام عنترة العبسي. فاطلق صرخته في الصحاري والبراري العربية لتصويب انحراف التاريخ ،ببندقية الفكر التنويري التثويري للثار للعروبة والاسلام من حفنة يهود،اذلت امة من الماء للماء،و اجبرت شعوبها على الانكفاء على ذاتها و جعلتها حبيسة خوازيق سايكس بيكو كانها قدر محتوم،حتى جاءت ثلة من المقاوميين الغزيين فاعادت للامة بعضاً من هيبتها،وللتاريخ شيئاً من حركته ، وللشعوب إيمانها بان طريقها الوحيد الاوحد، هو الجهاد" فإما حياة تسر الصديق / وإما ممات يغيظ العدا.

*** اردوغان قال للعرب انتم حاضنة الاسلام وجمجمته العروبة،وانتم راس حربة عقيدته الثورية على الظلم،ولم يكن الدين يوما همهمة ادعية على المنابر،او صراخاً في صلاة الجمعة : "اللهم اكسر اليهود وشتت شملهم" بينما هم يشتتونا،ويحرموا اهل فلسطين من صلاة الجمعة في المسجد الاقصى مسرى سيدنا محمد الى السماء،لكن الاسلام نهج حياة وعقيدة راسخة وجهاد في الذات والاعداء على السواء . الاسلام الحقيقي حركة تحررية ومقاومة، وليس طقطقة مسابح، وفرقعة مؤتمرات خيولها تصهل كلاماً انشائيا فوق المنابر، وسلاح فرسانها هتافات حناجر. بهذا المفهوم تحول اردوغان من رئيس دولة بالمفهوم الكلاسيكي الى بطل ثوري تتعملق شخصيته،وتتعطر سمعته،وتستطيل قامته فوق اروع صفحات المجد والخلود.

*** منذ بضع سنين شق هذا الفاتح العظيم،عصراً جديداً لوطنه.واختط نهجاً فريداً لصناعة تركيا جديدة تقوم على التحديث وبناء الذات.يرتكز على ارثها من منظور مستقبلها،مقتحماً المستقبل بفروسية الفرسان النبلاء من دون اجترار ماضيها الماضي، او علك احلامها الامبراطورية البائدة،وتخزين تاريخها تحت اللسان كمضغة قات تثير الوهم الكاذب او سيجارة حشيش يغطس متعاطيها بحلم اسوأ من كابوس.لاجل هذا قام اردوغان بانعطافة خاطفة سَلِسلة، واستدارة متأنية،تحولٍ تحوّلٍ سلمي هادىء،دون حرق المراحل وتدمير الانسان وسفك الدماء،مرتقياً سلم التحديث درجة درجة،صاعداً الى نهايات مفتوحة لا يعرفها الا الله.فكان اول ما فعله تجاوز الكمالية البغيضة التغريبية،و اعاد الامة الى حاضنتها الاسلامية وعمقها العربي،وبيئتها الشرق اوسطية، مقتنعا بان هذا الانقلاب الكبير يعيد العربة التركية المقلوبة للسير على عجلاتها،وتصحيح مسارها الذي انحرف به كمال اتاتورك،و الايمان بلعب دور المقدمة في محيطه على دور الذنب في الاسطبل الاوروبي. و لكي يستكمل المعادلة بشقيها ولخلق توازن دائم،وديمقراطية كاملة غير صورية، ازاح العسكر من ميدان السياسة و اعادهم الى ثكناتهم عملا بالحقيقة الصارخة،و الواقيعة الدامغة ان للسياسة اهلها ومنابرها،وللعسكر معسكراتهم ومنصات صواريخهم 

*** ابدع اردوغان في هذا الانجاز الشائك.واتضح بالملموس القاطع، ان هذا الفعل الابداعي،ليس بدعة طارئة،وان التجديد ليس تجريفا للموروث كما ادعت الحركات المناوئة لحزبه،و اللوبيات التي تناصب دينه العداء مثل الاتاتوركية الكمالية،و الماسونية،والصهيونية،و اعداء التغيير في الداخل،حيث اثبت الايام انه وقف مع ذاته،وحرر قرار بلده السيادي بتحرير اقتصاده التركي من استعباد البنك الدولي،فاصبح حقاً سيد نفسه. 

*** اردوغان التركي كان افصح العرب لساناً،وابلغهم قولاً،و اصدقهم فعلاً في الدفاع عن فلسطين و اهلها،واستبسل في كسر حصارها،ومساندة مقاومتها.فاعاد الى سوق التداول روح المقاومة و ارادتها، والى عقلنا العربي الواعي و الباطني معا ضرورة التمسك بكراهية اليهود ومقاومتهم. فمنذ ان كادوا لسيدنا محمد وغدروا به في غزوة الخندق،بتاليب القبائل على الاسلام والمسلمين،جرح مشاعر العرب بتآمرهم، حتى قال فيهم الصحابي الجليل "سعد بن معاذ" لما اصيب بتلك الغزوة في ذراعه من سهم طائش رماه به احد المشركين : "اللهم لا تمتني حتى تقَّر عيني من بني قريظة" فاستجاب له الحق سبحانه وتعالى. و ما هي الا ايام حيث امر الرسول عليه الصلاة والسلام بعد رحيل الاحزاب من اطراف المدينة ،بالزحف الى خيبر وتلقين اليهود درسا لن ينسوه،ولما استسلموا،طلب الرسول ان يحكم "سعد بن معاذ في بني قريظة" حتى يشفي غليله منهم وتقّر عينه قبل ان يلقى ربه. فاصدر حكمه العادل : " يُقتلُ مقاتليهم،وتسبى ذراريهم ، وتُقّسم اموالهم"، وكان له ما اراد .

*** اردوغان ايها المتالق انسانية،الواقف كصخرة من تحدٍ، لا يملك العرب الشرفاء امامها الا الصمت في حضرتك.صمت ناطق بالاحترام واشد بلاغة من الكلام،فالصمت في محراب الحب كلام . لانك انت انت لم تات بانقلاب عسكري،بل العكس صحيح تماماً فقد قضيت على اخطر مشكلتين كانت تنفرد بهما تركيا الحديثة، حكم العسكر الاستبدادي،واستحواذ الكمالية العلمانية التغريبية،فاعدت باناة وصبر روحية الاسلام الى تركيا،وسحبت رويدا رويدا مفاتيح الحكم من يد العسكر من دون اراقة دماء.واستطعت تحقيق فوزك الرئاسي التاسع خلال (12) عاما بانتخابات حرة نزيهة دون تزوير او تبديل صناديق تحت جنح الظلام كما تفعل الاعراب في انتخاباتها.بالتوزاي مع ما سبق سجلت نجاحات اقتصادية،وحولت المعجزات المستحيلة الى منجزات تمشي على قدمين في الاسواق وتغير حياة الناس من بؤس الحاجة الى رفاهية الحياة،وسبقت كل مجايليك من الرؤساء ليس في تركيا وحدها،بل دولياً حتى كانت شخصيتك القيادية وحزبك القائد، الرافعة التي نقلت تركيا من دولة ضعيفة الى دولة قوية ومن دولة مدينة الى دولة دائنة، ومن دولة زراعية الى دولة صناعية .

*** كان مفتاحك السحري لكل الابواب المغلقة انه لاتنمية من دون ديمقراطية كاملة من دون ديمقراطية حقيقة ، ولا امن ولا امان الامن بلا عدالة اجتماعية ، ولا شرعية دون اصلاحات دستورية.بتحقيقك هذه الشروط الموضوعية امتلكت الشرعية الشعبية الجارفة .فالجميع يعرف انك لم تات محمولاً على ظهر دبابة ولا امتطيت الكرسي بالوراثة، ولم تتلاعب بالدستور لكنك وصلت الى ما وصلت اليه باختيار الجماهير لا بالتزوير.

*** الانسان المبدع لا حدود لاحلامه فالمستحيل آفاقه . تماماً كما قال الشاعر الفرنسي الكبير رامبو: " انا احلم بالمستحيل" وللمصادفة الغريبة ان تركيا الاردوغانية حلمت بالمستحيلات فاصبحت بقوة الارداة انجازات ماثلة للعيان لدرجة ان باستطاعة العميان رؤيتها.لذلك لا نخجل ان ننحني لمواقفك من فلسطين العربية،و انحيازك المطلق للاقصى الشريف. مواقف و انحيازات لامست اوتار ارواحنا،وكشفت عيوب حُكامنا.لهذا صار ضرورياً اعادة تعريف من هو العربي،وغسل المكياج الثيقل الذي يغطي وجوه الانظمة البشعة التي لا ترتكز على اية شرعية ديمقراطية او قانونية، و لا يستند زعماؤها الى أي سند تاريخي او شعبي او فعل بطولي. عاشت فلسطين حرة ابية، ولا سبيل الى ذلك الا بالمقاومة الشعبية شريطة ان لا تتلوث باصابع الانظمة الملوثة التي وقعت وثيقة استسلام ابدية مع الصهيونية العالمية.