صحيفة العرّاب

عيد الزعتري .. ” بزنس ” بين رمال الصحراء وأبتسامات تخفي الآلام – صور

  في مخيم الزعتري للاجئين السوريين شمال الأردن تنبعث رائحة كعك العيد بلونه الأصفر وسواد يانسونه ساخناً من المطابخ المشتركة بين سكانه، للوهلة الأولى في الزيارة تشعر برهبة المكان وبمدى المآسي التي عايشها قاطنوه، حتى يبتسم لك أحد الأطفال، عندها تشعر بأنه لا يزال هنالك أمل، عند تصويري إياهم شعروا بالفرحة وتهافتوا للنظر إلى تلك الأداة التي تحملها هذه الفتاة الغريبة عن المخيم وعن مقدمي المساعدات الذين اعتادوا على وجودهم حولهم، لن تذهب ابتسامتك في وجه أحد سدى، إذ لسرعان ما سيحاولون ردها إليك، ويقابلون التحية بالأفضل منها…(شاهدوا أجمل هذه الابتسامات في معرض الصور أعلاه)

تشير إحصائيات نشرتها المفوضية العليا لشؤون اللاجئين (UNHCR) في 29 سبتمبر/أيلول الماضي على موقعها الإلكتروني، إلى أن عدد سكان المخيم ممن تقل أعمارهم عن 18 عاماً، تبلغ 57 في المائة من سكان المخيم الذي وصل عددهم لما يقارب 80 ألف شخص، وهذا بالضبط ما ستلاحظه بسهولة خلال تجوالك في المخيم، إذ يوجد هنالك طفل في كل زاوية يلعب مع أصدقائه أو يعود من المدرسة، عدا عن الأطفال الرضع الذين تحميهم أذرع أهاليهم من أشعة الشمس الحارقة.
عند النظر إلى تقسيم الخيم و”الكرفانات” في المخيم يتضح لك تصميمها الهندسي الذي يعبر عن ثقافة "الكيف” الشامية فترى عدداً من السكان الذين ألصقوا مجسمين ببعضهما وتركوا فسحة صغيرة بين أزقة المخيم المكتظة للتمتع بجلسة شامية تنقصها في أذهانهم النافورة المتربعة في الجلسات العائلية حتى أصبحت فرداً مفقوداً منها.
تبدأ الجولة اليومية للعاملين منذ ساعات الصباح الأولى، يتجمع فيها الموظفون وينتشرون بعد توزيع المهام على القطاعات الاثني عشر للمخيم، إيصال المساعدات قبل العيد كان من أهم الأولويات، إذ توجب على أعضاء فريق تابع لمؤسسة الإغاثة والتنمية الدولية "IRD” العمل على تقسيم أدوات التنظيف لكي يتمكن سكان المخيم من التحضير للعيد، وهي في الوقت ذاته مهمة شهرية.
ويأتي صوت جرار الغاز المستبدلة والتي تتسلل بين المنازل لتخرج الرؤوس من الخيم بتلك الفارغة، "أنا ما استعملت جرة الغاز وصارت مخلصة كان فيها شوي بس”، عبارة ترددها امرأة محاطة بأفراد عائلتها، خلال التأكد من انتهاء جرتها، في أصوات متخالطة تقول لها: "يا خالتي لازم تتأكدي من المرات الي بتستخدمي فيها الجرة وإحنا عم نحاول نعمل الي بنقدر عليه”، وبين أصداء التوزيع وحركة شاحنة توزيع المساعدات ترى الأطفال وهم يساعدون أهاليهم بحملها، وتسمع تمنيات من مقدمي المساعدات للاجئين بأن يتمكنوا من قضاء العيد القادم لهم في درعا، وسماع ردود بأصوات حزينة ترد بهدوء قائلة: "آمين.”
يستوقفنا أحد سكان المخيم لنشرب القهوة بين عدد من الضيافات لشرب المياه وتقديم الكعك الساخن، الطريقة الشامية في إكرام الضيف لا تزال متأصلة في نفوس السوريين بعد كل ما خاضوه.
أما عقلية "البزنس” التي يتمتع فيها السوريون ظاهرة في كل صوب وناحية، ويمكن استشعار الفن في تشكيل مهنة من لا شيء في الأجواء، إذ ترى من يربي الدواجن ويبيع البيض لسكان المخيم لصنع وجبة الفطور، وهنالك من يربي الحمام على سقف "كرفانه” وهنالك من يستعمل الدراجات الهوائية للتنقل وهنالك بعض البغال للحركة، بالإضافة إلى العربات المنتشرة التي تستعمل لتحميل الحصى المتناثر في المخيم وبيعه لورش البناء، وهنالك محال لصنع البوظة السورية الشهيرة "بكداش” وأخرى لتصنيع المعجنات والحلويات الشامية العتيقة.
وعند الاستمرار في الجولة بالقطاع الثالث، يمكن رؤية الفتيات والصبية خلال مغادرتهم للمدارس التي تقع بعضها داخل المخيم، وعند الاقتراب منهم وسؤالهم فيما لو كانوا "شاطرين” في المدرسة يجيبون بتأييد هادئ بهز الرأس، وبابتسامة خفيفة.
تلاحظ خلال تجولك حاجة اللاجئين إلى المساعدات والتبرعات، من خلال رؤية مياه الصرف الصحي التي تنبثق من مغاسل "الكرفانات” والخيم، ورغم أن العمل فيها سيتم قريباً، إلا أن العاملين القائمين على تنفيذ المشاريع في المخيم ابتدعوا فكرة يمكنها أن تساعد اللاجئين في الشعور بالاستقرار، وذلك بزرع شجرة أمام كل خيمة أو "كرفان” وذلك لكي "يعتادوا على تحمل المسؤولية والاعتناء بمنازلهم”، وفقاً لأحد العاملين.
هذا هو ما طغا في المخيم، توليد الحس بالمسؤولية والاستقرار لدى السكان، حتى لو كان الأخير مؤقتاً، لتدريب اللاجئين على تحمل العبء في حالة انقطاع المساعدات القليلة المتوفرة، إذ يتم توزيع المهام على عدد من أفراد المخيم يتناوب بعضهم على تنظيف المطابخ المشتركة في مناطقهم، وآخرون يساعدون في عمليات تنظيف الطرق الرملية بين الخيم، وهنالك الأشخاص ذوو الشبكات الاجتماعية القوية وهم الذين يعرفون الجميع ويأتون لمساعدة موظفي المؤسسات الإنسانية في تحديد موقع خيمة فلان أو فلانة ومناداتهم لاستلام المساعدات وفقاً للأسماء المسجلة.
وخلال مراكز شحن المساعدات على سيارات "البيك أب” في القطاع الخامس توجد مدرسة تابعة لكل من مؤسسة "IRD” والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة "UNHCR"، تعنى بالطلاب المتأخرين عن الدارسة أو الذين يواجهون صعوبة في القراءة والتعلم، يتجمع الأطفال لتعلم أيام الأسبوع بالإنجليزية وسرعان ما يقع جدال بين طفلتين "إنت غشاشة إطلعي من اللعبة” لترد الأخرى "أنا ما غشيت” وتجهش كلتاهما في نوبة من البكاء، ليذكروا من حولهم بطفولتهم حتى في الأوقات الصعبة، وتأتي طفلة أخرى تقول: "آنسة أنا أصلاً بعرف إنجليزي وبقدر أغني”، لتبدأ بالغناء والاستعراض بمواهبها أمام فتاة أخرى تقلل من أهمية أدائها لتبدأ هي الأخرى بالعد بالإنجليزية.
وفي نهاية يوم عمل كامل مرت فيه ثمان ساعات بسرعة يشعر بتعبها الجسد ولكن العقل يحاول استدراك كل ما جرى، يجتمع موظفو المؤسسات الإنسانية للتأكد من عدد المساعدات التي تم توزيعها خلال اليوم والأسماء التي سجلت باستلامها لما يلزم، حتى ولو كان ما يلزم هو العودة إلى الوطن الذي يمكن رؤية الحنين إليه في كل وجه وكل عمر بأنحاء المخيم القابع وسط الصحراء.