صحيفة العرّاب

طاووس جرش وصقر ام قيس !

بقلم الاعلامي .. بسام الياسين

" مهداة الى صقور النخبة وطواويس الخيبة "

 مُحدث نعمة هبطت عليه " الرزقة " فجأة كالصاعقة. ففقد اتزانه وطار صوابه،وكاد ان يُجنَّ جنونه.لم يحتمل راسه الصغيرة تلك الصدمة المالية الكبيرة. فسقط مغشياً عليه في نرجسية ذاتية مستديمة.لم يعد يرى في المرايا كلها الا هو. ان قادك نعلك يوما اليه ،وخانك حظك العاثر للجلوس معه،فإنك لا محالة ستصاب بجلطة دماغية من ثقل دمه،وخفة كلماته تنم عن تفاهة خط تفكيره. اذ انه لا ينفك عن مديح حاله،وكأنه الباب العالي ايام زمانه، ليثبت لك انه مركز الكون كله،ولولا حضرته لما اشرقت على الدنيا شمس،او طلع في ليلها قمر. اللازمة الموسيقية التي ترافق اغنياته كلها " الانا المريضة". مفتتحاً كل اغنية بعزف منفرد على اوتار بطولاته،عصاميته في جمع ثروته "الحلال". فالانا شبكة محكمة تلفه مثل سمكة، لذلك قلما ـ يحمد ربه ـ والعياذ بالله منه ومن ماله.


تتجلى حالته المرضية في ميله الدائم للاستعراض بانه لا يشبه الا ذاته.فريد عصره،ووحيد زمانه. وكأن الامهات لم يلدن مثل اشكاله او على شاكلته. احدى مميزاته التي يتميز بها هوسه في ركوب المنابر ليبقى تحت الاضواء،حتى لو مشى في جنازة وحده، ورفع صوته لشد انتباه الميت في نعشه .شخصية اوراقها مفضوحة لا تحتاج الى عبقرية لتكشف سذاجتها من الفها الى يائها. وحدهم السُذج امثاله ينخدعون بتهويماته. ان كان له من عذر في قبائحه.فعذره انه عاش تحت مظلة افكاره العقيمة و معتقداته الخاطئة.اما ادق اوصافه ـ كامل الاوصاف ـ هو كسيارة مشطوبة لا يعمل فيها سوى "الراديو" لان بطاريته تُشحن باكاذيبه،لهذا فان مذياعه لا يتوقف عن الثرثرة على مدار يومه الذي يقضيه في تكسير "الجوز الفاضي" وتقشير بشرته ليبقى لامعاً مثل ازرار قمصانه المذهبة..

الطاووس كان رمزاً لـ "شاه ايران" رضا بهلوي. انقلب عليه قومه فكانت نهايته مٌذلة. تخلى عنه اصدق اصدقاؤه،وبالكاد وجد مساحة لقبره بعد ان كانت الدنيا على وسعها لا تسعه.شخصياً لي حكاية مع طاووس كان في متنزه جرش قبل سنوات، ولا ادري ان بقي على قيد الحياة او توفاه الله.،كنت اراقبه مبهوراً بالوانه عندما امر بجانبه ساعة ممارستي رياضة المشي التي هي جزء من برنامجي اليومي والحياتي حتى اللحظة،وكيف ان نظرية داروين "النشوء والارتقاء" سقطت في تفسير الالوان .الطاووس كان يتطوس امامي كلما مررت بجانبه فرد جناحيه،ـ هذه واقعة واقعية ـ .ولست ادري هل كانت حركته طبيعية ام بقصد الزهو.

الحق كان الطاووس في منتهى ابهته. سألت الشاب القائم على رعاية الطيور وبعض القرود حينذاك عن تكاليف رعاية الطاووس و إطعامه.فمن المعروف ان الطواويس مدللة وحساسة، بحاجة الى كميات كبيرة من الفواكة المتنوعة،والمكسرات الغالية خاصة الكاجو والمياه المعدنية،ناهيك عن الرعاية الطبية. رد الشاب هامساً هل تكتم السر؟!. اجبته وهل هناك اسرار في اطعام الطواويس.قال نعم: في كل مساء اتسلل خلسة الى حسبة جرش و"الملم" بقايا الخضار والفواكه المضروبة و اقدمها له. بداية امتنع عن تناولها لانها شبه عفنة لكن الجوع كافر ثم اخذ يلتهما بنهم .حذرته من افشاء سر "طاووس جرش ابو القمامة" حتى لا يذهب مثلاً مثل "صقر ام قيس". الشاب احتفظ بالسر الى حين أُنهيت خدماته بصورة تعسفية ،ففتح علبة اسراره الصغيرة،ونثرها للريح لتنقلها للجهات الاربع على طريقة زميله " برادلي ادوارد" مسرب وثائق ويكيليس.

مصيبتنا ، اننا نعيش هذه الايام احلك ايامنا.نسير في اوعر منعرجات طرقنا. البطل الخارق فينا في مسرح اللامعقول،هو من يحافظ على قواه العقلية في عالم مجنون يعاني انقلابات قيمية ،اجتماعية، اخلاقية حادة في كل ساعة .تذكرت ما فعله صعاليك العرب الشرفاء البارحة كالشنفري ،السليك بن السلكة،عروة بن الورد الفرسان الشجعان،الشعراء العظام الذين تمردوا على قبائلهم،وكانوا يغزون الاغنياء لاطعام الفقراء الجياع المحرومين في مجتمع ظالم.بالتوازي مع الامس استحضرت في ذاكرتي ما يجري اليوم،حيث صقورنا المُعشعشة في دوائرنا ومؤسساتنا لا تقنص الا دجاج الفقراء المحرومين،فيما طواويسنا المنفوشة الريش نسيت تاريخها حينما كانت عارية، قبل ان ينبت لها ريش فأقامت ولائمها الباذخة من لحمنا،وشيّدت قصورها الفارهة من عظامنا.


شاعر الصحراء !

شاعر الصحراء المُلْهِمِ المُلْهَمْ .احد فرسانها الجسورين الذين ينحدرون من طبقة الفحول ذوي الفكر المستنير،الحكمة البليغة،الشخصية الوازنة المتزنة،الطاقة الابداعية الخلاقة،القدرة التعبيرية المبتكرة ."ابو المهند"من المحاربين القدامى، "دواس ظلمة" في عتمات الليالي المحلولكة. زوبعة مزوبعة عجيجها يملأ الدنيا،وعند النفير يغدو محرقة حارقة.من يجهل عبقرية المكان هو خارج الزمان . لا يعرف العلاقة الجدلية بين الانسان والبيئة.الانسان ابن البيئة والوارثة .اضيف هو ابن ذاته الذي يصنع نفسه بعصاميته وكده ومكابدته. شاعر الصحراء نخلة وطنية معطاءة ـ خيرها لاهلها ـ لا ترمي ابداً ثمرها في حوض غيرها.شاعر الصحراء هو ذاته وردة المدينة التي تنشر عبقها في الصباحات الجميلة على المارة دون ان تعرف اسماءهم،وفي المساءات المقمرة تغفو قصيدة حانية على اكتاف عشاقها لتعزف لهم سمفونية رومانسية لا احلى منها و لا اجمل .

شاعرنا شاعر الكلمة الموقف، المسكون طيلة يومه، صحوه ونومه بهاجس الدفاع عن امته. جماليته تتجلى بانه نص مفتوح على اسئلة كونية حائرة ومحيرة.كل التحايا لنا باكتشاف شاعر كبير يُجمّل صحراءنا باغاني الكبرياء،وينفخ الحياة فيها بالف واحة خضراء، في وقت يُصّحر الاشقياء وطننا بحرق غاباته المخضوضرة ويشوهون وجهه الجميل بافاعليهم الواطية. الحق الحق اقول انها مفارقة كاشفة بين شاعر يبدع وخالع يخلع، نسر شامخ يحلق في الاعالي وضفدع في اسفل السافلين ينق... استميحكم العذر انني لم اجد وصفاً رائعاً يليق بشاعرنا الرائع اروع من وصف الرائعة فاتنة التل بتسميته : "مارد الشعر الاردني"!.

اصناف الرجال !

اسوأ انواع القهر ان يقهر الرجال اشباه الرجال.إن يفترسك اسد افضل الف مرة من ان يعوي عليك كلب. الاشد ايلاماً ان يتطاول عليك الرجل / النعامة. رجل هش "خشخيشة"،تجده يغطي وجهه لا حياءً كعذراء منقبة بل استحياء رجل من ماضيه القذر وما اقترفت يداه . نماذج عديدة اثارث رغبتي في زيادة معرفتي بالخيوط الرابطة بين الحيوان و الانسان.رجعت الى علم النفس وكتب التراث وعالم الطيور والحيوان،في حين يبقى القران الكريم المعجزة الخالدة مرجعيتي المعتمدة للاستزادة . "ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها..." .ما شجعني في الولوج الى هذا العالم عالم نفس قام بمقارنة سلوكيات الانسان و الحيوان.

الرجل / الاسد : رجل تهابه الرجال ويحترمه كل من حوله،لا يعتدي الا اذا دخل غريب منطقته وتجاوز حدوده المرسومة. لثقته العاليه بنفسه فانه يرسم حدوده برشقات من بوله.عند تلك الخطوط سواء كانت واضحة،او ذات رائحة لا احد يجرؤ على اجتيازها الا من يخاطر بحياته ومن ثكلته امه،لان امه المكلومة لن تراه ان تجاوز حده.الاسد غير طماع ولا جشع،فاذا شبع تجده وادعاً كحمل لا يؤذي نمله،وهذه شيم الرجال الرجال.الرجل / الذئب: شجاع كـ " الذيب" يواجه خصمه وجهاً لوجه،لا يأتيه غدراً من خلفه. إن امسك به يمزقه إربا،و ياكل حتى الشبع،اما البقية الباقية فيتركها للكلاب التي تتحلق حوله وللجوارح المحلقة فوقه.

الرجل / السلحفاة : يتسلل بين الناس خفية كالنسناس. جبان بطبعه دائم الهرب ،يشبه تماماً سلحفاة تقوقع داخل قوقعتها،تنكمش لو هبت عليها نسمة.لا تخرج من صدفتها الا حينما تستشعر الامان، فتُطل براسها وهي مرتعدة الى ان تطمئن ان لا احد يحيط بها. الرجل / الارنب رعديد بطبعه،خواف بفطرته يطلق ساقيه للريح كلما احس حركة،اما اذا فرغت الساحة له تراه ككرة مطاطية دائم النطنطة بلا فائدة جلها للاستعراض والبقية فلذكة .

الرجل / النملة رجل عملي،دؤوب لا يتوقف عن العمل على مدار الساعة.،صبور ونشيط يحمل اكثر مما يحتمل .مشكلته انه لا يعرف في حياته سوى جمع المال وتخزين الطعام،وغالبا ما يقضي نحبه اثناء تأدية واجبه. الرجل / النحلة رجل بالغ التنظيم و النطافة،ذو عقلية هندسية،يمضي عمره من زهرة الى زهرة،حاملا غبار اللقاح باقدامة لتخصيب الورود .يمضي حياته في جمع العسل، ليعطيه للانسان غذاءً وشفاءً.يقابل الرجل / النحلة، الرجل/ البعوضة،رجل يقتات على دم الاخرين. لا ترتفع منسوب سعادته الا بايذاءهم . الرجل / الذبابة:رجل يحط على القاذورات،وينقل الامراض الفتاكة بين الناس "هماز مشاءٍ بنميم"،صاحب فتنة،لا يجد غضاضة في نهش لحم الاخرين،لا يتوقف عن كتابة التقارير لانه فاقد القيم ابتداءً،ولد في اسرة مفككة و ترعرع قرب محطة تنقية،فهو كنافخ الكير لا تشتم منه غير الروائح النتنة.

الرجل / النعامة : / الرجل الفضيحة،شخصية مزورة تقوم فلسفته الحياتية على ـ سلامته الشخصية ـ.فعند أي ازمة يدمل راسه بالرمل،ويُسلم عجزه لمن يطارده موحياً بلا حياء : افعل بي ما تشاء شريطة ان يسلم راسي. نوع ينتمي الى فصيلة كريهة،ذات صلاحيات واسعة قتلت الكثيرين بطرق شتى غيلة وغدرا بلا مُساءلة.شخصياً لي دراية بهذا النموذج المريض الذي مكانه مصحة نفسية لا موقعاً قيادياً يسوم عباد الله العذاب ثأراً لمنزلاقته الطفولية المخزية.

لا يتفوق عليه في الوضاعة و الايذاء الا الرجل / الغراب ـ استاذ "قابيل" ـ في فن الجريمة ومعلمه في طمس معالمها. - قال الله تعالى : فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ ....."." .فارق شاسع بين غراب الشؤم الذي لا تستقيم له حياة الا بالتخريب وعلى الخراب وبين الهدهد الجميل صديق البيئة،وكاشف الماء من سماء عالية وهي تمور في اعماق الارض. فاعل خير وداعية حق، انقذ قوم سبأ من ضلال مبين الى هدى مستقيم : " إني وجدت إمرأة تملكهم،وأوتيت من كل شيء،ولها عرش عظيم * وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله....".

عظمة الخالق الباريء المصور تتجلى في كل شيء من الذرة حتى المجرة : " وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ اليوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا." كي تكون قريباً من الله و في منجاة من النار:كن هدهداً داعية خير وصديقاً للبيئة لا غراباً توأم خراب ونذير شر،وازرع خيراً تحصده لا كالاحمق الذي يزرع كوسا وينتظر قثاءً .