صحيفة العرّاب

زواج قسري ام "سترة عرض"!

بقلم الاعلامي .. بسام الياسين

 ' مهداة الى اخي الاعز ' ابو المهند' الذي يستنهض طاقتي الكتابية بتعليقاته الجريئة التي تنم عن ثقافة موسوعية وغيرة وطنية / قومية ' 
بسام الياسين 

الثرثار ! 

ان لم تكن كلماتك مهيبة كشفرة سيف دمشقي مرصع باسماء الله الحسنى. لغتك نفاذة كخنجر يماني يتلألأ على خاصرة مقاتل دفاعاً عن دينه وعروبته.حروفك عيدان ثقاب تُشعل فتيل البراكين النائمة. افكارك عواصف مُزوبعة، كلما هدأت زوبعة تزوبعها مرة اخرى.فالافضل ان تبحث عن مهنة اخرى لان الكتابة لا تليق لك،وغير لائقة بك .اعتقد ان عربة لبيع الترمس تفي بغرضك وتلف بها مقالاتك،لكن صهريج نضحٍ اكثر لياقة و ادراراً للمنفعة.كتاباتك كأنك تُغني في مطحنة.ترقص في مقبرة. تنق وحدك كضفدع، جرفته مياه عادمة الى بئر مهجورة .

لا احد يسمعه او يسمعك.وصيتي اليك لا تُرهقّن نفسك في الكتابة لان لا احدَ يقرأ لك.ما تلطخه على بياض الورق ليس سوى ' جق حكي' يُحسبُ عليكَ لا لكْ. العاطلون عن التفكير وحدهم يجترون الكلام كالبعران التائهة في متاهة لا نهاية لها.و العاطلون عن الوطن يعلكون الاحاديث كما 'الارامل والمطلقات'، يملأن الفراغ بالتطريز ويُضيعّن الوقت بمضغ 'اللبان' حتى يطلع عليهن النهار.النوم بلا شريك مقلق، يُقَلِبّ مواجعهن الغريزية،يُفَتِقَّ ذكرياتهن الحزينة. كذلك الكاتب الوصولي الفاضي مثل زبون مفلس وعنين يريد ان يُقطَّع ليله الطويل بالثرثرة،و لم يجد ما يُشغله الا مساومة فتاة رصيف بائسة تقف على جمرة الانتظار آواخر ليلٍ بارد وحزين،لكنها ' بحرفيتها وطول احترافها' تكشف اوراقه بسرعة، و تقرأ ما بين سطوره من اول نظرة فتصرخ بوجهه : ' هاتْ من الآخر ـ يا روح امك ـ : كلمتين نظاف احسن من جريدة وسخة زيك '. 


زواج قسري ام سترة عرض ! 

امتنا 'العربية الماجدة' لم تغرق بامطار العواصف الرعدية او تهدمها الزلازل المدمرة بل غرقت في ظلم الحُكام وفساد اذنابهم. عندما قتلوا عنفوان شبابها،و رهنوا قرارها، ثم راحت اذاعاتهم 'تُجَعِّرَ' باعلى اصواتها ـ امجاد يا عرب امجاد ـ .سجون الانظمة العربية التي حُشر فيها احرار العرب في فترة ما بعد الاستقلال، اكثر قهراً واشد قسوة من سجون عهود الاستعمار،لاجل الدفاع عن كراسي القادة ومصالح البطانة.في السجون المظلمة لم تكتف الانظمة بالتعذيب بل اذابت كبار قادة المعارضة في براميل حامض الكبريتك لمحو أي اثر لهم،و مارست مع البقية الباقية فظائع مخجلة ـ اهتز لها عرش الله في السماء ـ لاذلالهم وترويضهم . من هنا فان لعبة البراميل العربية ليست جديدة، انما هي جزء من سياسة الانظمة العربية لقطع دابر المعارضين بالاذابة او اسقاطها على رؤوس المتمردين للابادة. 

ميشيل كيلو المعارض السوري،الكاتب الصحفي،الناشط السياسي،اللاجيء العربي في بلا الله الواسعة هرباً من براميل الاذابة و الابادة ، وسجون تدمر، المزة ، اقبية المخابرات الجهنمية قال حين خرج من سجنه ذات مرة قبل اشتعال الثورة بفترة وجيزة : نصحني ضابط التحقيق قائلاً : ' ان النظام قلعة عسكرية،امنية، مخابراتية صلبة، مدعومة من روسيا و ايران وحزب الله،لذلك هي عصية ليس على الاختراق بل على الخدش.لا تتعبوا انفسكم بالمعارضة و الاصلاح،واشتغلوا باي شيءٍ ينفعكم غير العمل بالسياسة 'ـ انتهى الاقتباس ـ !...... تُرى،ماذا حدث بعد اربع سنوات من هذا الكلام غير المنطقي و اللا مُجدي ؟!.تهدمت القلعة على رؤوس ساكنيها،والضابط الناصح ربما قُتل او فر بجلده في ليلة مظلمة، لان كلام المكاتب يمحوه رصاص المواجهة . 

الحكم في تفسيره الابسط،تامين حياة كريمة للافراد،لكن الواقع يثبت ان الدولة العربية المعاصرة عجزت عن تامين لقمة الخبز،ماء الشفة، الانارة ، الى ان وصل عجزها الى العجز عن رفع القمامة . فانطلقت مظاهرات ' طلعت ريحتكم ' التي غطت الشوارع كيوم الحشر.شلل الدولة العربية المعاصرة لم يمنعها البتة من تسجيل انتصارات لا اخلاقية على مواطنها بعد هزائمها المنكرة في معاركها العسكرية ،التنموية،الاقتصادية،التعليمية،التربوبة، الصحية .مرغت كرامته بالتراب،سلبت ارادته بتضييق الابواب عليه.السؤال المفخرة متى تستعيد شعوبنا المضطهدة مفردات الحرية،الكرامة،العدالة رغم الاجواء المُغْبَرة،ومحدودية الرؤيا،لتجسد قول ربها : 'إن هذه امتكم امة واحدة و انا ربكم فاعبدون'؟!. لا محالة في ان الربيع العربي المكبوت في الصدور و المؤود في القبور لم يمت ولن يموت. وللجاهلين او المتجاهلين نقول: للحياة سُننها وللفصول دورتها،وسيُبعث حياً من جديد ،لكنه هذه المرة لن يكون ربيعاً اخضر مثل سلفه ،بل سيكون شتاءً قارصاً عاصفاً يخلع الطغاة من جذورهم.تلك الساعة للربيع حرية الاختيار اما ان يلقيهم في بحر الظلمات او جهنم الحمراء.

نتيجة للانهيار الشامل. باديء ذي بدء، يجب العمل الفوري على فسخ الزواج 'القسري' و زيجة 'ستر العرض' بين الحاكم وشعبه.اذ اصبحت ليست ضرورة قصوى فحسب بل واجب قانوني وشرعي وشعبي لانهما عقدان فاسدان يشوبهما البطلان.الوطن العربي الذي كنا نعرفه ـ ايام زمان ـ لم يعد كما كان ،وتجار السلع التراثية الذين يستميتون في الدفاع عن 'نفايات الماضي'، التي جاءت نتاج افكار بالية، على قاعدة ليس بالامكان افضل مما كان، وما هو قائم الآن احسن مما ستأتي به الايام، هم انتهازيون، سقطوا 'سبعين خريفاً في مستنقع اكاذيبهم' لانهم يسبحون في مياة قذرة،ضد التيار، متناسين ان سُنّة الحياة التغيير. و انهم ديناصورات خارج قوس الزمان والمكان لفقدانهم قدرة التكيف مع شعوبهم التواقة للحرية والديمقراطية وتداول السلطة . 

الحاكم العربي لم يعد قديساً تنحني له الرقاب وتُرفع له الاعلام في الذهاب و الاياب،وتذوب الاقلام في الكتابة عن انجازاته الباهرة ،وتُرفع صوره فوق الرؤوس الحاسرة،ليُطل فخامته من سيارته المصفحة محيياً الجماهير 'العطشى لرؤيته' الواقفة على الارصفة من طلوع الفجر، لتحظى باطلالة من وجهه النوراني،و تلويحة من اطراف اصابعه، كأن الناس ليسوا اوادم انما اغنام . اكاذيب تكشفت عندما رُفع الحجاب وظهرت الحقائق على حقيقتها. الاكثر قباحة مقولة البطانة البائدة التي يُسوّقها تجار دكاكين السياسة ـ دكاكين ـ 'الانتيكا' و ملابس البالة القديمة : ان الحاكم العربي افنى عمره في خدمة شعبة.لذا علينا تصحيحها لتلاءم الواقع بان الحاكم العربي افنى شعبه من اجل مصالحه .من هذا المنطلق اسقطت الشعوب بعض حُكامها،والبقية الباقية لم تزل اعوادها معلقة. ثروات مبارك،زين العابدين،علي عبدالله صالح،القذافي المنهوبة تنعش امة باكملها،فكيف اذا اضفنا اليها / تيرليون / الالف مليون التي نُهبت في عهد رجل الدعوة ورئيس حزب دولة القانون نوري المالكي . لاحظوا كيف يتدثر الحرامية بـالالقاب / و'عدة النصب' الدنيوية و الاخروية للضحك على العامة : رجل الدعوة،رئيس دولة القانون، ثم فجأة يحصل بجدارة على لقب الحرامي الاكبر في التاريخ الانساني المعاصر. 

انشوطة الموت ! 

شاهدت فيلماً وثائقياً قبل ايام عن صيد الحيوانات البرية الوادعة كالغزلان والظباء بطريقة بدائية.الفيلم استفزني ونكأ جراحاتي الدفينة.اضرم نيران القلق في روحي و اوجع قلبي الموجوع اصلاً .فجّر في ذاكرتي مكامن حزن كامنة منذ ان تحولنا من البدواة الى الدولة.صياد ذو نظرات قاسية،ويدٍ جافة كمطرقة فولاذية ،يزرع انشوطاته القاتلة المموهة بحرفية عالية بجانب الاعشاب و يربطها بين الاشجار في اماكن متعددة من غابة مترامية الاطراف، مساحتها تساوي الخارطة العربية ليضمن صيداً وفيراً،ووجبة دسمة. الصياد ينثر افخاخ الموت / مصائد المغفلين هنا وهناك بطريقة عشوائية بلا رحمة،فيما الانشوطة تعمل على مبدأ الاطباق على خناق الفريسة بمجرد ملامستها،حيث لا يمكن الافلات منها. مأساة الفريسة تزداد تعقيداً كلما حاولت النجاة براسها طلباً لحريتها،فتضيق على رقبتها دائرة الدائرة حتى تكاد تقطع انفاسها في اشارة ان لا فكاك منها. 

تصل المأساة ذروتها عندما يكتفي الصياد بفريسة واحدة،ويغادر المكان تاركاً عددا من المصائد خلفه اما بدافع الملل،او الاكتفاء بما تم صيده.،فتقع الفرائس الباحثة عن رزقها بالكماشات القاتلة الواحدة تلو الاخرى. الجريمة الاكبر ان لا ياتي الصياد لذبحها وتخليصها من عذاباتها،ولا يطلع ' المُخَلِصُ' من ظهر الغيب لتخليصها من ورطتها و اطلاق حريتها.فتموت ببطء .' انشوطات الموت' ذكرتني بانشوطات الاجهزة الامنية في الوطن العربي من قطع رزق و'تبلي على عباد الله' لاشباع عقد المسؤولين من حملة الرتب العالية العدوانية كمنع سفر على من يغضبون عليهم وتوجيه تهم كاذبة لارضاء غرورهم بانهم يفعلون ما يريدون،وقادرون ان يطأوون القانون باحذيتهم الثقيلة كانه صرصار يحمل الاوبئة. ممارسات فوقية نابعة من الاعتقاد المريض لدى هولاء بانه لولا وجودهم لطار الوطن مثل خيمة ضربتها عاصفة عاتية، وخلعتها من جذورها،رغم معرفة هؤلاء الادعياء بانفسهم انهم كذبة،و انهم تفوقوا على جدهم الاكبر مُسيلمة.فقد بلغ الغرور اقصى مداه،بانهم ليسوا فوق المُساءلة فحسب، انما لا يجوز توجيه انتقادات صغيرة لهم او اشارة عابرة .هنا تكمن البلوى.الواقع انهم جهلة لم يقرؤوا التاريخ جيداً،فقد سقطت دول عظمى من ذوات القبضة الفولاذية،وتبخرت الاجهزة الامنية فيها في ليلة واحدة : ' الاتحاد السوفياتي،بولندا،المانيا الشرقية، العراق،مصر مبارك،ليبيا القذافي،سوريا الاسد. 

في السياق ذاته وفي خطوة زلزالية مزلزلة غير متوقعة، قام بها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة البارحة، بالتزامن مع وضعه اللمسات الاخيره لترتيبات جنازته لانه جثة مؤجلة تنتظر الدفن.ازاح الجنرال الصلب محمد مدين من منصبه كرئيس لجهاز المخابرات امتد ركوبه الكرسي،وامتطاءه ظهور الناس 25 عاما،تحكم فيها بصناعة الزعماء،وتزوير الانتخابات الثلاث: الرئاسية،النيابية،البلدية وبطش بالمعارضة الاسلامية. المثير للضحك ان بوتفليقة ذاته جاء بالتزوير على كرسي المعاقين وبترتيب الجنرال المخلوع فهل سمعتم ابلغ من هذه النكتة؟!.اما المثير للبكاء ان جنرالاً تحكم على مدى ربع قرن بحياة 40 مليون جزائري،كان يُفصّل لهم الرئيس الذي يريده،ومجلس الشعب يرغبه لتمرير قوانينه،ورئيس البلدية الذي يحركه كدمية بالآلو.فكيف لهذه الامة ان تكون محترمة وتحترم ذاتها بينما الذين يتحكمون بها غير محترمين. الجزائر ام المليون ونصف شهيد هزمت جنرالات فرنسا الاقوياء العتاة و ادخلتهم المصحات النفسية وحطمت كبرياءهم على جبهات القتال.وها هي تهزم جنرالا 'وطنياً' لا يقل دموية ونجاسة عنهم . الاوطان ـ يا هؤلاء ـ لا تحميها شخصيات امنية تجلس في مكاتبها المكيفة مهما كان وزنها او دورها ان لم تحمها شعوبها،وعدالة حاكمها. 

مشكلة الحيوانات البرية انها تواجه انشوطة من نوعٍ واحد، اهون الف مرة مما يواجهه الانسان العربي من آلآف الانشوطات الامنية القاتلة التي ابتكرتها شخصيات مريضة منحرفة، من رموز الشر وقلة الدين وموت الضمير في الوطن العربي امثال : محمد مدين، علي مملوك،و عبدالله السنوسي. الاهم هو ما لم نقله حتى يأتي حينه عن باقي السفلة .سياسات ظالمة لم تراعِ انسانية الانسان، وضعت الانسان العربي تحت خيارات قاسية اما ان يكون ضحية بلا حولٍ ولا قوة ، لا يحصل على قوت يومه الا بشق الانفس،و اما ان يُدفع دفعاً رغم انفه ان يكون ارهابياً مجرماً ليحكم على غيره بالذبح،وعلى ذاته بالانتحار للخلاص من عذاباته الداخلية،رفضاً لكل ما يجري حوله.ثالث الانشوطات المستجدة ركوب الفقراء العرب المنهكين زوارق مطاطية مهترئة مع قرصانة بحر لا يقلون عنفاً عن جنرالات البر.وجدوا في الهجرة للغرب مواسماً رابحاً لتعبئة الجيوب على حساب حياة المهاجرين المنهكين. المهاجرون الغلابا ومن باب الاضطرار،كالمضطر الى اكل الميتة ولحم الخنزير،غامروا بانفسهم وعائلاتهم في لعبة موتٍ غير محسوبة العواقب للبحث عن مساحة مخدة في شواطيء بعيدة آمنة لوضع رؤوسهم بعيداً عن قذائف البراميل المتفجرة، وخوازيق جلادي الاجهزة القمعية الناعمة والخشنة .