صحيفة العرّاب

بعد اختبار مسارات الخروج المتاحة... الاحتلال الأمريكي يبدأ الانسحاب من العراق

كشفت مصادر سياسية عراقية عن بدء سحب القوات الأمريكية المحتلة في العراق آلياتها العسكرية الثقيلة عبر منافذ حدودية مجاورة للعراق لم تكشف المصادر سوى عن دولة واحدة قالت إنها "الكويت".

وبينت المصادر السياسية أن قيادة الجيش الأمريكي والبنتاغون تختبر مسارات الخروج المتاحة قبيل الانسحاب النهائي من العراق.
وقالت: إن القوافل العسكرية الأمريكية التي تحمل العربات المدرعة والأسلحة والمعدات الأخرى، جاءت كإشارة أولية على الخطوات التي تبناها الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما بالانسحاب الكامل من العراق قبل نهاية العام الحالي. وتأتي بعد التقييم الموسع الذي أجرته القيادة العسكرية الوسطى الأمريكية ومقرها في دولة قطر، الذي خلص إلى تفكيك بعض القواعد العسكرية في العراق وسحبها لبعض دول الجوار العراقي ونقلها فيما بعد إلى مقر القيادة أو إلى أفغانستان.
وكان النائب المساعد لرئيس هيئة الأركان في القيادة الوسطى الأمريكية تيري موريس، أكد في وقت سابق أنهم بدؤوا في "رؤية انخفاض متوقع في عدد القوات، لذا فإنهم يسعون إلى إخراج عدد من المعدات". مضيفا "لقد بدأنا ببطء، وهي السرعة التي قررنا العمل بها في الوقت الحالي".
وأكد تقرير لمكتب المحاسبة الأمريكي صدر مؤخرا، أن نقل عشرات الآلاف من العسكريين وملايين الأطنان من المعدات في العراق، يمثل العقبة الكبرى التي تواجه الجيش الأمريكي. وأوصى التقرير بضرورة البحث عن مسارات متعددة للانسحاب الأمريكي من العراق، منها إقامة جسر لنقل الدبابات الثقيلة على الطريق بين الحدود العراقية وموانئ الأسكندرونة ومرسين التي تطل على البحر الأبيض المتوسط.
وقال التقرير ان "سعة المنشآت الموجودة في الكويت والدول المجاورة قد تحد من سرعة نقل المعدات والمواد خارج العراق".
وكانت الولايات المتحدة أدخلت غالبية معداتها العسكرية عبر الكويت التي كانت نقطة انطلاق رئيسية في غزو العراق عام 2003، الذي يوجد به الآن ما يزيد على 140.000 جندي.
وفي السياق بينت وسائل إعلام تركية أن هناك مباحثات متواصلة بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا لبحث آليات التعاون والتفاهم حول الانسحاب من العراق عبر الأراضي التركية.
وقالت صحيفة "حرييت" التركية، إن مسئولين عسكريين من كلا البلدين جلسوا للتباحث حول هذا الأمر، موضحة أن الجانب الأمريكي يدرس الاحتمالات كافة بشأن الانسحاب المبرمج من العراق لاسيما المسارات القريبة والملائمة لحركة قوات كبيرة العدد والعتاد.
وأضافت أن تركيا من بين الدول المجاورة للعراق التي تدرس وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" احتمال استخدام أراضيها وموانئها المطلة على البحر المتوسط لإعادة الفرق المدرعة والآليات الثقيلة الى قواعدها في الولايات المتحدة، أو نقلها إلى أفغانستان.
الخبراء العسكريون والسياسيون العراقيون الذين تحدثت إليهم "الحقيقة الدولية" أكدوا أن الإدارة الأمريكية الجديدة تعمل بجد على صناعة القرار الزمني للانسحاب من العراق، مع التركيز على انسيابية تطبيق عملية الانسحاب وفقا للمصالح والرؤى الإستراتيجية الأمريكية.
وكانت الاتفاقية الأمنية الموقعة بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية نهاية العام الماضي، وفعّلت على أرض الواقع مطلع العام الحالي، نصت على انسحاب القوات الأمريكية من المدن العراقية بحلول 30 حزيران القادم، والانسحاب النهائي من كامل العراق قبل حلول عام 2010، وهو جدول زمني يمكن للرئيس أوباما أن يقوم بتسريعه إذا ما رغب في الالتزام بوعده الانتخابي بإخراج الجنود الأمريكيين من العراق في غضون 16 شهرا من توليه الرئاسة.
 وبدأت الإدارة الأمريكية الجديدة، مع وصول أوباما للحكم بمراجعة شاملة لإستراتيجيتها في العراق وأفغانستان، حيث تناضل قوات يقودها حلف شمال الأطلسي لمواجهة أعمال المقاومة المتصاعدة وتجدد نشاط حركة طالبان.
وتفكر الإدارة الأمريكية في زيادة حجم القوة الأمريكية في أفغانستان الى المثلين تقريبا من 36 ألف جندي الى أكثر من 60 ألف جندي في غضون 18 شهرا.
وقال أوباما إنه يريد انسحابا تدريجيا يتسم بالمسؤولية للقوات الأمريكية من العراق. وأضاف "لدينا إحساس الآن بان العراقيين اجروا للتو انتخابات مهمة للغاية دون وقوع أعمال عنف كبيرة، إننا في وضع يتيح لنا تحميل العراقيين مزيدا من المسئولية".
وكان أوباما حذر نهاية كانون الثاني بعد أول اجتماع له في البنتاغون مع القادة العسكريين من انه سوف يتخذ "قرارات صعبة" تتعلق بالحرب في أفغانستان والعراق.
وفي الأسبوع الأول له في البيت الأبيض طلب أوباما من قادته العسكريين الكبار وضع خطط لانسحاب عسكري "مسئول" من العراق حيث ينتشر حاليا 142 ألف جندي أمريكي.
ويخشى القادة العسكريون الأمريكيون في العراق ان يؤدي انسحاب متسرع الى تهديد المكاسب الأمنية التي أنجزت.
واعتبر خبراء ومحللون سياسيون عراقيون أن غزو الولايات المتحدة الأمريكية للعراق اكبر خطأ استراتيجي في التاريخ، مشيرين إلى أن البلد يقع ضمن منطقة رخوة تعرضت عبر قرون وعقود للغزوات والاحتلال والاستعمار جعلته ارض رمال متحركة تبتلع أي جيش أجنبي مهما كان عدده وقدراته.
مؤكدين أن التفكير الأمريكي بالانسحاب السريع من العراق يكشف حجم الورطة الأمريكية في العراق بعد التراجعات الأخيرة والمعضلات المتعددة التي يعيشها الاحتلال الأمريكي في بلاد الرافدين.
وأكدوا ان أي انسحاب أمريكي غير مدروس سيؤدي إلى تنامي سيطرة بعض الدول الإقليمية على العراق والتي رفضها الشارع الشعبي العراقي في انتخابات مجالس المحافظات العراقية من خلال إقصاء الأحزاب السياسية الموالية لتلك الدول الإقليمية. الحقيقة الدولية