صحيفة العرّاب

ترامب للعربان : " دفع " الاتاوة او " رفع " العباءة

 بقلم الاعلامي ..بسام الياسين

الفيلسوف المعلم " تشوا يوك سوي" يقول:ـ { ان الدولة التي تفشل في القيام بواجباتها،يعنى ان المسؤولين فيها لم يقوموا بواجباتهم،ولم يعرفوا ان عظمة الدولة من عظمة ابنائها }.

الدولة الوطنية العربية المعاصرة اذلت ابناءها وحطت من قيمتهم و قزمّت قاماتهم.تارة بالاحكام العرفية تحت يافظة تحرير فلسطين و اخرى بزجهم في الزنازين بحجة مكافحة الاحزاب الهدامة حتى اصبحت كلمات سياسة،وعي،فكر،ثقافة تثير الخوف ويتجنبها الناس.المسؤولون ليس لديهم مشروع وطني لكنهم انفسهم مشاريع نهب للدولة.ناهيك عن سياساتهم الخرقاء التي ادت الى تشويه المواطن و أعاقة وعيه باغلاق منافذ عقله....

على المقلب الآخر وضع العربان بيضهم في سلة الامريكان بثقة عمياء.بذلك اثبت العربان انهم مصابون بعمى سياسي وحماقة معرفية،و انهم لم يسمعوا بالحكمة القائلة :ـ " قليل من الشك ضروري حتى لا يصير اليقين اعمى" . المحصلة فشلت الدولة العربية الوطنية،ودفعت الشعوب فاتورة باهظة بسبب خطايا المسؤولين وخطاياهم. دول كانت خزائنها تفيض بالاموال و مداخيلها اليومية بالمليارات، هي اليوم على حافة الافلاس.و اخرى من ذوات القبضات البوليسية تفجرت من الداخل بسبب طغيان اجهزتها الامنية،و لصوصية نُخبها الانتهازية.

دول تحترق و اخرى على حافة النار. هذا قانون الحياة فمن يزرع الشوك لن يقطف الريحان.دولنا الثرية لم تُحسن ادارة المال.بددته ذات اليمين والشمال،انفقت على شراء السلاح مئات المليارات لتحريك مصانع الاسلحة ، وحين تعرضت للغزو استاجرت جيوشاً للدفاع عنها.

 

حصيلة اللعبة ان حملت الجيوش المستأجرة صناديق السيادة الوطنية النفطية وعادت بها الى بلادها.اما انظمة الدول الفقيرة، لم تكن افضل حالاً.فقد نهبت النخب اموال شعوبها،و اثقلت ذممها بالمديونيات الكبيرة تحت غطاء تغييب القوانين و التلاعبت بالدساتير. نتيجة هذه السياسات الحمقاء، تفسخت بعض الدول و إنهار بعضها الاخر.ما يدل ان أُولي الامر اما انهم غير مؤهلين او انهم غير امنيين على قيادة دولهم،و ان لعبة الكراسي الموسيقية انتهى زمنها، ولا مكان لها في عصر الالكترونيات الرقمية،و ادوات التواصل الاجتماعي ،.فهذا زمن هندسة سياسة الدولة على اسس علمية،و إقامة التكتلات العظيمة لا زمن الفزعة والدول الرضيعة.العلاج الشافي كي تعود شجرة الدولة الوطنية يانعة مخضوضرة ،ويقطف اهلها ثمرها.

لابد من إستعمال المبيدات الحشرية لتطهيرها من السوس الذي نخرها،مع انتفاضة بيضاء شاملة،تبدأ بتقليم الشجرة والتخلص من فروعها الناخرة،وان تكون العدالة الاجتماعية راس اولوياتها.فميزان الحق له كفتان يجب ان يستويان و الا ، فـ " ويل للمطففين " الذين يتلاعبون بالموازيين الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. شعار المواطن العربي المعتمد شعبياً :ـ ليس في الحياة ما يستحق الحياة،بعد ان وصلت لعبة التأزيم،وحرب الاضداد،وملوك الطوائف المذهبية الى مرحلة التوحش...مجند من الحشد الشعبي يقتل بالفالوجة سبعة عشر مواطناً،وجندي متطوع في مصر يقتل واحداً وعشرين متظاهراً،فيما جز الرؤوس في سوريا،العراق،اليمن،ليبيا اصبح برنامجاً يومياً. المُفجع رغم كل هذه المراجل الرسمية على بعضنا.لا حروب مع الاعداء الصهاينة بل حروب اهلية طاحنة.،معارك هويات فرعية،كراهية،ثأر،عصبيات عرقية،مذهبية،طائفية،لكننا لم نر معركة واحدة للبناء او لملء الامعاء الخاوية.مواطن مصري يبكي على فضائية بُكاءً يُقطّعُ نياط القلب قائلاً بانكسار :ـ " ما أَكلتش من يومين ".بو عزيزي التونسي، يحرق نفسه إحتجاجاً على سلب السلطة لـ " بسطته " مصدر رزقه.محسن فكري المغربي بائع السمك تجز راسه ضاغطة زبالة،لانه خالف اوامر دولته التي "كل ما فيها على الصراط المستقيم،"عدا الجياع فهم خارج القانون...يا الله !.

حاوية القمامة لعبت دوراً مهماً في الاقطار العربية.شكلت علامة فارقة في حياة المواطن.لم تعد حاوية زبالة للتخلص من الفضلات بل اصبحت منجم رزق لكثير من العائلات المعدمة...قمامة الاغنياء القذرة وجبة الفقراء المفضلة.استخفاف كبار المسؤولين والمخططين بحياة الناس،و إذلالهم في لقمتهم اصبح عقيدة ثابتة. فقد خانهم ذكاؤهم السياسي ان ظنوا ان الامر استتب لهم،فثورات الجياع هي الاعتى في التاريخ،فكيف اذا كانت الامة جميعها جائعة...الدليل العياني، اينما تولي وجهك سوف تجد الجياع يتحلقون حول الحاويات،يتسولون المارة،يقرعون البيوت طلباً لستر عريهم.المفارقة المضحكة ان هؤلاء انفسهم، بايعوا زعماءهم على الولاء والطاعة منذ الولادة الى يوم القيامة مقابل اللقمة الكريمة، لكنهم لم يحصلوا الا على المهانة.

في الوضع العربي المخزي عليك توقع اللا متوقع .ستشاهد بام عينيك القهر،وتتفجر بداخلك الاسئلة المحرجة حول شرعية الانظمة العربية.فان كنت من ذوي الكرامة امامك خياران :ـ اما ان تنزوي وتأكل بعضك حسرة كالنار التي تأكل بعضها ان لم تجد ما تأكله او الاندفاع حتى الموت على طريقة البوعزيزي ومحسن فكري من اجل لقمة اطفالك.هذا ـ والله ـ عكس العقد الاجتماعي القائم بين الفرد و الدولة الذي يحتم عليها ان تكون محامي دفاع عن مواطنها المسحوق، الضعيف، الجائع، المظلوم الذي لا يملك سنداً يسنده. السادات وصف ثورة شعبه بـ " ثورة الحرامية " و " القذافي نعت مواطنيه بـ " الجرذان " و الاسد حقّرهم بـ " الفئران ".هكذا ينظر الحاكم العربي الجنتلمان لشعبه الكحيان.

الحضارة الرومانية قامت على القوة و اسقطت الاخلاق ففشلت.الفارسية " الزرادشتية اقامت البنيان و اهملت الانسان فاحترقت بنيران مجوسها.الهندية "البوذية" اهتمت بالروح و احتقرت الجسد فتقزمت.الحضارة الغربية ركزت على الرفاهية،فاشعلت الحروب لنهب ثروات الشعوب من اجل رفاهية مواطنها وإشباع لذاته.استعملت الاسلحة المحرمة لتحقيق اغراضها،فخربت الكرة الارضية. اما ـ الاسلام يا حرام ـ قام على احترام الروح النفس والجسد،العقل،ونشر العدل والمساواة،و انصاف الفقراء من الاغنياء،فحاربوه باسم الارهاب و اشعلوا حروب الطوائف والمذاهب لتمزيق امته العربية.

في اللقاء الذي جمع هنري كيسنجر ( يهودي ) مع الرئيس تيتو في يوغسلافيا عام 1974 قال الاول للثاني صراحة ومن دون مواربة " يجب بلقنة الشرق الاوسط".و منذ عام 1990 وبرنارد لويس ( يهودي ) يبشر بصدام الحضارات مؤكداً إنتصار القيم الامريكية،والطريق الى ذلك لبننة الشرق الاوسط لان دوله مجرد كيانات هشة ،سهلة التفكيك وقابلة للعودة الى ما قبل الدولة ـ العشيرة او القبيلة ـ.انها بنظر هذا العنصري المقيت دول حديثة ترفع اعلاماً عشائرية.فيما يرى صموئيل هنتنغتون ان دول الشرق الاوسط مصطنعة،و اذا ما ضعفت سلطة المركز،فسيضعف الشعور بالهوية الوطنية عند مواطنيها،وينعدم الولاء للدولة.اما الخطران اللذان يواجهان امريكا كما يدعي هنتنغتون :ـ النمو الاقتصادي الصيني والنمو السكاني عند المسلمين ـ اي فرط الانجاب ـ. اللافت ان هذين الخطرين كانا على راس برنامج ترامب الانتخابي وقد وعد بالتصدي للصين بالقول:ـ ( لا يمكننا السماح للصين باغتصاب بلادنا ولن ندعها تتلاعب بعُملتها لجعل صادراتها اكثر قدرة على المنافسة.الصين تقتل امريكا تجارياً ).

الاسوأ ما ينتظر العربان.فقد تعهد ترامب ايضاً :ـ ( ان امريكا لن تحمي حلفاءها مجاناً ). فهي ليست تكية للتنابلة وليست جمعية خيرية للعجزة وعلى الضعفاء ان يدفعوا " الاتاوة " للكابوي ذي الجزمة الطويلة،والبرنيطة المثيرة والحصان القوي،والمسدس الذي لا يخيب عند التصويب مضيفاً { على السعودية ان تدفع المال لإمريكا مقابل ما تحصل عليه امنياً وسياسياً من خدمات وخاصة حمايتها من ايران ولولا عباءة الحماية الامريكية لكانت السعودية غير موجودة }.

الرئيس الامريكي الارعن يتكلم بلغة البلطجي لا بلغة دولة عظمى. تجاوز الدبلوماسية المؤدبة ليرطن بلغة الكاوبوي الذي لم يدخل مدرسة بل قامت دولته على سرعة يده و براعته في اطلاق النار على محاوره او خصمه انتهى الهنود الحمر،وصاروا اقلية شبه منقرضة ثير الشفقة، وجاء دور عربان آخر زمان. فهل نكون الهنود السمر.نقول للمسؤوليين الذين حولوا الامة الى لاجئين ومشردين و متسوليين ....

والله انكم مسؤولون" وستسألون من لدن رب العالمين حين ينصب الميزان في اليوم الموعود،وملايين الامة المغلوبة على امرها ستكون عليكم شهود. .