صحيفة العرّاب

نون والقلم وما يسطرون …؟!

بقلم الاعلامي. بسام الياسين

 {{{ ليس العيب في القلم بل في حامله.كُثرُ همُ الذين رهنوا اقلامهم للدخول الى جنة السلطة.وعندما تم حرقهم ثم ركلهم،باتوا على الارصفة يندبون حظهم.لا هم مع ذواتهم ولا مع الناس.خانوا انفسهم وجعلوا من مبادئهم المكذوبة سلالم للوصول بطرق ملتوية،فكان وصولهم للكراسي المتقدمة خسارة الخسارة ،لهم وللناس كافة بسبب إخفاقاتهم الذريعة.هم خسروا الكتابة لانهم جعلوها ركوبة مدنسة للعبور الى مراميهم الشخصية،رغم انها ـ اي الكتابة من اعظم النشاطات الانسانية على الاطلاق،فلا علم ولا ادب و لا حضارة بلا كتابة .لم يفلحوا بالوظيفة لانهم طارئون عليها،حيث اكتشفوا بالتجربة الحسية،ان جهنم القلم خير الف مرة من جنة الحكومة الموهومة. في السياق ذاته يقول ميشيل فوكو الفيلسوف الفرنسي الاهم في القرن المنصرم :ـ ( كما ينبغي صنع ” قبقاب ” بشكل جيد،يجب الكتابة بشكل جيد…كتبي من صنف المفرقعات الصغيرة والقنابل المتفجرة ).الكتابة امر تافه ان لم تكن كذلك. تُرى ماذا نقول نحن بكُتاب المقاولة وكُتاب القطعة الذين سقطوا امامنا.هل نرثي حالهم ام نلعنهم ؟! . }}}.

*** ” نون والقلم وما يسطرون “… قف بعد هذه النون الطاهرة المطهرة الهابطة من اعلى عليين…النون النازلة من السماء السابعة التي ما بعدها نون،وما دونها دُون.إحنِ هامتك ، فانت في حضرة القلم.ان لم تفعل تكن كالذين رُفع عنهم القلم، بحاجة الى مصحة نفسية لترميم ما لحق بك من التواءات و اهتراءات.ارسل رؤيتك و رؤياك بين ما يسطرون من صدقٍ ناصع و افكٍ صريح…وتحسس صدقية القول بمجساتك القلبية،وقرون استشعار عقلك. كل ما عليك،ان تظل انتَ انتْ تتعايش مع الكتابة والرقابة،والقول الفصل ان تستفتي قلبك…بوصلتك…ان تمشي على حد السيف بلا تردد ولا خوف. مجدافاك الى الشاطيء الآمن قلب صلب ، ووعي متجدد. لا تخش ان تقاطعت امامك الآراء،تشوست الافكار،وتشابكت شبكة الطرق،و انت في طريقك الى هدفك،وتيقنت يقين مؤمن ان اللوحات الارشادية مضللة،ووالطرق محيرة تثير قلقك حتى وصلت الى حد، ان لا تجد احداً من الثقاة يسعفك،و رايت الناس مشغولين بالتوافه.عندها اسلم نفسك لله،واسلك سلوك الانقياء،وانهج نهج العارفين…ارم ما يشغل الناس خلف ظهرك واصرخ بملء فمك،ما تعلمته من سيدك و رسولك :ـ اللهم انت خلقتني و انت تهديني، فلا تتركني لنفسي طرفة عين و لا اقل من ذلك مهما دق وصغر.

لا تخف،فالخوف صناعة ذاتية،وحرفة الضعفاء…قيد وهم من نسج خيالك تقيد به ذاتك،تشل حركتك وتعتقل نفسك خلف قضبان اوهامك…بهذه اللعبة النفسية المَرَضية تسلب انت حريتك.اكسر خوفك،تتحطم قيودك الداخلية.عندها تجد ان العالم يفتح الابواب لك،فتشرق روحك بالمعرفة والعلم،يغمرك النور حتى في اشد ساعات العتمة التي تلفك،لان نورك الداخلي يبدد كل عتمة حتى لو انزلوك الى قاع بحر الظلمات.هناك تَذكر نبيك يونس عليه السلام الذي سمع الله استغاثته وهو يرزح تحت ضغط ظلمات ثلات،فاستجاب له و انقذه من الكرب العظيم… لا تصمت على حقك خوفا رزقك…ان كان ايمانك عميقاً وقوياً،فلن تحمل همَّه، ولا همَّ خبز اطفالك…انت لست سوى قتطرة يكرج فوقها الرغيف ليصل اليهم :ـ ” وفي السماء رزقكم وما توعدون ، فورب السماء انه لحق مثل مل انكم تنطقون “. آية يمر عليها الكثيرون من دون ان يتدبروها.تراهم يناطحون صخرة الحياة،ويستهلكون اعمارهم حتى يأتيهم الاجل المحتوم،وهم في غفلة عن معناها الاعجازي،فيما اعرابي قادم من قلب الصحراء التقطها فور سمعها،و صاح مُعقباً عليها ومُفسرا لها :ـ سبحان الله،من الذي اغضب الجليل حتى حلف.

العيب لم يكن يوماَ في القلم بل في حامله… في الكاتب العبد. اذا اردت الحقيقة،فامض الى هدفك على الصراط المستقيم .لا تكن مثل ذلك الديك الذي خاف ايقاظ الناس من سباتهم بعد وعيد وتهديد سيده بالذبح ان لم يصمت.اعتزل آذان الفجر، واحترف النقيق كالدجاج إذعاناً للأوامر العُرفية حتى يسلم بريشه،لكنه لم يسلم… عندما امره الحاكم ان يبيض كإناث الطير…ولما عجز قال قبل ذبحه قولته المشهورة :ـ ليتني ذُبحت و انا اصيح ….عقابيل الكتابة مشرفة اذاً،حتى لو كانت نتائجها تقطيع اوصالك على المفاصل…كما حدث للمبدع ابن المقفع حين حقد عليه والي البصرة،فكاد له ولفق تهمة فاسدة،ونسج له فرية مفبركة،فامر رجاله بتقطيع اطرافه عضواً عضوا ورميها في النار حتى هلك….بعد الواقعة قال لنا التاريخ :ـ ان الوالي القاتل ذهب الى مزبلة التاريخ،وبقيت مخطوطات ابن المقفع منارة ادبية،وتراثاً حياً تتناقله الاجيال ويستلهمه المبدعون.

الانسان السوي يملك طاقة خلاقة ودافعية عملاقة لخدمة ناسه ومجتمعه بشجاعة،فيما نقيضه المنحرف يحرف مجاري الانهار التي تشق الحقول الى مجاري تصب في بالوعات “السادة” لتطهيرها من قاذوراتهم المتراكمة لاجل تبييض سمعتهم.

لتكون الشخص الذي تريده فاول شروطه احترامه والثقة به والرغبة العارمة في السعي للكمال الانساني.فمن اعظم منك،وقد شرفك الله ان تكون خليفته على الارض.منحك الثقة واسلم اليك مفاتيح اعمارها ؟!. لتكون الذي يجب ان يكون.تمرن على الاعتكاف في غار الابجدية.اصغ لهمس ضميرك،وترانيم روحك.لا تلبث الا قليلا حتى تُسبح الحروف على شفاهك ندية طرية،و تنبجس ينابيع اللغة ماءً زلالاً من شقوق اصابعك.إذآك لا تغمد سيف كلماتك في جراب الصمت.لا تلقِ افكارك في بئر الخوف.اخرج على الناس شاهراً سيف صدقك،رافعاً راية حبك لوطنك.حَصّن حبك بالحذر من الكذابين والمنافقين.الكذابون يتناسلون كالأرانب،والمنافقون يتكاثرون كالجرذان.لا تغرنك قمصانهم المُنشاة،وربطاتهم المدلاة الزاهية الالون. بها يُقادون الى الزرائب.فاحرص على ان لا تخالطهم لانهم انجاس .اعلن غضبك عليهم،وبغضك لهم ثم العنهم سراً وعلانية على رؤوس الاشهاد .

هؤلاء مهرجون العصر…لا ينقصهم الا خيمة هندية يشرف عليها حواة محترفون…منصوبة في ساحة عامة…لباسهم سراويل مبرقعة،وجوههم مغطاة باقنعة زائفة،حركاتهم مدروسة لاضحاك العامة،بينما حقيقة امرهم الضحك على العامة.جُلّ همهم خلق جيل محبط ذليل من خلال العبث بالمخيال الشعبي بزرع نقائص الخضوع والخنوع في اذهان الناس كمسلمات بالامر الواقع،واعتماد قاعدة ليس بالامكان ابدع مما كان وما هو كائن.افكارهم سلبية مدمرة تلقي بسامعها في حفرة عميقة بلا قرار،ليعيش المسكين في حالة استنقاع لقتل روح العنفوان عنده…من هنا كان اخطر ما يهدد الوطن الانكسار الذاتي عند الافراد او ما يعرف بـ ـ الانكسار الوطني ـ.اللهم انا نبرأ اليك من هذه النفايات الثقافية التي تركت الاشتغال بعظائم الامور وعملت في سفاسفها. لهذا يجب ان تقرأ ما تيسر لك من صادق القول وحلو الكلام ، لتعرف كيف يفكرون،ولا تقرأ لتفكر كما يفكرون حتى لا تصاب بجرثومة الخنوع والخروج من دائرة التلقي الببغاوي الى ثقافة التحليل العلمي والاستقصاء البحثي، وطرح الاسئلة التي لا تنتهي للامساك بناصية الحقيقة.

اقرأ وربك الاكرم* الذي علم بالقلم. كلمات مستقطرة من نور الحكمة الالهية ، والتوجيه الرباني الحكيم للقاريء، حملها بريد الرب جبريل عليه السلام في رسالة مروسة بـ « سورة القلم » ومعنونة الى العربي الامي ، محمد بن عبدالله المتأمل في غار حراء، الحاملة في طياتها مفاتيح اعجاز الكلمة، و اسرارها المستغلقة ، ورموز اقفالها المشفرة ، بلغة بلاغية بليغة وعداً ووعيداً الى اعتى رؤوس الكفر الحامية في مكة المكرمة اصحاب الفصاحة والنسب.
*ن* والقلم وما يسطرون، اي تشريف لهذا القلم و حامله.و اي انعطافة فاصلة في تاريخ العرب تلك التي كانوا يعيشون ايامهم فيها بالاتجاه المعاكس لدورة الزمن…كانت الايام تتساقط من حياتهم كما تتساقط الاوراق الميتة من اغصانها…كانت جاهلية عمياء… التاريخ يعيد نفسه اليوم على شكل مهزلة…ما تقوم به بعض الانظمة العربية من تحطيب للغابات لاستخدامها في تصنيع الهروات لضرب شعوبها بدل استخدامها في صناعة الاقلام ساهم في تفاقم عوامل التعرية الثقافية ، اتساع التصحر العلمي ،وزيادة الجفاف المعرفي.

الشيخ المهيب جمال الدين الافغاني دفع ضريبة قلمه الجارح ، فهام على وجهه في الاقطار العربية،ولم يجد فيها من الامان مساحة مرقد عنزة حتى حط رحاله في غرفة ضيقة رطبة في باريس .تساءل حينذاك : ـ ” اليس هناك من ركن واحد في ديار الاسلام استطيع العيش فيه بمنجاة من الاستبداد ” ؟!.و في ساعات الشدة ووحشة الغربة كان يخاطب الحكام العرب :ـ لو لم تكونوا حولتم بلادنا الجميلة الى سجون قذرة لما احتجنا اللجوء الى الاوروبيين”. صرخة الافغاني ذاتها يكررها اللاجئون العرب في كل بقاع الدنيا هرباً من جحيم الانظمة العربية.

الافغاني قنديل نوراني ، اثار مخاوف الانظمة وقتذاك ، وفجر مشاعر الشعوب ، بحضوره الصاخب وروحه الثائرة في بسط الحقائق في مواجهة العتمة.فاصدر جريدة العروة الوثقى لكن الانجليز المستعمرين ضيقوا الابواب على انتشارها،وطاردوا من يقرأها خوفاً من آرآء الافغاني وقلم تلميذه محمد عبده…وليس غريباً ان يقول فيه الفيلسوف ارنست رينان بعد ان التقى به وحاوره آنذاك :ـ ” ارى في الافغاني واحداً من الرجال العظام الذين يعملون على تحرير الانسانية من اغلالها.و نقول اذا كانت موجات التتار والصليبيين والصهاينة و الامريكان هي اشد الكوارث التي حلت بالامة فانه لا يضاهيها الا فتح السجون لاهل الرأي الاخر ، واغتيال الاقلام النظيفة ، وترويض المعارضة الوطنية و تدجينها بكل الوسائل الخبيثة.

عبقري الكلمة والحكمة الشاعر عمر الخيام قال ذات غضبة نقاشية لاحد الوزراء بعد ان اتهمه بتعاطي الخمر والشعر وتخريب العقول : ” ان امثالي لا يجود الزمان بحفنة منهم في العصر الواحد في حين يمكن تبديل خمسة وزراء من امثالك في عام واحد”. لذلك سيبقى العرب ايتام العصر ، ومادة سخرية لرسامي الكاريكاتير طالما ظلوا يستبدلون قناديلهم المتوهجة بالضاربين على الطبول ، والناقرين على الدفوف، والنافخين بالمزامير. لإثبات ما نقول بالبرهان القاطع ما عليك الا ان تتنقل بالريموت بين الفضائيات العربية وتقرأ ما يكتبه غالبية الكُتاب حتى تُصاب بالدوار،هذا ان لم تشعر برغبة في الإقياء…..