صحيفة العرّاب

مختصون: المبالغة في ارتفاع نسبة نقص الـ"B12" لعبة شركات أدوية

لم تحسم أحدث دراسة وطنية حول نقص فيتامين (B12) بين الأردنيين الجدل الدائر في الأوساط الطبية الأردنية، حول النقص، لكن هذا الجدل يؤشر الى وجود إجماع بينهم على وجود مشكلة حقيقية، بينما يرى البعض أن أسباب ارتفاع الإصابات بالمرض غير معروفة، وسط وجود لبس حقيقي في تشخيص المرض.

 ففي الوقت الذي أكد فيه فريق من خبراء واختصاصيين بأمراض الدم والجهاز الهضمي على تزايد تسجيل إصابات جديدة بالمرض بين مرضاهم، كشفتها فحوص مخبرية، ذهب آخرون الى اعتبار ما يراه ذلك الفريق مبالغا به، مرجحين أن الأمر لا يعدو كونه "لعبة شركات أدوية وقلة أعداد المختبرات المتخصصة في الكشف عن نقص المرض بدقة في المملكة".
 
وأكدوا على أن أي خلل في علاج (B12)، قد يؤدي إلى أخطاء طبية قاتلة في ظل تشابه أعراضه مع أمراض سرطانية وأعصاب ودماغ.
 
ويشار إلى أن أحدث دراسة وطنية أعدها المركز الوطني للسكري والغدد الصم بالتعاون مع وزارة الصحة، ونشرت نتائجها قبل يومين الى أن مستوى نقص (B12) بين النساء الأردنيات اللواتي تزيد أعمارهن على 25 عاما تصل نسبته الى 2ر63 %، بينما بلغت النسبة بين الرجال 5ر65 %.
 
واعتبر الخبراء أن أسباب انتشار المرض في المملكة في الآونة الأخيرة "ما تزال مجهولة"، غير أنهم ربطوها بعوامل بيئية أو غذائية أو مائية أو وراثية، مستبعدين العوامل النفسية، بينما أعاد بعضهم مقولة إنها "لعبة شركات أدوية"، لكنهم قدروا أن معدلات الإصابة محليا بالمرض مرتفعة، مقارنة بدول مجاورة.
 
وطالبوا بإجراء أبحاث علمية دقيقة بالتعاون مع أكاديميين من جامعات وخبراء عالميين للوقوف على حجم المشكلة وتحديد أسباب المرض، ومراقبة أداء المختبرات الطبية التي يسير الطبيب في بروتوكوله العلاجي على نتائج فحوصاتها للمرض.
 
ورفض نقيب الاطباء الدكتور أحمد العرموطي ما يشاع بأن هناك ارتباطا حقيقيا بين ارتفاع الإصابات وسلوكيات يمارسها اطباء بالاتفاق مع شركات أدوية، موضحا الى "الغد" أن الطبيب يلجأ الى الفحوص المخبرية للكشف عن نقص (B12) إذا ظهرت أعراضه، حتى ولو تشابهت مع أعراض أخرى.
 
وشدد على ضرورة معرفة أسباب ارتفاع نسبة المرض، ولا سيما بين الفقراء الذين قد تعود إصابتهم به، الى اسباب غذائية، مؤكدا على أن "مصلحة المريض، تقتضي إجراء فحوصات له، وهذا واجب الطبيب".
 
ويعد (B12) من الفيتامينات المهمة والضرورية لتكوين خلايا الدم الحمراء، وللمحافظة على أنسجة الأعصاب، ويؤدي نقصه للإصابة بالأنيميا وهشاشة العظام وتلف دائم بالمخ والأعصاب، وفق اختصاصي أمراض الجهاز الهضمي الدكتور فايز صبيح.
 
وأشار صبيح إلى أن (B12) يساعد على تحويل الطعام إلى طاقة، ويحافظ على صحة كريات الدم الحمراء، ويقي من أمراض القلب ويقوي المناعة، مبينا أن الحليب ومنتجاته إلى جانب السمك واللحوم والدواجن، من أهم مصادره.
 
وتتمثل أعراض المرض في التعب والإرهاق العامين، والشعور بالدوار، واضطراب الذاكرة، وفقر الدم، والآلام العصبية الطرفية، والإمساك، والانتفاخ ووجود الغازات، وفقدان الشهية، ونقصان الوزن، وأحيانا حدوث نمنمة في الأطراف، واضطراب في التوازن، وشعور بالكآبة والارتباك، وحدوث قرح في الفم واللسان، وفق صبيح.
 
اختصاصي الجهاز الهضمي وتغذية الاطفال في مستشفى الجامعة الأردنية الدكتور محمد الرواشدة أكد على أن الأسباب الحقيقية وراء ارتفاع الإصابات بالمرض بين مراجعي عيادات الدم "غير معروفة"، موضحا أن الحكومة توفر علاجه للمؤمنين صحيا مجانا في المستشفيات والمراكز الحكومية.
 
وأشار الرواشدة الى وجود مبالغة في نتائج مختبرات طبية حول المرض، كونهم يسعون الى تحقيق ربح مالي، لافتا الى ان شركات الادوية المنتجة لإبر (B12) هي المستفيد الأول.
 
ودعا المواطنين الى الاهتمام بالأنماط الغذائية السليمة، فيما يخص تناول المواد الحيوانية ومشتقاتها، تفاديا لحدوث فقر دم ينجم عن سوء التغذية.
 
وتشير إحصائيات الوزارة إلى أن 42 % من السيدات الحوامل و32 % من النساء في سن الإنجاب و22 % من الأطفال دون 5 أعوام وحوالي 20 % من أطفال المدارس، مصابون بفقر الدم.
 
وتنفق الحكومة نحو 19 مليون دينار سنويا على علاج الأمراض الناتجة عن نقص الحديد وفقر الدم بحسب الإحصائيات الرسمية، وفق الرواشده الذي قال إن "عدم تناول المواطن اللحوم والدجاج والبيض والحليب والألبان بكميات كافية لمدة تتراوح من 3-5 أعوام، سيؤدي الى إصابته بنقص (B12)".
 
ويستمر علاج هذا المرض للأبد، بحسب الرواشدة، بهدف تعويض المريض بالأنزيم المحفز لامتصاص (B12) في الدم، ويتم علاجه عن طريق حقن خاصة تساعد على امتصاص المواد الغذائية في الدم مباشرة متجاوزة المعدة والأمعاء.
 
واضاف أن أحد أسباب الإصابة بالمرض يعود إلى فقدان المعدة أنزيم (خميرة) تساعد على امتصاص المواد الغذائية في الدم مرورا بالأمعاء الدقيقة، مؤضحا أن العلاج "يكون بمعدل إبرة (حقنة) شهريا، وحسب درجة مرض المصاب"
 
ويرى استشاري أمراض الأورام وأمراض الدم في مركز الحسين للسرطان الدكتور صلاح عباسي أن "هناك مبالغة نوعا ما في ارتفاع الإصابات"، لكنه لم "ينكر" وجود مشكلة لاحظها بين مرضاه المصابين بسرطان الرئة.
 
وقال عباسي إن "الاختصاصي يتمكن من كشف عدم دقة المختبر لارتباط (B12) بعناصر اخرى لها علاقة بكريات الدم الحمراء"، لافتا الى ضرورة اجراء فحص تأكيدي عقب ظهور النتائج المبدئية للتأكد من اصابة المريض بالمرض والسير في علاجه.
 
ومن الصعب القاء اللائمة على الاطباء، لأنهم يحددون علاجاتهم بناء على نتائج المختبرات وفق عباسي، الذي اشار الى ضرورة وضع آلية رقابية معينة على المختبرات لتلافي اخطاء طبية، قد تؤخر في علاج المرضى.
 
ويطالب اختصاصي أمراض الدماغ والأعصاب الدكتور إبراهيم آدم بضرورة إحداث تغيير جذري في سلوكيات الناس اليومية، مؤكدا على أن "عدم النوم مبكرا بعد صلاة العشاء مباشرة، يتسبب بأعراض مشابهة لنقص (B12)".
 
واعتبر آدم مكتشف مرض "هادني" عام 2002 الذي يصيب الدماغ ويؤدي الى العقم والترنح والخرف، ما يشاع من أن نصف الأردنيين مصابون بنقص (B12) "عاريا من الصحة"، لافتقار الأردن الى دراسات علمية محكمة منشورة في مجلات واسعة الانتشار تكشف عن "مدى انتشار نقص هذا الفيتامين في الجسم".
 
وأكد على أنها "لعبة شركات أدوية"، تسعى نحو تحقيق أرباح مالية على حساب صحة وجيب المواطن"، بالإضافة إلى "وجود لبس حقيقي في تشخيص الحالة المرضية بين نقص (B12) في الجسم وبين أمراض أخرى".
 
وبين آدم أن أطباء واختصاصيي أمراض دماغ وأعصاب في المملكة، أكدوا على أن "مرضاهم تعالجوا من المرض الا أنه لم يطرأ أي تحسن على صحتهم".
 
ويبلغ المعدل الطبيعي لـ(B12) في الجسم ما بين 150-250 في المنطقة، وفق آدم، في حين يصل بين الأوروبيين والأميركان الى 500.
 
إلى ذلك، اكتشف الطالب محمد الشاعر في الصف الثاني الثانوي إصابته بنقص فيتامين (B12) العام الماضي، بعدما كان يعتقد بأن إصابته بصداع وخمول شديدين، ناجمة عن إصابته بالتهاب الأذن الوسطى.
 
ويقول الشاعر (17 عاما) "لدي باستمرار رغبة في النوم وعزلة عن محيطي وفقدان لشهيتي، حتى إنني لا أركز في دراستي مما أثر على تحصيلي".
 
وبعد أن أجرى فحصا لقوة الدم، تبينت إصابته بالمرض، وبدأت رحلة علاجه، مسترشدا بنصائح طبيب في مستشفى خاص، وصف لها علاجا من 4 حقن شهريا يشتريها على نفقة والده (من جنسية غير أردنية) بسعر 130 قرشا لكل حقنة.
 
أما الطالبة أسيل عامر (15 عاما) فشعرت بتحسن ملحوظ عندما تعالجت من هذا المرض، بعد خضوعها لعلاج مكثف، لحظة اكتشاف إصابتها، بحيث قررت طبيبتها المعالجة في مستشفى الجامعة الأردنية إخضاعها لعلاج من 10 حقن على مدار 10 أيام.
 
ودعت عامر قريناتها إلى تناول اللحوم الحمراء والابتعاد عن الحمية غير المبررة أو غير المدروسة، حتى لا يصبن بسوء تغذية أو فقر دم، لافتة إلى أهمية مراجعة الطبيب مبكرا لمساعدته في العلاج.
 
ودعا الرواشدة المواطنين إلى ضرورة إجراء فحص سنوي لاختبار قوة الدم، ومراجعة الطبيب المختص إذا ظهرت أعراض المرض، بهدف تشخيصة مبكرا قبل البدء بالعلاج، لافتا الى أن أحد اسباب النقص وراثية - جينية، بالإضافة إلى الأسباب البيئية والغذائية.
 
ورغم أن الوزارة وفرت فحوص (B12) الاسبوع الماضي، الا أن مرضى طالبوا بتخفيض سعر فحص (B12) في المختبرات المركزية التابعة للوزارة من 6 دنانير الى 3 دنانير، لافتين الى أن سعر الفحص في المختبرات الخاصة يصل الى 8 دنانير.