صحيفة العرّاب

الكتابة بالشاكوش والحفر بالازميل !

بقلم الاعلامي . بسام الياسين

{{{ تتوالى في مصر تسريبات المكالمات التي تفضح خفايا الشخصيات النخبوية والحلقات الضيقة،كاشفة مدى الانهيار الذي وصل اليها الاعلام و درك الانحطاط في شراء الذمم ، ـ مثالاً لا حصراً ـ مكالمة عمرو موسى ـ مع احد كبار الصحافيين طالباً تجنيد كتيبة مرتزقة من اصحاب الاقلام المعروفة ، لدعم طروحاته، نشراً وتعليقاً وتحليلاً في صحف :ـ الاهرام،المصري اليوم ، الجمهورية "... الصحفي السمسار وصف مجموعته الضاربة بـ " الشواكيش " لقدرتها على ضرب ( الخصوم ) والدفاع عن ( الحبايب ) " إلي بدفعوا اكثر " بالقول :ـ " الناس دول المفروض يكونوا الشواكيش بتوعنا...شواكيشنا على الناس التانية....انا جايب لحضرتك مدير تحرير الجمهورية عبد الرزاق توفيق.و جايب برضه محمد عيسى مدير تحرير بوابة الاهرام...دول اهم حاجة في الصحافة...هُمّا الحنفية اللي بتنزل الشغل وتنشره... الطقم بتاعي مش عايزين حد يعرف انو هما بيشتغلوا معانا... عشان ما نحرقهم امام الناس ... انا يا فندم بعرف الصح...لانو عمري تلاتين سنه صحافة...هذا الساقط المأجور، رمى خلف ظهره قول الله تعالى " وما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد " ولم يأخذ بقول رسولنا عليه الصلاة والسلام " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقلْ خيراً او ليصمت }}}.

يا هذا...الكتابة ليست مسح جوخٍ لمسؤول مهما علا شأنه.و ليست طبطبة على قفاه لاستدرار عطفه ، لكن لا احد ينكر ان هناك " كتبة "،يطرشون زواياهم بالاسود، ليقبضون ثمنها بالابيض كي يدخرونها لإيامهم السوداء. يوم تدور عليهم الدوائر جراء ما اقترفت اقلامهم...سيرتهم السوداء لا يزدها السواد سواداً لانها تشبعت بالسواد. اغضبوا الله ، بالجهر في السوء،فحق عليهم اللعنة...فمن الانصاف ان ننصفهم ، بان كلامهم يفزع الاموات في القبور،فكيف يكون حال الاحياء ؟!. اذ ان مصالحهم الشخصية تعميهم عن صواب الرؤية،فتجعلهم ينظرون الى المواطن باعتباره قاصراً ، يحتاج من يفكر عنه لانه لم يبلغ رشده... لم يخطر في بال هؤلاء لحظة في اطعامه من جوع وتأمينه من خوف،وتقديم العون لعياله... صحة وتعليماً وعملاً لحفط كرامتهم ؟!،بل ران على قلوبهم،فإ نطبق عليهم القول... { اذا كانت الطباعُ طباعُ سوءٍ / فلا ادبُ يفيدُ ولا اديبُ }....كما يليق بوصفهم ما قالته العرب بامثالهم :ـ " لكل قبيلة مزبلة " وما تندّر به المصريون على شاكلتهم:ـ " لكل مطبخ صراصيره ".

فالصرصار بما يوحي به من قذارة ، يهدم اشهر مطاعم العالم سمعة .لذا من الظلم ان نخلد للصمت على إلاسفاف الاعلامي والعبث السياسي الذي يمارسه،هؤلاء الكُتاب المجبولون بالوحل. . مهمة هؤلاء الاساس، التضليل،التعمية ومحاولة بعث الحياة في الخراب. في وقت ، يتعامون عن القضايا العظمى،و يتحاشون ازاحة الستار عن ـ البلاوي ـ الناخرة في زوايا الدولة بل يعمدون على تظليلها بالسواد، كزجاج سيارات اولياء النعمة حتى لا يرى احد ما بداخلها.هم في هذه اللعبة التضليلية كلاعبي الاكروبات يشدون نظر النظارة عن الاحداث المفصلية، لتمرير القرارات المجحفة بحق الناس.فاستحق هؤلاء وسام مسيلمة الكذاب، من الدرجة الاولى ،لانهم تسّيدوا الكذب،و براعوا في التدليس...فالعطايا التي نالوها شلت بصيرتهم،والوظائف الدسمة الشكلية التي امتطوها اماتت ضمائرهم.فماذا ترتجي من ميت الضمير،مشلول البصيرة ؟!.

صنعوا المواطن الساخط و الارهابي المتطرف بقلب الحقائق والسكوت على المفاسد،كالفساد،التسلط،الاستبداد،غياب العدالة الاجتماعية التي غدت اصابع ديناميت لتفجير الاوطان. الكتابة دربة طويلة.مراكمة خبرة مديدة.قرآءة عميقة موصولة.احساس بوجع الناس،تماهِ مع نبض الشارع ،وليست صف حكي إنشائي بل انها اخطر المهن على الاطلاق.فكيف لمن يركب سيارة فارهة ان يشعر بمعاناة المواصلات ؟!. وكيف للذي لم يطرق بابه مؤجرُ ان يحس بظلم قانون الايجار ؟! .

وكيف لمن يحتسي الخمرة الثمينة ان يتذوق المياه العكرة ؟!.ناهيك ان الكاتب الاحترافي بحاجة الى فهم للتاريخ والجغرافيا.معرفة بعلم النفس والاجتماع.ثقافة في الفلسفة والسياسة والاقتصاد، فوق كل هذا يجب ان يكون على خلق ودين لضبط ميزان سلوكه وحروفه...ثم معايشة الاحداث اليومية وتلمس حاجات المواطن بعيداً عن المبالغة وتزييف الحقائق.فتاريخنا الذي نتبجح به على المديين القريب والبعيد مبالغ فيه لانه كُتب بحبر مغشوش. كُتاب الصدفة على راس اولوياتهم تلميع المسؤولين.مشكلتهم انهم لا يصدقون انفسهم ولا غيرهم يصدقهم .لهذا فانهم لم ولن يُحدثوا اثراً يذكر في حياتهم،او يتركوا بصمة بعد رحيلهم،او يقفوا موقفاً محترماُ، يحترمهم القراء لاجله.علاقتهم بالقاريء كعلاقة زوجين يعيشان في موت عاطفي وطلاق صامت،رغم انهما يتقاسمان مخدع واحد،فالهوة بينهما اوسع من حفرة الاغوار الانهدامية، من الاستحالة ردمها او بناء جسر معلق عليها للعبور فوقها...كتبة عاشوا نكرات رغم شهرتهم.فقراء رغم ضخامة ارصدتهم .فالاشرار تطّبق شهرتهم الآفاق لكن شهرتهم تدينهم...وتجار المخدرات اغنى الناس مالاً لكن مالهم وصمة عار في جبينهم...فالغنى لا يصب في مصلحة صاحبه ان لم يكن حلالاً.كذلك الشهرة تكون ادانة لا ميزة ان جاءت بطريقة ملتوية. قبل ايام استشارني ـ زميل تساقطت اسنانه في الكتابة،كنا قد عملنا منذ ازيد من عقد معاً.وكلنا يعرف ان جيبه اهم عنده من الحقيقة... اجبته ان المستشار مؤتمن فارجوك ان لا يضيق صدرك بما اقول...قال قل ما تشاء...قلت :ـ ان لم تستطع تُحويل كلمتك الى شمعة يهتدي بها الحائرون او تُفجّر قضية عادلة كي تصبح راي عام يتداولها الناس. انصحك ـ لوجه الله ـ ان تُقلع عن الكتابة رأفة بالقراء ، وحفظاً لماء وجهك،فالمنفعة والكلمة لا يجتمعان في مقالة محترمة. قال بعصبية :ـ ماذا افعل اذا لم اسكب ما يعتلج في داخلي على الورق ؟!.

قلت :ـ عليك امتهان مهنة تليق بك،تتلاءم مع موهبتك ، وتناسب تركيبتك النفسية.مهنة تنفع بها مجتمعك. قال ملهوفاً وماذا تقترح ؟!.

قلت صادقا وناصحاً :ـ اقترح عليك فتح ورشة حدادة او العمل في كَسارة.هذه الاعمال الشاقة تُفرّغ إنفعالاتك السلبية و يأمن الناس ضجيجك.حقيقة ان الطرق بالشاكوش يخفف من معاناتك اكثر من القلم و اصبع الديناميت حين تدسه في شق صخرة ثم تعطيه ـ ولعة ـ سيُشفي غليلك.عندما تسمع دويه وترى تطاير الصخور امامك. ارعد و ازبد ثم اخذ إزميلاً وشاكوشاً وراح يكتب مقالته نكاية بي وعناداً بالناس،ليخط بها مقالات عويصة ليس فيها خميرة، تماماً كالذي يخبز على نار مطفىأة ، فيطعم الناس عجيناً نيئاً. " فرقعات كتابية " مستفزة مثل من يطلق البارود في صالة افراح او يغلق شارعاً للدبكة احتفالاً بنجاح ابنه في التوجيهي بعد رسوب عدة سنوات...ناهيك ان لغته مؤذية لمن يقرأها وخادشة للحياء الوطني ولولا حصوله على " حصانة " لتم القبض عليه من بوليس الآداب بتهمة ( .....).

وفي احسن احواله،هو اشبه بمن يسمع اغنية لـ " شعبولا " اثناء تشييع جنازة. حرية التعبير تتصدر دساتير العالم المتقدم الذي يحترم ذاته و صدقية الكاتب اهم شروطه، فَلِمَ "يتبعر" كلماته ان كان يحترم ذاته ولماذا يكون ممسحة زفر.المعادلة باختصار اما ان يكون الكاتب في خندق الشعب او في صالونات النميمة النخبوية ومكاتب الحلقة الضيقة ليتلقى من هناك التوجيهات والذخيرة لشن حرب على المسحوقين من ابناء وطنه.بهذا يكون غادر بالمطلق موقع القداسة الى موقع النجاسة. فالكتابة لها قدسيتها ولم يطلق عبثاً ـ صاحبة الجلالة ـ على الصحافة . كان الرئيس الامريكي كندي يقول :ـ 90 % من معلوماتي استقيها من الصحافة الموثوقة ، لانها تنقل نبض الشارع و الـ 10 % الباقية من الاجهزة الاستخبارية. عميدة الصحافة الامريكية هيلين توماس ذات الجذور العربية اللبنانية،ضربت المثل الاعلى في المواجهة،حين سألت الرئيس بوش في عقر داره ـ البيت الابيض ـ :ـ اما آن لاسرائيل ان تتوقف عن احتلال فلسطين ؟! .

سؤال لم يجرؤ زعيم عربي على مجرد الهمس به منذ ان نشأت اسرائيل...ثم تحديها اللوبي الصهيوني النافذ في الولايات المتحدة الامريكية و منظمة ايباك الصهيونية ساعة لطمت حاخام امريكي / يهودي بسؤال مباغت امام الشعب الامريكي :ـ متى سترحلون عن فلسطين الى بلادكم بولندا وتتركونها لاهلها الاصليين... صحيح انها، دفعت الثمن غالياً لكنها ارضت ضميرها...فهناك من يدفع عمره لاجل كلمه،وهناك من يبع نفسه بوجبه .هنا يكمن الفرق بين من ينهل فكره ويملأ قلمه من بئر طاهرة نقية كماء زمزم ، ومن ينضح قلمه من مبولة. خلاصة الخلاصة، ان الكتابة ليست مناداة في حسبة خضار على الفجل و البطاطا بالمفرق والجملة . إنما هي من اعظم النشاطات الانسانية اطلاقاً ، و اخطرها اثراً وتأثيراً ...اذ ان كلفة الكلمة على صاحبها سواء كان كاتباً او داعية،عالية جداً ، ولا ادل على ذلك ان رسولنا وسيدنا و قدوتنا، جعلها على راس درجات الجهاد على عظمته وهو الصادق المصدوق :ـ ان اعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر }}}.