صحيفة العرّاب

فوارق طبقية و احلام مغدورة !

 بقلم الاعلامي .. بسام الياسين

{{{ هي المرأة منذورة للأنياب الحادة،،لمخالب الذئاب القاطعة،لعذابات القبر على الشبهة.29 جريمة قتل اقترفت العام الماضي،ونحن نحتفل بعيد المرأة الذي صادف في 8/3/2017.الانكى تلك الجرائم الصامتة التي تتعرض لها المرأة على مدار يومها تحت مسميات مختلفة التحرش،زواج السترة،زواج الصفقة التجارية،سلب حقوقها المشروعة،الحرمان من الميراث،النظرة الدونية حتى لو اصبحت قاضية او قائدة طائرة،فإلى متى ستبقى ضلعاً مكسوراً و راية منكسة ؟! }}}.

بعد يمين ثلاثي بالطلاق لا رجعة فيه لام العيال، جرجرني صديق،الى احد مطاعم عمان الغربية على مضض،لتناول وجبة عشاء رغم انفي. منذ ان وطأت قدماي العتبة، احسست بغربة خانقة و بإنقباض في صدري بلغ حدود الكآبة.

الناس هناك مختلفون او انني اسبغت عليهم قشرة مغايرة لاختلاف البيئة والحاضنة.فانا بطبيعتي اميل للبساطة،احتقر التكلف والمتكلفين،ازدري البهرجة الكاذبة . احب العيش على الفطرة للوصول الى السعادة واعشق البياض الداخلي للانسان، الابيض من نُدف الثلج وزهر اللوز.فقدان الصدقية وما اصاب المجتمع من لوثة عقلية،وخلل نفسي ضرب الغالبية،ارغم الكثيرين ـ انا واحد منهم ـ مُكرهين للانطواء على الذات. في مثل هذه الفوضى المدمرة،لا عزاء لمن ينشد السلام الداخلي الا التوجه للسماء،ففي التعبد الخالص لوجه الله،صفاء نفس،نقاء روح.

فعندما تهطل الانوار الآلهية، يشعر العابد ان حب الله يجمع نعيم الدنيا وجنة الآخرة.لذة لا يعرفها الا المخلصون من خاصة الله الخاصة. الفيلسوف الزاهد "زينون " معلم المدرسة الرواقية،وكان فقيراً لا يملك الا قوت يومه و إزآره ركل الدنيا،وحين قالوا له ذات اشراقة له :ـ " إن الامبرطور يبغضك... فقال متهكماً :ـ وكيف يحب الامبراطور من هو اغنى وانقى منه ؟! ".

للتخفيف من آثار ورطة الدعوة،عملت بنصيحة علماء النفس وتعليمات اليوغا.سحبت عدة انفاس عميقة ثم مارست تمرين استرخاء،كنت تدربت عليه باشراف "غورو" هندي في دورة جماعية في الرياض، اثناء عملي في السعودية،لمواجهة المشاعر السلبية المفاجئة و طردها .زيادة في الحيطة،بسملت ثم حوقلت وقرأت ما تيسر لي من آيات السكينة لإزالة بقايا ما علق بي من توتر ، واحسب نفسي ولا ازكيها على ربي انني :ـ " من الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله الا بذكر الله تطمئن القلوب ".{ فالذكر امن و امان يربط النفس بمنبعها،ويرد الصنعة الى خالقها }."ناهيك ان الذكر يمنح الذاكر الطمأنينية التي تعجز عنها الادوية،و يقف الضالعون في خفايا وخبايا الذات البشرية مكتوفي الايدي امامها.و لا اكشف سراً ان الذكر ، مفتاحي السحري به افتح الاقفال المغلقة واستعين به على قضاء حوائجي بعد الاخذ بالاسباب كلها. ـ يا سبحان الله ـ ما هي الا دقائق معدودات، حتى هدأت اعصابي رغم الاجواء المفبركة من إضاءة ملونة وموسيقى غربية، لان طينتي مختلفة ،لا تنتمي الى تلك المطينة. كعادتي،اخذت اتفرس الوجوه،لعلني اسبر اغوارها الغائرة في البعيد،ونوازعها الدفينة في اعماقها السحيقة....فما نفع العيون المبصرة اذا كان صاحبها اعمى البصيرة لا يتقن التحليل وفن الفكفكة والتركيب ؟!. اخذت الآحق بنظرات خاطفة الوجبات التي تفيض بالدسم،المدعومة باطباق الحلويات والمسنودة بالعصائر الطازجة.فالانسان حسب رأي علماء التغذية "هو ما يأكل"...بعضهم يأكل كالدابة ثم ينام بعد الوجبة كشهيد التخمة وبعضهم يُنقّر طعامه كعصفور،فتراه خفيفاً رشيقاً مُحلقاً على الدوام. . هالني منظر النعمة الفائضة عن الحاجة،وبقايا الطعام الملقى في سلال المهملات،لدرجة انني تشككت بوجود فقر في بلدي.تساءلت:ـ هل المتسولون نصابون والمحتاجون ممثلون،اولئك الذين تفيض بهم شوارعنا ام ان الشحدة عندهم هواية ؟!.وقعت في حيرة، حتى لاحت مني التفاتة،تسمرت نظراتي عندها !. شابة في مقتبل العشرين، كأنها فلقة القمر،تُدير الرؤوس،تستهوي القلوب،في وقع خطواتها رنة الحوريات،وجاذبية تفوق جاذبية تفاحة نيوتن المذهلة التي قلبت العلوم المغلوطة قبلها. سقطت الفتاة على المكان كلمح البرق، خطفت الابصار،لوت الاعناق.استفزت الرجال.على الطاولة المحاذية لي، لكز شاب صديقه الذي يعبث بهاتفه :ـ إتطلع قدامك يا بني آدم،ثم اطلق لطاقاتك الخلاقة الخيال،وارسمها كما تشاء...امرأة لها طعم عسل الملكات...لا مثيل لها في الاحلام....ـ سبحانك،ما اجملك يا الله ـ سرك في احلى خلقك. انثى من قشطة. لفتت انظار النساء...الصبايا منهن والمسنات على السواء.منذ ان دخلت القاعة تعلقت بها العيون،لتتملى سحر مفاتنها،تقرأ تفاصيلها المثيرة،تقيس مقاساتها كمصمم ازياء،ينوي المشاركة في مهرجان عالمي.صبية هيفاء القامة،دقيقة الخصر،ضامرة البطن.شعرها طويل فاحم السواد،منسدل على ظهرها ضفائر حتى تكاد يلامس خصرها.

عيون النسوة تخرج من محاجرها،تود لو تخمشها باظافر الغيرة والحسد.أمرأة عيار 24 قيراط. لا شيء يعيبها تصلح نجمة سينمائية او عارضة ازياء.اناقة،احتشام في ملابسها،وذوق عالٍ في اختيار الوانها.نقطة ضعفها،خطواتها المرتبكة لعله الخجل او انها المرة الاولى التي ترتاد مثل هذه الامكنة. خشيت عليها ان تتعثر لشدة خفرها.تخميناتي الاولية انها عروس في مقتبل شهر العسل او ربما طارئة على المكان مثلي. نفسي حدثني بوجوب فك اسرار هذه الساحرة الصغيرة التي رفعت الطاقة الايجابية للمكان، دون ان تنبس بكلمة او تعير احداً انتباه.

الصدمة كانت في الرجل الذي يتأبط ذراعها. رجل بعمر والدها.لم يبق من شعر راسه إلا سالفان وقليل من شعر اشيب يغطي نافوخه. في المفهوم الشعبي، ـ الرجل لا يعيبه عيب طالما جيوبه مليئة ـ ،ولا اعتراض على خلق الله،لكن التباين يظهر جلياً اذا جمعت الرجل والمرأة صورة واحدة وضمهما اطار واحد.الرجل مربوع القامة،مكتنز البنية.اثداؤه تتدلى كاثداء بقرة مُسنة لا تصلح للحرث او الحلب.ارداف ضخمة،وكرش يسبقه بنصف متر.كل ما فيه يهتز مثل طنبر كاز على طريق ترابية.

قارنت بينه وبين اسماك التونة الضخمة لحظة انتشالها من الماء، و رميها وهي "تفرفط " على ظهر المركب الخشبي،وذكرتني بمشية حيوان الفقمة على اليابسة.لحسن حظي اختار طاولة قبالتي، مما ساعدني على قرآءة تفاصيل التفاصيل لهذه العلاقة المركبة بين عجوز ومراهقة.الكارثة اللامتوقعة عندما بدأ يأكل، احسست ان بعيراً له معدة احتياطية بدأ يجتر امامي.زجرت نفسي،وقلت دعه وشأنه :ـ لله في خلقة شؤون وهذا ليس شأني.تركته لشأنه يزدرد طعامه. اسئلة ظلت تطن في اذني كنحلة مقصوصة الاجنحة:ـ كيف تلتف السعادة على الخيبة ؟!.

يجتمع الجمال بالبشاعة ؟!.

تلتقي النعومة بالخشونة ؟!.

كيف تأنس ذوات الايدي الناعمة الى ذوي الاظلاف الحادة ؟!.

استحضرت روح الخليل بن احمد ليصحح القصيدة المغلوطة ...شطر البيت الاول مغاير لعجزه وزناً،و لغةً وموسيقى. اين سيبويه ليعيد تشكيل الجملة المفضوحة؟!.

لولا خواتم الاصابع وتأبط الاذرع التي تشي بشرعية العلاقة،لكانت المقاربة ضرباً من الاستحالة بين رجل دميم عجوز، وفتاة صارخة الجمال في عنفوان شبابها ؟!.

هل هي خطيئة الفقر وسطوة المال ؟!.

هل هي جريمة كاملة لمجرم ذكي محترف،اقتنص فتاة، ولم يترك وراءه اثراُ ولا بصمة ؟!. هل هو زواج صفقة تجارية ام اتجار بالبشر ؟!.

هل هي جاهلية القرن الواحد و العشرين ببيع الإماء والجواري في سوق النخاسة العربي باسلوب حداثي ؟!.

هل هو زواج سترة ام زواج انتحاري،فيه العنوسة اشرف منه الف مرة ؟!.

هل هي فدائية من الفتاة لإنقاذ اسرة من فقر ضارِ لا يرحم ؟!. عشرات الاسئلة لكن لا جواب شاف الحقيقة في بطن الفتاة وظهر العجوز المتصابي. سحبني خيالي الى عوالم بعيدة،ككل مُبتلى بمهنة الكتابة الجادة،وراح سؤال مركزي يتفجر في داخلي كسيارة ملغومة،يأز في اذني تارة ويعصف في كياني تارة اخرى :ـ هل العلاقة القائمة بينهما شرعية رغم " الورقة الرسمية " وشهود الزور ؟!. هل هو زواج متعة ام .... ؟!.

و الا ما معنى ان تكون طفلة صغيرة في احضان رجل يحمل صيدلية في جيوبه، لإمداده بأدوية الضغط ،السكري،المفاصل ،المقويات كي تبث الحياة في عروقه اليابسة، تحرك الميت من اعضائه،ترفع نسبة هرموناته الناضبة ؟!.

اقول دون الدخول في ملعب الفقهاء و ارباب الفتوى :ـ انها جريمة اجتماعية.جريمة تزداد بشاعة، حين يجن الليل،وتُسدّل الستائر،وتُعلق ملابس الستر على شماعة مخدع الزوجية،فتنكشف المفارقة بين سنونوة و عاصفة.آنذاك تنفضح عورة المجتمع باكلمة