صحيفة العرّاب

من يقطع رأس الفتنة ؟

بقلم  الاعلامي .. بسام الياسين

 {{{ ميكيافلي، الفيلسوف العظيم والسياسي الداهية،كان شديد الاسى لسياسة بلاده المأخوذة بنسخ التماثيل القديمة،بينما تتجاهل نسخ الشخصيات الحية التي قدمت لإيطاليا اعمالاً جليلة.كذلك انا، امقت بشدة حكوماتنا المتعاقبة، المأخوذه بتدوير الشخصيات منتهية الصلاحية من حملة شهادات المعلولية الذين يعملون عكس عقارب الساعة في زمن تقدم الهائل للعلوم التكنولوجية.وجه الغرابة عندنا، تكريم الفاسدين بوظائف اكثر دسامة من وظائفهم السابقة لإشباع جشعهم،و إختراع وظائف للورثة من ـ ابناء طبقة الكريما الرخوة / المائعة ـ دون المرور بديوان الخدمة المدنية.فيا الله،إن رهبة العبد بالله،قدر علمه بالله.فلا تؤاخذنا عما فعل السفهاء منا،لانهم اطلقوا النار على رأس الإصلاح وكفنّوا بالاسود العدالة }}}.

الوزيران المحاربان المومني و الصفدي، توعدا من يقترب من الحمى الاردني، بلغة مزلزلة تزلزل الارض تحت اقدام الاعداء،وتقلب الجبال الراسيات على رؤوسهم ان تقدموا نحونا خطوة واحدة.الاول قال :ـ كل من يقترب من حدودنا مصيره القتل،بينما قال الثاني :ـ لا نريد منظمات ارهابية ، ولا مليشيات مذهبية على حدودنا.الحق انهما يستحقان نحت تمثالين لهما على هذه الصرامة والثقة العالية بمن يحاول العبث بامننا،رغم انني مأخوذ بإستنساخ نماذج حية من الرعيل الاول ـ الاباء المؤسسون ـ، اكثر من نحت تماثيل تزرع على الدواوير.سعادتنا تكون اكبر لو ان الزعبي وزير داخليتنا توعد هو الآخر بانزال عقوبة الاعدام، بكل قاتل يسعى تقويض قلعتنا الاردنية من الداخل،

سجلت الاسطورة الاردنية في دفتر الصمود،ان زنار النار الذي يطوق مملكتنا من جهاتها الاربع لم يَفلَّ من عضدها،وان لعبة حصان طروادة لم تنطلِ علينا ولم تفلح في ادخال مخرب واحد الى بلادنا المحمية بعين الله وسواعد قواتنا العسكرية و الامنية.

ما يهددنا الاسلحة الفالتة،ونيرانها الهوجاء التي تقتل الابرياء،وتُشعل العداء بين مكونات العائلة الواحدة،وتدمر الوحدة الوطنية.نيران تحرق البيوت والمحلات التجارية والسيارات، مدفوعة بلهيب الثأر.جرائم قتل مجنونة لا مسؤولة تقترف لاسباب تافهة، ذات اكلاف عالية على خزينة الدولة، المواطن،الاجهزة الامنية.

ارعن يضغط زناد سلاحه على رأس خصمه. يشل بلدة كاملة،يفتح جروح نازفة لا تندمل،يرهق الاجهزة الامنية لاسابيع طويلة.القاتل في السجن والخصمه في القبر.يتامى ومشردون من العائلتين.اقارب مصيرهم جلوة من مساقط راسهم ومراكز رزقهم و اماكن الى الشتات بلا ذنب اقترفوه بل انهم لا يقرون فعلة قريبهم القاتل،وغالباص ما يكون من توافه الامور .لا ندري ان كان القاتل يدري انه يطلق النار على انجازاتنا الوطنية،وانه بجريمته المشينة يلوي عنق مسيرتنا المتجهة لبناء دولة عصرية،للعودة الى عصر جاهلية متخلفة،ويدمر كل ما هو مقدس عندنا،ويثبت لنا انه فوق القانون،وقانونه الشخصي مسدسه على طريقة الكابوي الامريكي،ويرى ما دونه ـ الانسان الآخر هندياً احمر ـ لا يساوي فشكة في جرابه.

بعد سلسلة الجرائم التي هزت السماء لبشاعتها و تفاهتة دوافعها نقول :ـ ما جدوى الكتابة لمن بهم عمى ؟!. وما جدوى الخطابة في قاعة كل المسؤولين فيها مصابون بالصمم ؟!. بمكاشفة كاشفة مع الذات ومصارحة مع الناس كافة، اننا في الالفية الثالثة ندور عكس عقارب الساعة،نفكر بما يخالف اتجاه المنطق.نعيش في فوضى عارمة. شريحة واسعة تعيش بين ظهرانينا ما زالت ترفع شعار ” دق الخشوم للخصوم بايديها”،ما زال عندها نزعة إمتلاك ما تقع يدها علية لتوسيع نفوذها، وانها سلطة داخل السلطة بدافع تفوق كاذب لا يستند الى سند قانوني،علم منطق.فقط التميز بحمل السلاح للتميز على الاخرين بإستخدام القوة خارج سلطة الدولة.بمعنى الشغف في الغرائزي وانتصاره على الاخلاقي،الديني،الروحي،القيمي . هي نزعة الفارس البطل الموروثة من العصر الجاهلي.عنترة الذي لا يشق غبار لحصانه،تتطاير الرؤوس تحت ضربات سيفه،والموت لمن يدوس على طرفه او يعترض طريقه.والويل لمن “يربط حصانه” في موقف حصانه.

ضيّع العرب خيرة شبابهم قتلاً في حروب بينية.استنزفوا اموالهم لقتل بني جلدتهم.شيّدوا جدران الفرقة لعصبيات فارغة و اسباب مخجلة. الاسوأ انه لم يقدموا للبشرية منذ عقود ما يستحق ذكره،اللهم الا اللاجئين بسبب حروبهم الاهلية.ما يستدعي القهقهة في هذه العجالة، ان فارس العرب الصنديد عنترة ذاته، قضى نحبه بسهم مسموم في معركة داحس والغبراء التي وقعت بين قبيلتي عبس و ذيبان ودامت عقود دويلة،ثم جاءت حرب الفجار بين كنانة و قيس الذي استحل واباح المقاتلون فيها كل محرم، تلتها حرب بُعاث بين الاوس والخزرج التي دامت (140) سنة وحرب البسوس بين تغلب و شيبان و استمرت اربعين عاما من اجل ناقة.وهاهم العربان منشغلون بقتل بعضهم بعضاً بالوكالة وتدمير مدنهم بالمقاولةلا بالقطعة.

الفريد ادلر العالم النفسي الشهير الذي لا يقل اهمية عن فرويد ويونج قال في نظريته عن السيطرة :ـ ان اهم غريزة في الانسان هي حب التعالي وتأكيد الذات.هذا التأكيد والتعالي ياتي من القوة،الشهرة،المال،التفوق العلمي.ومتى تهددت هذه الرغبة و لم ترتو النفس منها،يشعر الفرد بالنقص،يدفعه نقصه الى السيطرة والعلو باللجوء لكافة الوسائل الملتوية والسلوك الشاذ لإرجاع الشعور باهمية ذاته.ابرز الامثلة في التاريخ على ذلك، الفيلسوف الالماني ” نيتشه ” صاحب نظرية السوبر مان الذي شغل الدنيا بانسانه المتفوق،وان الحضارات القديمة قامت على العنف وتبنت النازية افكاره بذبح الآخرين،لانهم اقل شأنأ ومنزلة من الجنس الآري للسيطرة على العالم.المضحك ان علم النفس يؤكد ان نيتشة كان نفسه مصاباً بالنقص،فاشبعها بنظرية العلو والغطرسة.”من يقرأ سيرة الفيلسوف يدرك ان دعوته للعنف والسيطرة جاءت تعويضية لشخصيته المريضة المزرية”.

علم نفس الشائعة يُخبرنا بجلاء ان ما يزيد الشائعة انتشاراً الغموض الذي يلفها،والتعتيم عليها،والكذب لإخفاء معالمها،وعدم شفافية الحكومة في عرض الحقيقة كاملة،وضعف ثقة الناس بالناطق الرسمي باسمها. فدائرة الجريمة تزداد اتساعاً،والعنف سيد الشارع.ما يعنينا ان جرائم القتل اصبحت ظاهرة،وليست حالة عرضية او فردية،ما يزيد شيوع حالة الخوف لدى الكافة.فالموت يتربص في المواطن عند كل زاوية ،امام عتبة بيته،داخل مخدع نومه. عينة عشوائية من عناوين الصحف تؤكد ما نقوله :ـ “قتل سبعيني وخادمته بعمان”.”زوج يقتل زوجته طعناُ في مادبا” .” في الرمثا قتل زوجته وابنته والثالثة في حالة حرجة”.”مقتل مسن وزوجته داخل منزلهما في اربد”. ” وفاة وعدة اصابات في مشاجرة مسلحة في مخيم الحسين “.هذه العينة تضعنا عراة امام انفسنا،في مواجهة مع النفس البشرية حينما تفلت من آدميتها وتنقلب الى متوحشة،.من هنا علينا فضح واقعنا لإصلاحة لا .فان لم نتداركه،ستسود شريعة الغاب و ستنهار البلاد.

لنعترف بلا كذب او مواربة :ـ اننا في حرب داخلية غير معلنة.حرب تُستعمل فيه كل الاسلحة :ـ القناوي،الاسلحة البيضاء، الاسلحة النارية.مشاجرة بين طفلين على لعبة رخيصة تنقلب الى مجزرة، ملاسنة تتحول الى معركة.الاخطر اننا شعب مسلح حتى خشمه،ما ان تندلع مشاجرة حتى تنبع الاسلحة. ما من بيت يخلو من سلاح.لا سيارة الا و بها قنوة او سيفا.ما من شاب و الا يحمل في جيبه مشرطاً او سكيناً حتى يقال ان بعض الفتيات مسلحات. قد يعترض معترض ان هذه مبالغة.هنا نتسآءل هل هذه المشاجرات المسلحة ” زفة ” عريس الى حضن عروسته ؟! ام مهرجانات بحصولنا على جائزة نوبل في الآداب العامة ؟.الحق الحق اننا نجلس على بركان قابل للانفجار في اية لحظة،طالما هناك ساديون قتلة يتلذذون بالآم الآخرين ،وهناك عدائيون يحملون افكاراً معادية و ميولاً انتقامية ضد مجتمعهم،وهناك من يختبئون خلف جدران الكراهية،وينامون على وسائد الحقد.

نحن اليوم في محنة،تناحر يومي،تقاتل دوري،في جهنم مستعرة.وقودها احلى شبابنا دفعوا حياتهم ثمن نزوة إنفعالية،نفخة استعلاء كاذبة،جنون عظمة،عنجهية فارغة. فمتى تتوقف طاحونة الموت الدموية في شوارعنا ؟!.هل نحن في المملكة الاردنية الهاشمية دولة الامن و الامان ام اننا في شوارع صقليا ام عشوائيات ريودي جانيروا البرازيلية حيث القتل اسهل من الحلاقة ؟. هذه الجرائم تفتح علينا باب الاسئلة على مصاريعها :ـ ماذا استفدنا من مناهج التربية والتعليم في مدارسنا ؟! ماذا قدمت لنا جامعاتنا غير كرتونة تعلق على جدراننا المنزلية ؟!.ما جدوى خطب الجمعة والدروس الدينية التي تدعو للرحمة والتسامح و الرافة حتى مع الحيوان ام ان العبادة مجرد ارخاء اللحية وتقصير الثوب و الجُبة ؟!.بامانة لقد افلسنا اخلاقياً.

في ظل هذه المآسي لا بد من صرخة حق مدوية، بعد ان فشلت الحواضن الاسروية والمدرسية والجامعية التي تدفع الى الشوارع الآف الشباب من دون حصانة اخلاقية او تربية وطنية وعدم تأثير الزواجر والنواهي الدينية. لذا بات واجب الوجوب الاخذ بقاعدة :ـ { ان الله يزع ” يمنع ” بالسلطان ما لا يزع بالقران } لوقف الجرائم المتسلسلة .وإنزال عقوبة القتل بالقاتل العمد حتى يأمن المواطن على ماله وعرضه ونفسه. ” ولكم في القصاص حياة يا اولي الالباب “.فالقصاص الزاجر يمنع السفيه والجاهل من ازهاق الارواح البريئة.

للخلاص من حالتنا المزرية والتحرر من سلبياتنا السلبية، نرى كما يرى الخيرون اننا احوج ما نكون الى حكومة وطنية ذات ولاية كاملة من الشرفاء الوطنيين،ذوي الكفاءة والنزاهة برئاسة شخصية اردنية ذات هيبة وهالة،مشهود لها بالطهارة، وتحظى باجماع جماهيري تقوم إبتداءً بسحب الاسلحة وتطبق القانون بقوة القانون كي تعيد هيبة الدولة لسابق عهدها،ولن تحظى بشعبية ولا هيبة ما لم تعد الاموال المنهوبة،اراضي خزينة الدولة،ضبط الاموال النازفة من تحت الطاولة.ان لم يُصار ذلك بحذافيره،فالوطن سيتحول الى وجبة شهية في عيون النخبة المتربصة بما بقى