صحيفة العرّاب

لعبة الانتخابية .. بلدية ولا مركزية

بقلم الاعلامي ..بسام الياسين

ا لانتخابات البلدية كانت ام اللا مركزية لعبة ماراثونية في السباق الى النفاق.وعودٌ يصرفها المرشحون على حساب صندوق الفرز بعد الفوز، يعجز عنها مخيال متعاطي حبوب الهلوسة وميزانية الولايات المتحدة. قبلات على مدار الساعة بلا مناسبة ، ـ وطلاق بالثلاث من ام العيال الغالية :ـ انهم " بتاع " افعال لا اقوال . ـ متلازمة ـ من باب لزوم ما لا يلزم للمرشحين في جولاتهم الانتخابية، تعرف في علم النفس السوقي بـ " متلازمة ذم المتنافسين بعضهم بعضا ـ .افتتاحية تقع في رأس برنامجهم،واستهلال تُستهل بها جلساتهم، تصل غالباً اقصى حدود السادية في الانحطاط اللغوي ،ضمن معزوفة مرفوقة بمواويل التحقير واختراق تفاصيل التفاصيل لخصوصيات الآخر كالتسلل لماضيه البعيد من اجل كشف المخبوء من طفولته "الملتوية" حتى شيخوخته "المنحرفة"،وما بين الزمنين من سقطات ساقطة. احد فصولها نشر الملابس الداخلية على الاسطح العالية كي يراها ـ اهل الحي ـ فرادى ومجتمعين،لتكون حديث الليالي المقمرة في قابل الايام .لا محرمات في الانتخابات.كل الاسلحة مباحة من التطهير العرقي الى الارض المحروقة...محرقة مشتعلة وقودها ـ من ليس معي عدوي . دمه مباح وحرقه حلال ـ .الاستباحة وصلت الى نبش القبور، ونزع الاكفان عن عورات الاموات من الاباء و الاجداد لتعريتهم ومحاكمتهم من جديد في محاكم تفتيش عصرية، بعد ان تجيفت اجسادهم، للحط من سمعة عوائلهم التي تجرأ ابنها على دخول معمعة المنافسة الانتخابية. 
اللعبة الجارية في سواقي قديمة غير صالحة للشرب او الزراعة.بعيدة عن اخلاقيات الفرسان واقرب ما تكون الى مناطحة ثيران على معلف فارغ. المرشحون يتنافسون على الكراسي .تغليب المصالح الخاصة على العامة.البلديات مفلسة و مديونة. تجليات الافلاس تتمظهر في ان مدننا بلا استثناء تعاني من فوضى سير قاتلة.ضجيج يؤرق الموتى في قبورهم.نفايات تملأ الشوارع، ارصفة محتلة من بسطات تنتج اكواماً من الزبالة.مقومات العصرنة معدومة في مدننا. لم نسمع او نقرأ عن تعهد مرشح بتخفيف معاناة المواطن الذي دخل دائرة الاهمال و اللا مبالاة. اذاً لماذا يتهافتون على متهافت. مسكين هذا الذي لا يكون الا نفسه و لا يشبه الا نفسه،و لا ينافس الا شقاءه السرمدي. لا احد يهتم به الا في الانتخابات او للتصفيق في المناسبات. الاردني العظيم " سيزيف " عصره، حامل الصخرة عمره الثقيلة على اكتافه المهدودة. ما ان يصل القمة حتى يسقط الى قاع بلا قرار.هكذا تتكرر مأساته ؟ّ!. 
ما يجري من ملاسنات وشائعات يعني ، إنحسار قيم.غياب مطلق للبرامج والرؤى.تمدد في المفاهيم السلبية افقياً و عامودياً.احاديث مُلغزة تهبط الى مستويات دُنيا من الدونية ..ما يُثير الضحك اكثر، قرع طبول تصم الآذان،وفشك صوتي في الهواء لإنتخابات بلا ملامح.فرقعات اعلامية مثل طقطقة الاصابع.حراكات و حركات قرعاء لا تعدو عن يافطات مكتوبة بلغة رديئة، قماشها مثقوب كي لا يطيّر مع الرياح.صور ملونة تعويضاً عن ثقافة معدومة..الانكى تلك العلاقات الملتبسة بين الناس، المحكومة بالباطنية النفاقية . كثرة استخدام المرايا في الحملات الشخصية والحملات المضادة. المرآة المحدبة لتكبير الصورة الذاتية ونفخها. استخدام المرآة المقعرة لمسخ صورة الخصم ورسمه بطريقة كاريكاتورية مشوهة لإضحاك الناخبين عليه والحط من شأنه.ازدواجية اللغة المحكية التي تفضحها لغة الجسد،كأنها تقول لصاحبها اتقِ الله فيما تقول..." ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد ". لغة مشحونة بالكذب،معبأة باللغو. هنا تزداد ايماناً فوق ايمانك بقول رسولنا الصادق الامين :ـ " " يُطبع المؤمن على الخلال كلها الا الخيانة والكذب".في المشهد الانتخابي الفنتازي ،ترى الكذب على العامة يتجسد امامك بصورة جلية، على قاعدة الكذب ملح الرجال. 
مسرحية هزلية تشي بإختلالات اجتماعية و قيمية ارتفع منسوبها لدرجة اصبحت احاديث المرشحين ممجوجة.علك ماء.تطلعات الى فوق الفوق بلا اجنحة. اناس لا يدرون ما يريدون. تراهم كالذين اصابهم مس،يدورون حول انفسهم في دائرة مغلقة معتمة. نظرة فاحصة لمن يملك قليلا من فراسة او مباديء محدودة في علم النفس،يدرك اننا نلعب لعبة استغماية .الحقيقة الغالبة على السلوكيات، ان الغالبية العظمى تبحث عن مشيخة.غنائم زهيدة.وجاهة تحت ستار الوطنية. ما يوجع القلب، ان الوطن هو الغائب الاكبر. من باب الأمانة المهنية نصرخ من على اعلى مئذنة في المدينة :ـ تجارتكم بائرة. لن تنطلي علينا نحن الذين ابتلينا فيكم،منذ تأسيس المملكة الى يومنا هذا.مسكين يا وطني كم تقترف باسمك جرائم ادعياء الوطنية. 
يا وطني ...انت امنا و انت ابونا. نخاف عليك،ندافع عنك كما نخاف على انفسنا،بينما تلك الشخصيات المسعورة،حملة روح الشر،عتاولة الفساد،دهاقنة القسوة يتاجرون بك....الصدقية ،الامانة ،الاخلاص ،الانتماء احجار زاوية الشخصية الوطنية لامكان لها ولا تجد " مرقد عنزة".فـ "العملة الرديئة تطرد الجيدة من السوق وتحل مكانها"....اهٍ يا وطني من حروفك الدامعة، تسطر تاريخك و انت تكتب عن هؤلاء (.... .. ) و اولئك البررة الذين آمنوا بربهم وانتموا لوطنهم .انت الأدرى بهم كم تحملوا من عذابات لا تُطاق من اجلك،وعبروا جحيم الحياة يعانون العوز والحرمان صامتين كفرسان نبلاء...حروقها لم تزل كحروفها مطبوعة على جلودهم كعلامة فارقة.وهناك فاسدون قناصون قادرون بذكاء النصابين على تدوير الحقائق كتدوير الزبالة الى عطور وتحريف الكلم الطيب عن مواضعه.هؤلاء يا وطني اهرامات الفساد يتصدرون الساحة بوقاحة،لكنهم لن يفلتوا. 
الفريق اول الركن عبد الواحد شنان آل رياط قام قبل ايام ،باول حملة قانونية ،وحرك دعوى جنائية في لندن لمحاكمة توني بلير بتهمة تدمير بلاده وتحويلها الى دولة فاشلة بذرائع كاذبة ثبت بطلانها،مستشهدا بتقرير "شيلكوت " الذي اصدر شهادة برآءة العراق من التهم الملفقة،كما طالب بمحاسبة المعارضة المُصنعة في دوائر الاستخبارات الامريكية والبريطانية التي قامت بتخريب العراق من الداخل ونهب امواله....جمعية ضحايا التعذيب في تونس هي الاخرى، تلاحق رجالات زين الفاسدين لمحاكمتهم بتهم الفساد والقتل والسجن وهتك الاعراض . "ستيفن" احد معاوني "اوباما" السابق وبعض المنظمات الحقوقية الدولية حركت دعاوي جنائية لمقاضاة ازلام النظام بتهمة الابادة والتطهير العرقي.فالحقوق لا تموت وان تدثرت احيانا بالسكوت. 
المطلوب كشف الحواة الذين يطلقون العصافير الملونة من تحت قبعاتهم.ويسحبون الارانب من اكمامهم مع عدم السماح لهم بالقفز على اكتاف الوطن.الاقزام لن يكونوا عمالقة.العملقة تكون بالخدمة الوطنية لا بالنطنطة.المواطنة الصالحة تكون باحترام الانسان لذاته وتقديس وطنه.الوقوف في صف الوطن والمواطن،لا يكون البتة بـ " نعم سيدي " كما لا يكون بـ " نعم سيدي " كما لا يكون في هز الاكتاف و الارداف وطأطأة الرؤوس.المفارقة المبكية ان بعضهم تقّوس ظهره من الانحناء نفاقاً،ولو كان له ذيل لهزه امام سيده فرحاً وتمسحاً بارجله.دونية مفرطة لا تأتي بالفطرة بل بالوراثة محمولة على جينات العبودية ثم طورها صاحبها بالموهبة الوصولية والثقافة الانتهازية. الفيلسوف الفرنسي سارتر قال :ـ " لا يليق بالمثقف الا ان يكون ناقدا"ً...نسأل لو كان بيننا اليوم، ماذا سيقول للذين يمسحون الجوخ ويلمّعون الاحذية . 
الاصلاح الحقيقي يبدأ بتشكيل احزاب سياسية لا تقف ذليلة ممدودة اليد امام وزارة الداخلية مستجدية " حسنة للحزب يا حكومة". الديمقراطية برلمان قوي يأتي بقانون عصري يمارس دوره في الرقابة،التشريع ، المحاسبة.الحرية صحافة حرة غير مرعوبة ولا مأمورة تنطق باسم الشارع وتعكس نبضه.الثورة البيضاء تسعى لإخراج الاكثرية من العزلة والتردد والخوف المعشعش فيها منذ ايام الاحكام العرفية،لكي يعود المواطن لذاته بعد ان طال اغترابه داخل وطنه،وهبوط ثقته بكل من حوله. 
بدهي ان اللعبة الديمقراطية بحاجة الى ديمقراطيين حقيقيين كي يلعبوها بكفاءة.الاصلاح بحاجة الى اصلاحيين صالحين لا فاسدين ليمارسوها بنزاهة.اللعبة بحاجة الى قوانين عصرية كي لا يتساكن تحت واحدة المتعلم والأُمي،النزيه و النفعي ، الممتليء ثقافة والمحشو قشاً. دولة المواطنة بحاجة الى حكومة وطنية تتملك ولايتها وتكون عصمتها بيدها و لوزراء مبدعين لا موظفين.الى مواطنيين يحبون وطنه ويُعلبّون مصلحته على مصالحهم... كالصدمة جاء خبر الاعتداءات الضخمة قبل ايام على خطوط مياه " وادي السير" وسرقة آلآف الامتار يومياً مما حرم مئات العائلات في حقهم الطبيعي من مادة الحياة " وجعلنا من الماء كل شيء حي" . واقعة كشفت بلا مواربة حجم الكارثة التي نحن فيها. 
ما سلف اهون الهينات، اذا كانت هناك ارادة سياسية عُليا تجرجر اكبر رؤوس اهل الفساد،والخارجين على القانون من آذانها صاغرة الى المحكمة. ان فعلنا هذا، صدقوني في بضع سنين،سنكون مثل تركيا وماليزيا وكوريا الجنوبية.ما حصل عندهم ليس معجزة.سألوا الرئيس اردوغان ماذا فعلت حتى وصلت الى هذه النقلة النوعية...اجاب حاربت اهل الفساد بلا هوادة....في اسرائيل رئيس الوزراء السابق اولمرت يقبع في السجن لادانته بالفساد.كذلك زُجت "بارك غيون" رئيسة كوريا الجنوبية السابقة في السجن على خلفية فصيحة فساد واستغلال نفوذ...الحق اقول لكم هذه ديمقراطيات محترمةجديرة بالاحترام ثم اصرخ من وجعٍ...آهٍ يا وطني.