صحيفة العرّاب

التحرش الجنسي.. الفضيحة كبيرة! بقلم فارس الحباشنة

 كتب: فارس الحباشنة
يمكن القول أن التحرش بات ظاهرة اردنية، ويمكن القول أن هناك متحرشين، ويمكن القول أن مدننا باتت تفقد بالتدريج أمانها، ولربما أن التحرش لم يعد جريمة فردية، بل جريمة جماعية. نوع من الهستيريا الجماعية، وباء عارم يصيب المدينة، بقعة ملوثة تتحرك في المجتمع من الشارع الى الحي والجامعة والمدرسة.
التحرش لم يكن يقع من قبل في المجتمع الاردني، وإن كانت هناك حوادث، فهي لا تزيد عن المستوى الفردي، لا أقل ولا اكثر، أما اليوم، فالحديث العام يمتلىء بوقائع وأحداث كثيرة لتحرش جماعي يصيب المجتمع.
التحرش قبل أن يحمل معنى أخلاقيا فانه سياسي بحت، ولربما أن الاجهزة الرسمية تنكر وقوع حوادث تحرش، وأن وقعت فانها لا تقيد في السجلات الامنية والقضائية تحرشا، ولكن ازدياد وقوعها قد يدفع مسؤولين الى مراجعة مسألة الاعتراف بالظاهرة من انكارها.
وثمة ما هو مريب في تتبع اخبار التحرش، ولا بد من التمعن في حيثيات دوافعها وتفاصيلها، الظاهرة تحمل دلالات ومعاني كثيرة، فهي، اولا تعبير عن تحول اصاب المدينة قبل المجتمع، فمدن المملكة بلا شوارع ولا اماكن عمومية لممارسة الحرية والترفيه.
والحرية في « عقل السيستيم « ليست علنية، بل سرية، ومن الحق منحها لاقليات من الاثرياء والاغنياء، ويمارسونها وراء اسوار مستوطناتهم، فيما يحرم منها الفقراء والبسطاء والضعفاء وميسورو الحال، فحتى في الحديث السياسي العام فان مفردة الحرية مقفلة على الطرح، وممنوع التفكير فيها، وعرضها يتم على استحياء الا في بعض الاحيان لغايات تسويقية واستهلاكية أمام اطراف اجنبية.
ولو أن الشارع والجامعة والمدرسة والحي مسكونة بالحرية، لما كان قد وقع التحرش. المتحرشون يكسرون علامة الحرية والامان الفردي في المجتمع، يحاولون اقتناص الفرصة ليعبروا عن سلوك غريزي قطيعي يبدأ من الانفلات عن «النظام العام»، ويمر وينتهي باصابة السلطة والحرية والفرد بخدش الحياء العام.
و التحرش بمعنى: انساني وبيولوجي، تصريف لطاقة جنسية، يبدو أن امتصامها عبر القنوات الطبيعية يواجه بالفشل والانسداد، فلا الايمان والانتماء العقيدي والحزبي السياسي والرياضة والفن قادرة على ترويض اولئك المتحرشين.
الرياضة اصبحت رفاهية لقلة قليلة، وطلاب الجامعات محشورون في ضيقة ليس من المسموح لهم بالانتماء لعقائد سياسية وحزبية، وفي المدارس الطلاب يحشرون وراء جدران اسمنتيه لا يلعبون رياضة ولا يمارسون أي نشاط ذهني، ولربما أن أكثر ما يصرف طاقتهم هي المخدرات، والحديث عن انتشارها في الجامعات والمدارس اصبح فاضحا.
و أما الفن، ويبقى ان كان ذا رسالة وهدف فانه قادر على امتصاص الطاقة المكبوتة، غير أن الاعلام حوله الى طرب وتسلية بلا ثقافة، فن غرائزي متوحش لا يحمل أي قيمة انسانية واخلاقية قد تزرع في النفس الوجد والحب والايمان بالانسان، وفيما اختزل الدين بشعائر بلا جوهر.
ولربما أن فشل تلك القوى الناعمة في امتصاص الطاقة المكبوتة والزائدة، فانه يعني ازديادا لظاهرة التحرش واتساعها، بل أنها قد تضم الى صفوفها يوميا حشودا من الشباب الضائعين والهائجين ومعدومي الامل، التحرش لا يثير اهتمام نخبة السياسة التقليدية والتي لا يعنيها ولا تهتم بـ «حرية المرأة» وسيرها بالشارع العام دون تحرشات المرتجفين.
وان كانت حرية المرأة مقدسة سياسيا ومصانة دستوريا، الا أن البعض من أهل الرأي يتعامل معها من جوانب معتمة، حتى لا يكشفوا عن عورة مجتمع مصاب بالتخلف والجهل وامراض اجتماعية سببها الاول والاخير في تشخيص العلة هو غياب: منظومة الحكم الرشيد والاقتصاد العادل.
قوة القطيع وفضاعة الازمة الغرائزية، لربما نجد أن خيطها لا ينقطع من تعليقات تعبر عن كبت مزمن وجوع جنسي وقلة اخلاق وازمة سياسية كبرى تصيب المجتمع عنوانها الابرز هو الحرية الفردية والجماعية.فالتحرش ليس مسألة سقطة اخلاقية او أخطاء لفرد او مجموعات افراد فحسب، بل هي جزء من فكرة أكبر بان المجتمع الاردني فاقد للتنظيم وبلا قانون صلب يرسم العلاقة ما بين الفرد والمجتمع والفرد والسلطة وبالعكس.
«الكبت الجنسي» ليس أمرا طارئا او جديدا على مجتمع اردني محافظ، ولكن يبدو أن ثمة قوى من الغوغاء والمرضى ترغب باجتياح والسيطرة على المجال العام بأي طرق وسبل ممكنة، وهي نفسية الضعيف والمريض والخائف والمكسور والمقهور الذي يسعى لاقتناص أي فرصة ليظفر بفريسته وفق» قانون الغابة».