صحيفة العرّاب

تحليل شخصية....المجد الزائف !

 بقلم الاعلامي .. بسام الياسين

بعض افكار المسؤوليين تحمل الكثير من الطرافة والجنون.الأخذ بها يؤدي بالبلد الى نهايات فجائعية لا علاج لها.بعضهم يعاني من هوس السلطة والتسلط ،وبعضهم واقع تحت كابوس ما يُعرف بالرجل البصمة الذي يجري تحريكه بتعبئة زمبركه على طريقة العاب الاطفال القديمة.أُشاطر غيري الرأي بان يكون الى جانب المؤهلات العلمية،الكفاءة،الخبرة عند التقدم للوظائف العليا فحص لياقة نفسية لإستخدام السوي و إستبعاد المريض من اجل غزارة الانتاج و سلامة الانجاز .الفاجعة المفزعة عندما تسبر اغوار شخصية مسؤول، ممن جاء على ظهر دبابة الواسطة او بارجة المحسوبية او عربة العشيرة.فإنك لا ترثي لحاله وتشفق على مَنّْ حوله فحسب، بل تخاف من اندفاعاته اللا مسؤولة وبؤس قراراته.تماماً كالذي يُسْلم راسه لحلاق كان يعمل جزاراً.اذاً،لا مناص، من اعتماد متانة الشخصية وسلامتها من العلل النفسية مقياساً للوظيفة القيادية.

الفيلسوف المعلم سقراط قال لأحد جلسائه :ـ ” تكلم حتى اراك “، ليعرف مكنونات دواخله،ويكشف معدنه،.اما ان يكون نفيساً فيقبله او خسيساً فيسقطه،مع الاخذ بالحسبان،الفارق بين الثقافة والثرثرة.العمق والضحالة.المسؤول والمعلول. قصة الامام الشافعي تلخص الحالة برمتها.ذات درس عن احكام الصيام، دخل عليه في المسجد رجل ذو هيبة،وكان الإمام رحمه الله ماداً رجله من الم فثناها احتراماً ” للمهيوب”. اثناء الدرس سأل الرجل الإمام سؤالاً ساذجاً ينطوي على غباء فاضح ومتى نفطر في رمضان يا إمام؟.ظن الشافعي ـ رضوان الله عليه ـ ان في الأمر مكيدة لغوية او مسألة فقهية خفية،فأجابه:ـ بعد مغيب الشمس.رد عليه الرجل :ـ وان لم تغب الشمس.فقال الأمام وهو يبتسم: ـ ” آن للشافعي ان يمد رجله ” و انت اخي القاريء آن لك ان تمُدّ رجليك الاثنتين .

إعلان
 

*** في زفة اعلامية فضائية.طلع علينا مسؤول قديم، أكل عليه الدهر وشرب،حتى انه لو ذهب الى دائرة الترخيص لتم شطبه.ملامحه جامدة ،تقاطيعه كمقبرة دارسة تساقطت شواهد قبورها،عيونه حائرة،نظراته قلقة،شيخوخته معذبة على ما يبدو جراء تأنيب ضمير. صورته العامة عكس منطوق الآية الكريمة { تعرف في وجوههم نظرة النعيم }.فقط،لسانه العضو الوحيد القادر على الحركة.خاض الرجل على مدى ساعة في قضايا متعددة،غلب عليها الانا المتورمة. ما تركه فينا :ـ ( ا ) :ـ انه كباقي القياديين الذين جاؤوا بالصدفة مهووس بذاته حد الغرق فيها.( ب ) كثرة تَصّنع المشاعر الايجابية وإقحامها في ثنايا حواره،ومحاولة تجميل ذاته باسباغ البطولة عليها،وتجاهله الحقيقة :ـ ان الحقيقة اعمق بكثير من القدرة على تسطيحها بهذه البساطة،ومسيرة عمر من الاستحالة اختصارها بساعة.( ج ) شهادة المرء لنفسه ليست مجروحة بل مرفوضة كليةً،لأن المرء عادة يعرض وجه ” السحارة ” ويُخفي ” البرارة “.سلبيات حديثه تشبه مذكرات ساستنا المطرزة بدقة.تراهم من البداية الى الخاتمة، يتمحورون حول عبادة الذات.ما يبعدهم عن الموضوعية،وينأى بهم عن التجرد،ناهيك عما يطمسونه من مساويء ويجسمونه من مبالغات.فضلاً عن تبريرهم أخطاءهم،و إهمالهم خطاياهم التي اقترفوها..يكتبون مذكراتهم ـ بالاستعانة مع ـ سيناريست ـ كأنهم يكتبون فيلماً سينمائيا مشوقاُ، لعبوا فيه دور البطولة او مسلسلاً رمضانياً مثيراً طلباً للشعبوية.

في محاولة مُبسطة لتحليل اللغة اللفظية لنجم الحلقة:ـ تلحظ ان الفاظه تسبق تفكيره. لهذا كثرت مطباته وتعددت زلاته. فكانت دفاعاته النفسية ضعيفة،فيما اندفاعاته العصبية و العُصابية غير مسؤولة، حيث كان يدخل مناطق خطرة مجهولة من اجل تجميل نفسه و اعطائها اهمية خاصة،لكنه رغم استبساله في تضخيم ذاته،والتكلم بلغة آمرة سلطوية على الطريقة العرفية.لم يدر صاحبنا ان زعيق الآمرين لا يختلف عن زعيق الأرانب،عندما ترى لمعة السكين،وان اعلى الزاعقين صوتاً تتعرق اجسادهم،وترتعد فرائصهم خوفاً، حينما يرون وجوههم في عيون المظلومين،اذ ان عيون الضحايا اشد المرآيا سطوعاً.اللافت فيه ان فلتات كلماته توحي بعدم الأمان الشخصي، و اللا استقرار النفسي،رغم التظاهر بالتماسك.لا عجب فالخوف كان الحاكم الفعلي في المرحلة العرفية التي سيطرت على المسؤول والمواطن معاً.فالحقيقة السيكولوجية تؤكد :ـ ان المُعَذِب والمُعَذَبَ يتألمان بنفس القدر .

مقابلة ـ صاحبنا ـ لم تكن مقابلة بالمعنى الصحفي بل مرافعة شخصية للدفاع عن ماضيه. تحدث فيها بلغة بوليسية على طريقة سيء الذكر صلاح نصر اثناء محاكمته،رغم انه كان في قفص الاتهام و ـ عالقاً في كابوس ـ ظل يتطاول على القاضي والمحامين والشهود،وكأن مصر المحروسة في قبضة يمينه ايام احكام الطواريء ،اما صاحبنا فكان يتكلم بلغة فوقية كأنه انشتاين،عند شرحه نظريته النسبية،متهماً من لا يفهمه بـ “…..”،موحياً للمشاهدين انه سابق زمانه،ومن لا يفهمه يعاني مشكلة في عقله.اشفقت على محاوره الذي لم يستطع “فرملته”،حيث وقف عاجزاً كتلميذٍ امام استاذه …اما انا بقيت مشاعري محايدة امام تداعياته، كمراقبٍ يستمع الى قضايا شائكة، مستغرقاً بكل حواسي لمعرفة عقلية الرجل.كيف يفكر،خلفيته، لغة جسده،نبرة صوته.ردود فعله.درجة نباهته.سرعة انفعاله،توتره،هدوءه،تفاصيل شخصيته الدقيقة، خاصة انه موصوف بالأكثر ثقافة ومتابعة ؟!.لرسم المشهد من كافة زواياه و الإلمام بجوانبه الدفينة نحلل اللغة الجسدية.اول ما لفت نظري كآبتة،عبوس وجه،سرعة النرفزة،ترطيب الشفتين باللسان ـ اما لجفاف الحلق حرجاً او انه يعاني من السكري ـ،حركة اليدين بالتلويح كأنه يضرب خصماً وهمياً،الشكوى من الشكوى،الضيق من الحياة،ومغادرة الدنيا في فترة وجيزة،على طريقة نجيب محفوط وهو يعاني سكرات الموت :ـ ” عايز اروّح “.

لقرآءة شخصيته اعتمدت القاعدة الشعبية :ـ ” المية تكشف الغطاس “.تابعته باهتمام الى ان بدأ يغوص في قضايا عميقة عشناها كلنا.بعد سباحة قصيرة،اخذ يلهث حتى اوشك على الغرق ثم راح يجرجر معارفه الواحد تلو الاخر الى القاع،فيما وقف محاوره ـ للاسف ـ متفرجاً من دون ان يمد له يد النجدة، اما لعجز ثقافي او ضعف معرفي.اخطر ما قاله الرجل :ـ انه وافق على طلب المساعدة من الشيطان ” العدو التاريخي للامة” لصد غزوة شقيق،و نادى بالتعايش مع الاحتلال نتيجة الضعف العسكري والفقر الاقتصادي الذي نحن فيه….” تشليخ حكي كارثي” بلا ضوابط وطنية ولا قومية ولا دينية.هدفه إشاعة الخوف في النفوس،لدفع الناس للاستسلام للأمر الواقع، ورفع راية الاستسلام لقبول حماية “العدو الشيطان”، بالإيحاء ان طوق النجاة بيد العدو.هو الذي ينقذ الأفراد من الموت ويُخلّص الوطن من الدمار.طرح استسلامي مريض تحت لافتة الواقعية السياسية التي تنسف الحقيقة البدهية :ـ ” لكي تكون الدولة دولة يجب ان يديرها عقلاء، ضمن قواعد لا تسمح بالانفلات او الذهاب للعدم”.الواقعية السياسية المخزية هي ذاتها التي سوّقها المطبعون لتسويق التطبيع،وجرَّت ويلات لا حصر لها على الامة ،و بها صار المطبعون انفسهم ادوات بيد اسرائيل.

المسؤول العدمي الذي عفا عنه الزمن، لم يتحدث كلمة عن رفع الروح المعنوية.لم يقل حرفاً عن تعزيز الصمود الوطني.تاُمين السلاح للقادرين على حمله لمواجهة الخطر حين وقوعه.لم يُفجّر حوافز التضحية من اجل قلب المحنة الى منحة، لم يطلب الإعتماد على الذات لا على الشيطان القابع على طرف النهر،الساعي لمسحنا { الضفة الغربية لنا والشرقية لنا }.العبقري العرفي، ذكرني بالمارشال الفرنسي فيليب بيتان او ما يعرف تاريخياً بـ ” حكومة فيشي ” عندما غزت المانيا بلاده اعلن :ـ ” ان مقاومة الالمان نوع من الانتحار،ويجب التنسيق معهم لتفادي شرورهم وحقن دماء الشعب الفرنسي”.

انه منطق العبيد في استمراء العبودية ،وكأن الحرية تأتي بنثر الحلوى على رؤوس الأعداء.سياسة بيتان الحمقاء ادت الى تحول فرنسا الى مستعمرة المانية محكومة بالكامل للنازية، تأتمر باريس بأوامر الفوهرر الديكتاتور هتلر،و تدار ـ للأسف ـ بايدٍ وطنية،وتلاحق الشرطة الفرنسية المقاومين الفرنسيين الرافضين للاحتلال من اجل القبض عليهم وتسليمهم للالمان.لا نشكك بولاء او وطنية ـ صاحبنا / ساحبنا ـ بل نقول :ـ انه اخطأ الاجتهاد،عندما استنسخ حكومة فيشي،واسقط من قاموسة سيرة ومسيرة القائد العظيم ” ديغول ” العسكري الجسور والسياسي المحنك الذي قاد المقاومة ضد النازية وحرر فرنسا بالدم والنار من دنس الغزاة،فدخل في سجل الخالدين لا مع الملعونيين الى يوم الدين امثال بيتان .