صحيفة العرّاب

المدرسة السياسية … المدرسة الصحافية ! / بسام الياسين

 {{مهداة للعزيز المغترب،عجلَّ الله اوبته.الخفي الذي لا يشق له غبار في التحليل السياسي، ولا يطاوله احد برصيده المعرفي بمعرفة فظائع النخبة.حاربوه لصراحته،ذلك خير له من ان يُقربوه لنفاقه.هنيئاً له نقاء ضميره ولنا طهارة كفه}}.

 

حين تُصاب امةُ مترامية الاطراف، بقحط في الرجال وهم يغطون عين الشمس لكنهم كغثاء السيل بلا قيمة ولا وزن.إذآك تجد نفسك رغم انفك مُضطراً لـ “ركوب كومبيوترك الحديث” كي تعود الى تاريخك القديم لإنعاش ذاكرتك،بعد ان افلست من حاضرك المتخلف وواقعك البشع.فتندب حظك وتناجي ربك:ـ ليتني ما عرفت الذي اعرفه عن الساقطين الذين اسقطوا الامة،و جرجروها الى كوارث مدمرة، بجهلهم وقصر نظرهم.امة باتت لعبتها حروب اهلية،وشغلها الشاغل هدم مدنها، تقويض مستقبلها،دفع الخاوة صاغرة لعدوها بينما تموت شعوبها جوعاً.تسأل كيف لهؤلاء ان يواجهوا وجه الله وجهاً لوجه، وقد اشاحوا بوجوههم عن ناسهم،و تركوهم كالدجاج تنبش عن ارزاقها في زبالة اغنيائها ؟!.

انت لا تتعاطى الحشيش،لا تشرب الخمرة ، ولا تبلع حبوب الهلوسة.اذاً، ما العمل لخلق حالة توازن نفسي لتحرير ذاتك من واقع عربي مهين،تطارك مخازيه اينما وليت وجهك؟!.ما الوسيلة للتعايش مع كآبة تلبسك كجلدك و انت ترى بام عينك سقوط النخب الاخلاقي وانتهازية الحلقات الضيقة ؟!. تتساءل اين الحصن الآمن الذي تلوذ به كلما أُلمَ بك المُ، لتطهير روحك مما علق بها من قذارة تاريخ الامة المعاصر؟!.ما الترياق الشافي لشفاء نفسك العميقة من حماقة ادعياء الحكمة ؟!.في عز الحلكة يهديك ربك لمطالعة سير افذاذ السياسة والصحافة… الحكمة والحنكة.تشعر بنشوة طاغية حين تتصفح عبد الرحمن الداخل ـ صقر قريش ـ،وعبد الرحمن الكواكبي ـ صقر الصحافة ـ.الاول لعلو كعبه في الفروسية والسياسة والثاني لسمو فكره وقوة شكيمته في الفكر والصحافة.

عبد الرحمن الداخل،الفتى القرشي المهيب،ابن التسع عشرة سنة.خرج طريداً من وطنه بعد ان اطاح العباسيون بعرش اهله.متاعه في رحلة البحث عن الذات صرة خبز،وقربة ماء يقيم بهما أوده ويدفع عطشه،وسيفاً يذوذ به عن نفسه ومصحفاً يتواصل مع ربه.هو المطلوب رأسه حيث جنّد العباسيون، جيشاً من العسس لملاحقته،ناهيك عن قناصي الفرص وصائدي الجوائز الباحثين عن المال والحظوة.لكن الفتى الصقر استطاع الافلات،واجتاز الفرات ـ العائق المائي ـ بثيابه ،وعبر القفار الموحشة وحده، زوادته الثقة بنفسه وزاده الايمان بتحقيق هدفه.بعدها ركب البحر هازئاً من حيتانه،متحدياً تماسيحه.بوصلته ارادة خارقة،وشراعه طموح بمساحة الدنيا لبناء دولة عربية على خاصرة اوروبا،تعيد مجد اميه وتنافس امبراطورية العبابسة المنبسطة على ارض لا حدود لها.

 

الصقر القرشي طوى الريح تحت ابطيه،عابراً مضيق جبل طارق الى قلب الاندلس، على راًس فيلق عالي الصهيل من ثلة مؤمنة عصية على الانكسار، بمعيته قادة عظام ليس في قاموسهم مفردة التراجع، شعارهم السير الى امام الامام ،يقف في الظل خلفهم مستشارون اوفياء مترفعين عن الدناءات،وعلماء اشاحوا عن طلب الدنيا بالضد من علماء السلاطين الذين باعوا آخرتهم بدنياهم. أُولى خطوات ” الصقر ” كانت بناء جيش مرهوب الجانب،عقيدته خدمة الامة لا قمع شعبه.لهذا انشأ مصانع السيوف،و اسس اسطولاً حربياً ضارباً في اعالي البحار،و في الداخل رفع بنيان العلم ايماناً منه ان التعليم حجر زاوية الدولة و المعلم ركنها الركين فاعلى من شانه حتى اصبحت الاندلس تضاهي بغداد علماً وفقهاً.

في الجانب الانساني اقام ” دار المظالم ” عملاً بالعدل اساس الملك ولا يستقيم حكم مع ظلم وهو الذي تجرع كأس المظلومية حتى آخر قطرة.فكان على راس مهمات الدار استقبال شكاوى الصغار الذين ابتلوا بمفاسد الكبار.المظلومون لا يجرؤون على التظلم خوفاً من نفوذ علية القوم،ولا تصل شكواهم الى مسامع السلطان فتضيع حقوقهم.لهذا خصص “الصقر” دائرة خاصة في ” دار المظالم ” لمطاردة ثعالب السلطة ممن يستغلون الوظيفة و يُسخرون العامة دواباً لرفع مداميك قصورهم و حراثة مزارعهم…ولتحقيق اقصى درجات العدالة،قام بمطاردة “الخنازير” التي تعيث فساداً في كروم الدولة،فحاكمهم دون الالتفات لعلو منزلتهم او رفعة رتبتهم.

في الصحافة،كان عبد الرحمن الكواكبي الفتى الحلبي،الوسيم الطلعة،البهي الطّلة،وساحر الكلمة المنحوت من شجاعة وجرأة.احد اهم رواد حركة الاصلاح العربية.الصحفي الأنقى في تاريخ العروبة.و اذا كان الصحفي العراقي، منتظر الزبيدي صفع الرئيس بوش بحذائه،فالكواكبي صفع المستبدين العرب بمقالاته.لامتلاك حريته هجر الصحافة الرسمية / صحافة السلطة لانها كانت طبلا عالي النبرة لتمجيد الحاكم وتلميع زبانيته الحرامية والمتواطئين من الحاشية.اصدر صحيفة الشهباء،وقام بحملة لتطهير البلاد من الولاة الفاسدين،وكشف انصاف المثقفين التي صنعت منهم الدولة ابواقاً رسمية لتسويق سياساتها وتغطية عيوبها.واظهر للناس كيفية تسويقهم اعتماداً على معايير زائفة،وكيف تتم صناعتهم بإخصائهم لتحطيم شخصياتهم و تفسيخ ارواحهم ليكونوا كغلمان الحرملك في قصور سلاطين بني عثمان منزوعي الرجولة.

لم تحتمل السلطة جرأته في كشف المستور،و لا مجاهرته بقول الحق،وانحيازه لصف الغلابا، فاغلقت صحيفته،عندها قال قولته الشهيرة :ـ ” الحكومة تخاف القلم خوفها من النار “،قاصداً قلم الشرفاء لا المرتزقة، قلم الرصاصة المدوية التي تصم آذان عتاولة الشر،لا القلم المغموس بحبر النذالة،القلم الثورة لا القلم الذي ينهل من مبولة، فالقلم بيد مرتزقٍ كمسبحة بيد زنديقٍ هدفها الضلال والتضليل.سلطة الاستبداد التي تقهر الاحرار لم تسكت عليه. ظلت تُشاكسه و تُضيّق الخناق على انفاسه،وتقنن اللقمة على اهله حتى خرج مرغماً من وطنه سوريا ليستقر في القاهرة.هناك تمت تصفيته بدس السم له في قهوته على يد احد الخونة، فمات مسموماً.هذه حال الامة مع اشرافها و شرفائها.فهل قرأتم في التاريخ مثل امتنا،امة تأكل اولادها كالقطة ؟!.امتنا ليست ضعيفة ولا خانعة لكن ما ينقصها قادة عظام كصقر قريش و اقلام شريفة كقلم الكواكبي.