صحيفة العرّاب

إن لم تكن مشهوراً ونافذاً فلا تحلم بقبر فيها .. قصة مقبرة الشهداء او الـ "خمس نجوم"في هذه الدولة العربية

 

على مساحة تقدر بـ15 هكتاراً عبر العاصمة الإدارية للمملكة المغربية الرباط قبالة المحيط الأطلسي أقيمت أكبر مقبرة للمسلمين في المدينة 'مقبرة الشهداء'، وبين 3500 مقبرة توجد في المغرب تبقى لمقبرة 'الشهداء' ميزة خاصة جداً. الميزة التي منحتها لها قيمة الشخصيات الأموات الذين وريت جثامينهم في مقبرة الشهداء، من علية القوم سياسيين ورجال أعمال وجنرالات وفنانين ومثقفين..، حتى أصبحت تعرف بمقبرة 'الفي آي بي'، وآخرون يسمونها مقبرة 'خمس نجوم'، على اعتبار أن حتى تكاليف الدفن وإيجاد مكان لدفن ميت تختلف كلياً عن بقية مقابر المملكة.

مقبرة واحدة.. لكن بجناحين

' مقبرة الشهداء' أكبر مقبرة في العاصمة المغربية الرباط، وهي مقسمة إلى جزأين، 'هناك بمحاذاة قصبة الأوداية التاريخية وسجن لعلو خاص بالعموم حتى أصبح سكان الرباط يطلقون عليها اسم 'مقبرة لعلو'، بينما الجزء السفلي لا يسمح بالدفن فيه إلا لشخصيات من نوعية خاصة' يقول لـ'عربي بوست' عبد الرحيم أحد المتخصصين في حفر القبور، فبالنسبة لهذا الخمسيني الذي امتهن حفر القبور منذ أزيد من 20 سنة، فإن سلطات المدينة منذ سنوات قامت بتقسيم المقبرة إلى جزأين، واحد مفتوح للعموم، لكنه بات مكتظاً ولا يمكن أن يصمد كثيراً حتى يتم إغلاقه بشكل نهائي، بينما الجزء الثاني المخصص لـ'علية القوم' تم إغلاقه منذ مدة في وجه العموم وهي 'مقبرة الشهداء'، 'وعندما تفتح أبوابه ويطلب منا حفر قبر، نعلم أن أحد الشخصيات المهمة قد توفي'. ولا يسمح بالدفن في هذا الجزء الخاص من مقبرة الشهداء في الرباط إلا بترخيص موقع من قبل والي جهة الرباط، وحسب أحد موظفي عمالة الرباط والذي فضل عدم الإفصاح عن اسمه، أكد لـ'عربي بوست' أن هناك العديد من الطلبات التي وجهت للمسؤولين من ذوي بعض الأموات بغية دفنهم في 'مقبرة الشهداء'، لكنها 'ووجهت بالرفض، فليس من السهل أن تحصل على ترخيص لدفن قريبك في الشهداء إن لم تكن مسؤولاً مهماً أو اسماً مشهوراً' يوضح الموظف. 

كما أن مساحة الدفن الشاغرة بـ'مقبرة الشهداء' التي لم تعد تتجاوز 10 في المائة من مساحتها الإجمالية جعلت من الصعب فتح المقبرة أمام العموم، ويقول الموظف في عمالة الرباط 'المقبرة تستقبل يومياً ما بين 10 و15 نعشاً أغلبها تدفن في الجزء العلوي الذي يعاني بدوره الاكتظاظ'. ويتضح الفرق بين الجناحين حتى في العناية بالقبور إذ يبدو أن الأحياء يميزون حتى بين الفقراء والأغنياء في الموتى، وهو ما يفسره 'حفار القبور' عبد الرحمن بكون 'ذوو الموتى في جناح الشخصيات العمومية يكونون أكثر سخاء ويطلبون أفضل الأنواع من الرخام لوضعها على مقابر أمواتهم'، فالشخصيات المدفونة هنا في 'مقبرة الشهداء' من فئة خاصة جداً.
ضيوف 'مقبرة الشهداء'
استمدت 'مقبرة الشهداء' في العاصمة المغربية الرباط شهرتها من رمزية الشخصيات التي دفنت تحت ترابها حتى أطلع عليها سكان العاصمة الإدارية 'مقبرة الخمس نجوم'، إذ يكفي أن نعلم أن المقبرة تحتضن جثمان أقوى وزير داخلية في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، إدريس البصري، والذي عمر لحوالي 20 سنة كوزير للداخلية واعتبر اليد اليمنى للملك الراحل الحسن الثاني، 

قبل أن يطاله الإعفاء عقب صعود الملك محمد السادس إلى العرش سنة 1999. اسم إدريس البصري هو واحد فقط من عشرات من جثامين الشخصيات المهمة أو ذويهم، إذ استقبلت 'مقبرة الشهداء' شهر دجنبر من سنة 2012 جثمان الشيخ عبد السلام ياسين أحد أبرز معارضي الملك الراحل الحسن الثاني، ومؤسس جماعة العدل والإحسان المحظورة، وهي عملية الدفن التي يتذكرها جيداً 'حفار القبور' عبد الرحمن، ويقول لـ'عربي بوست'، 'لقد كانت واحدة من أكبر الجنائز التي رأيتها، لكن للأسف لم أكن أنا من تكلفت بحفر قبر الشيخ ياسين رحمه الله'، والشيء نفسه ينطبق على زوجة الشيخ عبد السلام ياسين، خديجة المالكي، التي وريت الثرى بمقبرة الشهداء إلى جانب زوجها، لكن بعد أن عانى أتباع جماعة العدل والإحسان من 'منع السلطات دفنها إلى جانب زوجها'، في الوقت الذي اعتبرت فيه السلطات آنذاك أن عائلة الفقيدة 'لم يحترموا النظام الداخلي للمقبرة'. ا

لدفن في 'مقبرة الشهداء' لم يكن حكراً على السياسيين فقط، إذ استفاد من هذا الامتياز مجموعة من الجنرالات الكبار الذين مروا من الجيش المغربي، ويبقى أبرزهم الجنرال عبد العزيز بناني المفتش العام السابق للقوات المسلحة الملكية، وعبد الله باها القيادي السابق في حزب العدالة والتنمية الذي صدمه قطار قرب مدينة بوزنيقة جنوب العاصمة الرباط، إضافة إلى مجموعة من الفنانين البارزين، في مقدمتهم الممثل المغربي حميدو بنمسعود الذي شارك في العديد من الأعمال السينمائية العالمية.
تكاليف باهظة وسوق رائجة

في مدخل 'مقبرة الشهداء' أو 'مقبرة الخمسة نجوم' التي تنتصب قبالة شاطئ الرباط المطل على المحيط الأطلسي، ينتشر مجموعة من الشبان والكهول الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و50 سنة، يتضح من ملابسهم الرثة ووجوههم التي يغطيها التراب أنهم من المكلفين بحفر القبور، لكن عدداً منهم يستغلون مناسبات الدفن من أجل التسول واستجداء النقود من أهل الميت ومشيعي جثمانه، ويؤكد الشاب إبراهيم ذو الـ25 عاماً ويساعد والده في حفر القبور 'معظم من يتواجد الآن في باب المقبرة ينتظرون قدوم جنازة لينطلقوا في مضايقة المشيعين'. 

بالنسبة لإبراهيم الذي ترك الدراسة مبكراً لمساعدة والده، فإن جنائز الشخصيات العمومية أو المشهورة 'تتحول إلى سوق بالنسبة للبعض'، فهناك من يبيع قنينات الماء وآخرون يحملون قارورات زجاجية من ماء الورد أو الزهر، 'إنهم يستغلون طبيعة الشخصيات التي تأتي للمقبرة من أجل القليل من النقود'. لكن طفت على السطح مؤخراً مشكلة المقابر في العاصمة المغربية الرباط، حتى أصبح الناس يتحدثون عن 'أزمة المدافن'، 

وهي الأزمة التي أكدها الموظف في عمالة الرباط، 'السلطات المحلية تعمل على دراسة مجموعة من الحلول والبحث عن مساحات جديدة لإحداث مقابر جديدة، فالمقابر الحالية تعاني ضغطاً كبيراً ولن تصمد كثيراً'، وهو الأمر الذي ينطبق أيضاً على 'مقبرة الشهداء' التي تضم تحت ترابها شخصيات كانت وازنة في حياتها، في انتظار البحث عن 'مقبرة من خمس نجوم' جديدة تستطيع استقبال جثامين لشخصيات من نوع خاص جداً.