صحيفة العرّاب

خمسة اسباب خيبت امال الاردنيين بحكومة الرزاز .. وهل سيكتفي بِوسائِل التواصل الاجتماعي للتواصل معهم ؟

 

اضطرَّ الدكتور عمر الرزاز، رئيس الوزراء الأُردني الجديد، أن يَخرُجَ عن صَمتِه ويَرُد على حَملة الانتقادات الشَّرِسَة التي استهَدفت حُكومته على وسائِط التواصل الاجتماعي، مُؤكِّدًا “أنّ الهَدف من التَّغيير الحُكوميٍ لم يَكُن تغيير الوجوه، وإنّما تَشكيل فَريق اقتصادي يُدرِك الأبعاد الاجتماعيّة للقرارات الماليّة، وفريق خَدمي لَديه أهداف مُحدَّدة عليه أن يُحَقِّقها ويُساءَل ويُحاسَب عليها”، ووعَد الرأي العام في كَلمةٍ نَشرها على مَوقِعه في “الفيسبوك” بالخُروج بحُزمةِ إجراءاتٍ قبل نهاية الأُسبوع، وأدوات مُحدَّدة للتَّواصُل والحِوار وسنَأخُذ منها مُقترحاتِكم وأفكارِكُم”.
لم تتعرَّض حُكومَة في الأُردن لمِثل هذه الحَملة من الانتقادات حتى قبل بِدء عملها، ونَيلِها ثِقَة البرلمان، مثلما تعرَّضت له حكومة الدكتور الرزاز، لعِدَّة أسباب نُلخِّصها في النُّقاط التَّالِية:
ـ أوّلاً: أنّ سَقف التَّوقُّعات لدى الحِراك الأُردني الشعبيّ الذي أطاح بحكومة الدكتور هاني الملقي كان عالِيًا جِدًّا، سياسيًّا واقتصاديًّا، فجاءَت عمليّة اختيار الوزراء تقليديّةً، ولم تتضمَّن مُفاجآتٍ تَرتَقي إلى مُستَوى هذه التَّوقُّعات باستثناء وُجود سَبع وزيراتٍ فيها.

ـ ثانيًا: الشَّعب الأُردني، وطَبقتِه الوُسطَى على وَجه الخُصوص، اكتشف مصادِر قُوّته، وفاعِليّة الاحتجاج المَدني الحَضاري السِّلمي، لفَرض إرادة التَّغيير التي يُمَثِّلها، وبِما يُحَقِّق مطالبه المَشروعة، ولذلك بَدأ يتطلَّع إلى نقلةٍ نوعيّةٍ جديدة ومُتطوِّرة في تشكيل الوزارات واختيار وزرائها، ويبدو أنّ الحُكومة الجديدة تُجَسِّد هذا الطُّموح من وِجهَة نَظرِه.

ثالثًا: العامِل الاقتصادي لَعِب دورًا كبيرًا في انطلاق، ومن ثم إشعال فتيل، هذه الاحتجاجات غير المَسبوقة، ولهذا كانت القِوى التي تَقِف خلفها أن يكون العمود الفِقري لهذه الحُكومة الجديدة هو “التَّقشُّف الرَّسمي”، ووقف الهَدر الماليّ، لكن اختيار 29 وزيرًا، أي أكثر بوزير من تِعداد الحُكومة السَّابِقة، والاحتفاظ بـ15 وزيرًا من الحُكومة المُقالة، أصابَ الشَّارِع الأُردني بصَدمةٍ كُبرى، عُنوانها خَيبة الأمل، وتَبنِّي انطباع مَفاده عدم الاستماع إلى مَطالِبه التي عبَّر عنها، سَواء في الشِّعارات التي كان يُردِّدها أثناء احتجاجاتِه الرمضانيّة في الدُّوّار الرابع، أو على صفحات “الفيسبوك”، وغيرها من وسائِل التواصل الاجتماعي.

ـ رابعًا: صحيح أنّ وزارة الدكتور الرزاز الجديدة خلت من الفريق الوِزاري الثُّلاثي الذي كان يَقِف خلف القرارات الضريبيّة التي أشعلت فتيل الاحتجاجات، وهُم السادة عمر ملحس وزير الماليّة، وجعفر حسان نائب رئيس الوزراء، وعماد فاخوري، وزير التخطيط والتعاون الدولي، ولكنّها، وحسب الانتقادات المُوجَّهةِ إليها، لم تستبدلهم بفَريقٍ أكثر كفاءة، وجاء حامِلو هذا المَلف من لونٍ واحِد، ومن مَنبعٍ واحِد، أي البنك الأهلي.

ـ خامِسًا: استمرار اعتماد الحُكومة على المُساعدات الخارجيّة، والسعوديّة والخليجيّة خاصَّةً، ممّا يعني أنّها ظلَّت مُتمَسِّكة بسِياسة الحُكومة السَّابِقة، وعدم تطوير سِياسيات تتبنّى الاعتماد على النَّفس، والبَحث عن تَحالفاتٍ سياسيّةٍ واقتصاديّةٍ بَديلة، تتناغَم مع قِيَم الشَّعب الأُردني وأبرزها الاعتزاز بالنَّفس، والكرامة الوَطنيّة.
نَتَّفِق في هذهِ الصحيفة “رأي اليوم” مع الفَقرة التي وردت في خطاب الدكتور الرزاز “الفيسبوكي” التي قال فيها “أنّ الطريق صعب وطويل لكنّه مُمكن بهمتكم معنا، وغير مُوحِش إذا مضينا معًا نحو مُستقبلٍ أفضل”، فالطَّريق صَعبٌ ومُوحِشٌ فِعلاً، ويحتاج الأمر إلى تَكاتُفِ الجميع، الشعب قبل الحُكومة، لتَجاوُز هذهِ المَرحلة الأصعَب في تاريخ الأُردن.
لا نُجادِل مُطلقًا مع وِجهَة النَّظر التي تقول بِضَرورة إعطاء حُكومة الدكتور الرزاز فُرصَةً لكي تُباشِر عملها، ثم إصدار الأحكام بالسَّلب أو الإيجاب على أدائِها، ولكن مُشكَلة الدكتور الرزاز، أنّه جاء في وَقتٍ حَرِج، وبعد ثورة شعبيّة غير مَسبوقة، ووَرِث حكومة حَلبت هذا الشَّعب، وجَلَدت ظَهره بقَسوةٍ بسَوط الضَّرائِب، وحمّلته وجيبه، مَسؤوليّة فَشَل كُل الحُكومات السَّابِقة، الأمر الذي جَعلت ثِقَته بالحُكومات شِبه مَعدومة، إن لم تَكُن مَعدومة كُليًّا.
أخيرًا، نتمنّى على الدكتور الرزاز أن لا يَغضَب إذا كان قِطاعٌ عَريضٌ من الشَّعب الأُردنيّ يُؤمِن بنظريّة تَرتكِز على خِبرة مِئة عام مع الحُكومات تقول أبجديّاتها “أنّ المَكتوب يُقرأ من عُنوانه”، وتَركيبة حُكومته الوزاريّة، وضَخامَة عددها، وبعض الوجوه فيها رسَّخت لديه صدق هذه النَّظريّة، وربّما يكون من المُلائِم بالنِّسبة إليه، لمُواجَهة رّدود الفِعل “المُشَكِّكة” 

أن لا يكتفي بِوسائِل التواصل الاجتماعي فقط، على طَريقة الرئيس سيء الذِّكر دونالد ترامب، وأن يَلجَأ إلى الاتِّصال المباشر صَوتًا وصُورة، لأنّ نِسبة كبيرة من العَرب، والأُردنيين على وجه الخُصوص، ما زالت تريد أن ترى مسؤوليها، وتعبيرات وجوههم على الشَّاشات التلفزيونيّة، ناهِيك عن أنّ نِسبَةً لا بأس بِها منهم لا تَملُك حِسابات على وسائل التواصل الاجتماعي، وأن ملكتها فلا تَثِق الثِّقة المُطلَقة بِما يَرِد على صَفحاتِها، ولا نُجادِل مُطلقًا في أنٍ الدكتور الرزاز الذي يَحمِل درجاتٍ علميّة عالِية من جامعاتٍ أمريكيّةٍ كُبرَى مِثل هارفارد وMIT، يُدرِك هذهِ الحَقيقة.. أو هكذا نَأمَل.
“رأي اليوم”