صحيفة العرّاب

فقهاء السلطان !…فؤاد البطاينة ؟ بقلم .. بسام الياسين

 في زمن الخراب تتناسل الغربان.تتلاقح ثقافة التجهيل مع قباحة التضليل.في ساعات الكرب العظيمة. يتنادى العلماء الى تشكيل جبهة قوية لمقارعة الخطوب،يستنهضون همم الرجال لمقاومة الاحتلال.يستفزون همم شباب الامة لمناطحة الظلم.ينادون للجهاد في سبيل الله حماية للاوطان و الاعراض.مقاومة العدوان، احتلالاً و ارهاباً فرض عين، على كل قادر.فالجهاد سنام الاسلام ،وتركه يورث المذلة للامة،تصديقا لقول الصّديق ابو بكر الصديق : ـ ” ما ترك قوم الجهاد الا اذلهم الله “.منصته الكلمة و ذروته الشهادة.

 

الشيوخ الإستشهاديون، كانوا قادة حركات التحرر العربي،قدواتها في التضحية:ـ عمر المختار،الحاج امين الحسيني،عز الدين القسام،كايد مفلح عبيدات،عبد القادر الجزائري،يوسف العظمة،الشيخ احمد ياسين وعشرات الاتقياء الانقياء الذين تضيق بهم صفحات التاريخ الناصعة.اولئك نبتوا نباتاً حسناً، وترعرعوا في بيئة طاهرة.كانت تلك ايام الله،اما في ايامنا انقلبت الآية. فقهاء السلاطين يطلقون فتاوى مضادة لتوجهات الامة او يلوذون بالصمت،كأن على رؤوسهم الطير،عملاً بقاعدة ” انج سعد فقد هلك سعيد “.

الفارق كبير بين عمرو خالد الذي اصبح مليونيراً في بضع سنين ،وصالح آل طالب امام وخطيب المسجد الحرام الذي اعتقل لتأكيده في خطبته ان فلسطين عربية منذ الفتح حتى المحشر .فقهاء السوء، حولوا الدين الى تجارة،وظيفتهم تحويله لطقوس و حبسه داخل حيطان المسجد فيما الاصل تثويره لمقارعة الاحتلال.الغلمان المتنعمون لا تعنيهم اوجاع الامة ولا ظلم الحكام لمواطينهم بل يسعون لتفصيل دين ” مودرن ” يتساوق مع المقاسات الغربية،ويهادن الانظمة الفاسدة. اقصى ما يفعلونه اذا عمَّ الظلم، الدعاء للسلطان بالهداية وطول العمر، وان يهيء له البطانة الصالحة.وكأنهم لم يقرأوا التاريخ و يتعظوا بثورات المظلومين التي تشب دون مقدمات كالبراكين، تلقي بحممها الملتهبة على رؤوس الطغاة.

زخات من الفسفور المميت تشوي اجساد اطفال غزة،قنابل من كل الاحجام تدمر بيوت اليمن السعيد، وتحولها الى قبور في رمشة عين،فقر مدقع ،ظلم عميم.سورية الحضارة جعلوها خرابة، كذلك العراق وليبيا عادت للقرون الوسطى. الفضيحة الكبرى،لا احد من فقهاء السوء،نبس بكلمة او دعوة خالصة لماربة الباطل.هؤلاء انفسهم سبق و ان عطلوا الاجتهاد، وسكتوا عن مظالم الحكام،فماذا تنتظر منهم ؟.

نتذكر،الكاهن الكاثوليكي اللعين، الذي فصلّ ديناً جديداً على مقاس الملك هنري الثامن،ليتناسب مع شغفه المتعاظم بالنساء،و افتى بحقه الشرعي طلاق زوجته كاثرين للزواج من عشيقته ” آن بولين ” ثم يصمت عليه بعد ان قطع راسها، لاشباع نهمه بالآخريات حتى بلغ عددهن ست محظيات غير الفراطة.اللافت ان لكل ” انحراف ” فتوى جاهزة تجيزه، طالما كانت الاجرة سخية.ها هو ترمب ” رجل الفضائح ” يسحب ” فلسطين ” من تحت اقدام العربان، وفقهاء السلاطين، صم بكم لا ينطقون كأن السنتهم اكلتها الجراذين.هؤلاء نسوا او تناسوا دورهم الذي رسمه الرسول الاعظم للدعاة :ـ ان اعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر.

(( فؤاد البطاينه )) !

 
 

فؤاد البطاينة مثقف المعي.عروبي فطن. ورث ” جين” الفراسة عن جدوده، فبهر من حوله،ثم اشتغل على نفسه فبزَّ الجميع بعلومه.عرف عن علم ودراية شعاب الخارطة العربية وتقلباتها السياسة،كما خبر احوال اهلها بفطرته الشفيفة التي لم تخدشها ثقافة الهامبرجر ولا حماقة رقصة الـ ” كي كي “. تراه يؤصل كتابته على ضميره،جاعلاً من الكتابة ضرباً من العبادة.لذا، يكتب بمنتهى الصدقية. تجده يمشي في حقول الالغام، يخترق الخطوط الحمراء بمهارة، يثقب السقوف العالية بجرأة.فكان ذاته،لا يأتمر الا بما تفرضه عليه مصلحة الامة.احياناً يرسم بالكلمات لغة، رقراقة كساقية دمشقية عذبة،تنساب بين حقول الياسمين والنعناع،لكنه اشبه ما يكون بنخلة عراقية لا تطرح الا طيباً.

هموم العرب اثقلت اكتافه، لكنها ثبتت اقدامه بعيداً في التربة القومية حتى نبتت لها جذور عميقة.اجمل ما فيه كما عرفته من مسافة صفر،انه رجل لا يعرف اليأس، وليس في قاموسة مفردة الخوف. يدخل المناطق المُلغمة دون تردد كانها لعبة اتاري،ببصيرة نفاذة.بوصلته صدقه مع نفسه و الاخرين ،مؤشره يشير الى نزعة وطنية،خالصة من شوائب الغرض وبهرجة المنصب،فقد اعطاه الله اكثر مما يطلب.وهذا دليل نقاء سيرته وسريرته

هو كاتب كسر المألوف في الكتابة المألوفة،فاستقطب الجميع حوله،لانه لا يعترف بجهوية،عصبوية،اقليمية،فقد رضع العروبة من ثدي امه.العرب كلهم اخوته، يرتبطون معه ، برابطة العروبة و الاسلام.لا مكان في قلبه لامراض اخوة يوسف من غيرة و حسد واستئصال الاخر.متواضع بلا تكلف مصطنع. أَسرَّ لي ذات جلسة انه يكره الالقاب ولعبة الاوسمة،بعد ان منحته الاغلبية لقب دكتور شرفية،وهو ليس كذلك،بينما يحاول المتثاقفون انتحال هذا اللقب او تزويره.الناس منحته دكتوراه فخرية محبة لغزارة علمه وسعة اطلاعه.اما انا فاغبطه على شعبيته الواسعة.لا ابالغ فالناس دائمة السؤال عنه في الشارع، المسجد،صالات الافراح، سرادقات العزاء.كلمة السر في شعبيته انه نقل الكتابة من التقريرية الى اثارة الوعي الجمعي على عكس الكاتب ” الرسمي”صاحب الافكار الجاهزة والمقررة سلفاً كخطب الجمع ابان الحكم العثماني.

البطاينة ،كاتب فيه عنفوان العربي وهدوء الدبلوماسي .جمع معادلة التضاد في ذاته دون تأثير ضاغط على شخصيته،لكنه ظل مجبولاً بالقلق ومسكوناً بحلم الثورة البيضاء على ما هو سلبي،املاً باستعادة الامة مجدها الغابر،لا كما هي اليوم ذيلية ذليلة لا قيمة لها. فاسرائيل المجهرية تلعب بها ” الكورة ” دون ان تستطيع صدها.لهذا يرى البطاينة، كما يرى كل ذي عقل. ان لا مستقبل للامة في ظل نخب عفنة،هي السبب في تصدع بنيان دولنا و خراب امتنا .

” فؤاد البطاينة ” علامة مضيئة في تاريخ الكتابة،نجمة مشعة في سماء الامة. ليس لتميزه في المقالة بل له مؤلفات ثمينة. ” شيطانية الاسفار وخطأ الغرب التاريخي ” اعتبره من الموثوقة،به يكشف زيف التاريخ اليهودي في فلسطين والطبيعة الارهابية للشخصية اليهودية،و العنصرية الداعية لقتل الاخر،حيث النصوص التوراتية المزيفة تعج بالكراهية،وفيها ما فيها من خرافات تناقض العقل، وسطو على تراث المصريين والكنعانيين،وسرقة اشعار اخناتون تحت عنوان مزامير داود….” فؤاد” رجل استثنائي فاهتموا به،لانه بلا مجاملة افضل من عَبَرَ عن الواقع العربي والوطني المعاش بدقة وصراحة لا مثيل لها.