صحيفة العرّاب

الشخصية الجحوية والشخصية الرخوية . بقلم الاعلامي . بسام الياسين

 جريمة غير قابلة للاستئناف او التمييز،ولا تندرج تحت الجرائم المشمولة بالعفو.جريمة اقامة المواطن في المنطقة الرمادية، وهو يرى قوى الشر الداخلية والخارجية، تتكالب على وطنه، بينما هو يغط في سبات شتوي.لا يبرح مكانه لو زلزلت الارض زلزالها.همه الثرثرة وطقطقة المكسرات،وعند المنازلة يبلع لسانه خوفاً من المُساءلة في فضح الواقع المفضوح.عدمي هو،لا يشير باشارة وهو يرى الوطن وقد صار وليمة للمتنفذين، فيما نيران الغلاء تأكل ثوبه حتى بلغت عورته.تسأله عن واقع الحال فيرد عليك :ـ ” اوضاعنا ” ليس لها من دون الله كاشفة…مُعلقاً سوء الاوضاع على شماعة الله ـ حا شا لله ـ ،حتى لا يرفع عقيرته بكلمة في وجه من لا يخافون الله.مثله مثل ذلك الرجل الذي رآه الخليفة عمر، يمشي حانياً ظهره،مدعياً النُسكَ و الزهد ،فنهره موبخاً :ـ ” أَمتَ علينا ديننا،أَماتك الله “.

مقارنة بينه وبين جحا البسيط،نجد ان جحا في ساعات الشدة ينقلب الى فيلسوف حكيم اقواله مبهرة و افعاله مدهشة.سُئل ذات مرة بقصد احراجه، ايهما افضل السلطان ام الفلاح ؟. اجاب بحكمة بليغة :ـ الفلاح ،لان السلطان وحاشيته سيموتون جوعاً اذا لم يطعمهم الفلاح من منتوجاته،ناهيك انه يستغني عن السلطان لكن السلطان لا يستغني عنه.هذه افضل اشكال المقاومة الآمنة من البوليس السري والعسس الليلي،في غياب حرية التعبير والديمقراطية الحقة.ولم ينس جحا ان يقويَ حجته ويحمي نفسه من عسف العسكر المتربصين باهل الرأي الآخر،خصوصاً بعد ان تهشمت الاوطان و تهمشت الشعوب الى نماذج مثيرة للشفقة، بالأتكاء على النص الديني { أولم يروا ان الله الذي خلقهم هو اشد منهم قوة }.لتذكيرهم ان الظلم التاريخي الذي لحق بالمواطن العربي لن يدوم الى ما لا نهاية.

 

جحا المسالم الداهية، يغلف انتقاداته اللاذعة بالسخرية والنكتة الموجهة،ويخلط الجد بالهزل في النقد السياسي،ليبعث رسائله الجارحة للأجهزة المعنية حتى لا يُزج به في ” بيت خالته”،بينما النموذج الرخو مثال صارخ للسلبية حيث يحيا حياته كدابة لإشباع غرائزه وملءِ بطنه.مخلوق في حقيقة امره،جيفة حية أَنتنت ولم تدفن.مشلول الارداة، لا يُرجى بُرْءَه ولا يرتجى منه نفعا.أَلِفّ الخضوع و شب عليه وسيشيب فيه.هو عكس الحيوانات المنزلية المدجنة المشهورة بالوفاء لسيدها، لكن بعضها يعود سيرته الاولى، اذا تعرضت كرامتها للانتهاك فتنبح و تفتك بامعاء المعتدي دفاعاً عن نفسها.

رجل المواجهة،يرى ما لا يراه غيره. تراه يقف على خط الدفاع الاول، في صدام يومي مع الاحداث الملتهبة.لا يكتفي بفتح عينيه بل يفتح العين الثالثة، ليستشرف ما وراء الأكمة.يكون الاول بزراعة الامل بالمستقيل ولو في شق صخرة. يجمع بين وضوح الماء الشفيف،ولهيب النار المتأجج.ذو بصيرة كاشفة كأشعة الليزر تخترق العظم،نافذة للدواخل المخفية،لقرآءة ما يدور في الدهاليز الخفية.رافضاً عقلية القطيع،هازئاً بعصا الراعي الغليظة،معلناً على الملأ :ـ انا المخالف المختلف.اذا ضل الناس اعرف درب الاستقامة،و اذا غرق ربعي بالكذب تمسكت بالصدق،وان برع فقهاء السلطان في تسويق بضاعة مزجاة عزفت عن الشراء.البطولة ان تجاهد دون تزلفٍ ولا مصلحة.فلا معنى للحياة بلا هدف نبيل ولا كفاح جليل.فالحياة مملة ان لم تترك خلفك بصمة او تشعل شمعة.{ ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور }.

الظلم وقود الثورة،و اللا مساواة شعلة الفوضى،و اللا عدل قوضَ امبرطوريات عظمى.قلب عاليها سافلها وجعلها اثراً بعد عين،فصارت درساً وعبرة.نعيش اليوم على حافة الحافة.لا نسمع الا مآسٍ تفجر مكامن الدمع في مآقينا المتقيحة ،بسب سوء سياسات الانظمة العربية.فقر،احتراب،تخلف،ارتهان،مديونية،فساد،احتلال،قمع،استبداد،تضييق حريات…!. اوضاع مزرية لم تمر بهذه الامة منذ الجاهلية الاولى حتى الجاهلية الثانية البشعة التي تعيشها في الالفية الثالثة.

السبب بلا مواربة هو، تَصّدر المشهد السياسي منافقون، ادعياء وطنية، وتنابلة سلاطين،وشخصيات رخوية نفعية تتصدر القرار. ففقدت الامة شخصيتها،هيبتها وعجزت عن اطعام ابنائها خبزا. الادهى انها امة لا تنقصها عددا ولا عُدة، تستأجر جيوشاً للدفاع عنها.امة ذليلة فقدت احترام اصدقائها وسقطت من عيون اعدائها.لذا نقولها بامانة دون مواربة :ـ ان الانظمة العربية، كلها سيئة. لكن ما يميز بعضها عن بعض ان الرحيمة منها تستعمل الهرواي الخشبية لقمع مواطنيها،بينما الاخرى تستعمل العصي المكهربة،اما المتطرفة،فانها تستعمل المدافع الثقيلة لمحاورة شعبها…رغم كل هذه العفونة.نقول:ـ ان التجارب الصعبة والمنعطفات الحادة في تاريخ الامم،هي اعظم مدرسة يمكن ان تتعلم منها الشعوب،وفيها اعظم الدروس لإجتياز النفق المظلم الى الفضاءات الرحبة.يبقى السؤال الذي حان وقته:ـ من يقود قاطرة التغيير الكاسحة ؟!