صحيفة العرّاب

عندما تصبح الأمة وليمة للمتنفذين . بقلم الاعلامي ..بسام الياسين

 نحن على اعتاب سنة جديدة.ليست كسابقاتها من سنوات عجاف.سنة فاصلة بين انظمة فقدت بوصلتها وشعوب تبحث عن ذاتها بعد ان طالت غيبتها في سراديب الخوف والتخلف و تغييبها بالقمع وتكميم الافواه.شعوب تخرج اليوم، زرافات ووحدانا للمطالبة بحقوقها المشروعة وتطالب باموالها المنهوبة،متمردة على عصى الرعاة، و نخب سيئة،هي اسوأ منتجات الانظمة المستبدة.نخب ازدادت توحشاً بتحالفها مع انصاف المثقفين و اسناد من مرتزقة اعلاميين.المناخ الشعبي العاصف، يُنبيءُ بتحول سياسي جذري .فالحالة الراهنة بإشاراتها،تعلن اننا ـ لا محالة ـ على بوابة الانفجار الكبير،يشي ببداية النهاية لما مضى من قهر ووضع نهاية لما يجري من نهب.فمن الاستحالة،العيش في تجويف اللا يقين بالاقتصاد وفراغ انعدام الوزن السياسي.

شعوب ايقنت ان الخلاص في خلاصها من نخب فاسدة اسرفت في اكاذيب ،يعجز عنها مسيلمة الكذاب،اكاذيب هزت جدران الدول،ضعضعت بنيانها،قوضت سمعتها،خلخلت ثقة الشعوب بقادتها وحكوماتها،وتم وضعها بين فسادين.فساد ديناصورات كبيرة تبلع ولا تشبع، وجرذان صغيرة تأتي على البقية الباقية.نتيجتها اغلبية تعاني من مجاعة، فقدت جراءها القدرة على تهجئة كلمة ” وطن ” و تعلثمت بنطق حروف ” الانتماء “،وهي ترى عوائل يُغمى عليها من جوع و اطفال يذهبون للمدارس باحذية مثقوبة وثياب بالية.مشهد يحرك عروق صخرة متحجرة،ولا يحرك شعرة عند ” نخب ” مترفة ا يغمى عليها كل ليلة، من فرط احتساء ” المياه المنكرة”،وحاوياتها تتقيأ من تخمة.

 

اوضاع سياسية هشة،اقتصاد آيل للسقوط،مع قيمة مضافة ان لا قيمة للقوانين عند النافذين،ولا وزن للدساتير عند الحاكمين.فكانت القفزة المذهلة، ان استفاقت الشعوب و استعادت ثقتها بنفسها.فعملت على تنفيس لعبة نفخ “شخصيات الواجهة ـ الصف الاول ـ و نزعت عن وجوههم اقنعة القداسة الزائفة، ولما بلغت التعرية حدودها القصوى،فضحت وهم الفتوحات الخارقة،والانجازات العظيمة.بذلك اجهضت فكرة الزعيم الذي لا يخطيء و المسؤول صاحب الهالة.بهذا سقطت مهزلة تحويل الشعب لنماذج ممسوخة باتهامه بالقصور الفكري وعدم البلوغ السياسي حتى لا يسترد حقه بان مصدر السلطة.

الورطة التي لم تحسب حسابها الانظمة، ان رجلاً واحداً يخرج للشارع، يحرج الدولة. فكيف اذا خرجت الشعوب عن بكرة ابيها وهي تصدح :ـ بره بره…كفوا شركوا عنا ؟!.لكن السؤال اين النخب الانتهازية التي من المفترض ان تقود الجماهير،وتصنع الرأي العام،وتمتص الصدمات،وتجأر بالحقائق.للاسف فانها حاقدة او متربصة او خائفة.ما يدعو للحزن ان بعضها تتنصل من قراراتها مدعية انها كانت ” عبدة مأمورة “،وبعضها شد رحال السفر،اما الاكثرية اطفأت اضواءها وآثرت العيش في العتمة حتى تنقشع الغمة، لقلب جلودها في الساعة المناسبة.

اسوأ الاوطان،تلك التي تعطيها عمرك، فَتُضيق عليك عيشتك،ثم تدفعك للهجرة او السفر هائماً على وجهك.عندها تكفر بالقيم،تلعن تاريخ ميلادك،ومسقط راسك.حالة البلاد كما وصفها الله في كتابه:ـ { فأكثروا فيها الفساد،فصب عليهم ربك سوط عذاب،ان ربك لبالمرصاد }.لذلك لا اصلاح دون ثورة بيضاء،ففساد الخدمة في المؤسسة / الوزارة يعني فساد السلطة.النخب اذاً، رأس البلاء لانهم يرون الوطن كعكة قابلة للقسمة بينهم.لهذا صارت الاوطان بسبب سوء ادارة هؤلاء،مجوفة كقصبة تصفر فيها الرياح،هشة كفخار قابل للكسر،سهلة الاحتراق كغابة بلا حراسة.اللافت،ان خزائن الدوائر المخابراتية تتكدس بالتقارير السرية ـ لإطلاع الحاكم من دون ان تقترب قيد انملة، من نخب الحرامية المنتشرة كالدمامل تحت جلد الامة،فضاقت الشعوب بما يدور،فخرجت للشوارع،شاهرة الحناجر الاشد فتكاً من الخناجر .

الشعوب الصامتة على ظلمها،الراضية بالتخلي عن حريتها،القابلة بديمقراطية ديكورية،انما تختار عبوديتها مختارة،و تنحت اصنامها بيدها تلك التي حرمتها حق التعبير وحرية التفكير حتى تعتاد على الخنوع وفقدان القدرة على الحركة.المفارقة ان التضييق ولدّ حركة الشارع الذي تبنى مقولة سارتر:ـ ” اني حكمت على نفسي ان اكون حراً،ولا يمكن ان يكون لحريتي حدودُ، و انا لست حراً في الكف على ان اكون من الأحرار،وبدورنا نستذكر قول هتلر:ـ ” أَحقر الناس اولئك الذين ساعدوني في إحتلال أوطانهم “،ونحن نقول:ـ الاكثر حقارة مَنْ يُخَربَ وطنه ليبني قصراُ،و يسرق بلاده لإيداعها في ” بلاد بره “