صحيفة العرّاب

فلسطين تُستبدل بـ إسرائيل في كتاب جغرافيا جامعي مصري يثير الغضب

د. إبراهيم علوش

تناقلت مواقع إنترنت كثيرة, وعدد من المنتديات واللوائح البريدية, مقتطفات مما كتب حول وضع اسم إسرائيل بدل فلسطين على خريطة منشورة داخل كتاب المجتمع المصري الصادر عن كلية الآداب في جامعة القاهرة عام 2005 من تأليف مجموعة من الأساتذة.
الكتاب قام بمراجعته أستاذ دكتور محمد حمدي إبراهيم, وكانت الخارطة ضمن جزء من الكتاب قام بتأليفه الأستاذ محمد صبري محسوب تحت عنوان التكوين الجغرافي للمجتمع المصري.
ففي مقال بعنوان الغفلة أحيانا أسوأ من الخيانة - الجامعة تتبرع بفلسطين نُشر في أسبوعية أخبار الأدب عدد (28/3/2010) اعتبر عزت القمحاوي مدير تحرير الصحيفة أن الخريطة تستبدل اسم فلسطين ب¯ إسرائيل رغم أن الشعب المصري يعتبر فلسطين وطنا عربيا اغتصبه الصهاينة. وأن نجد مثل هذا التغيير في كتاب صادر عن أقدم جامعة عربية وأهم جامعة مصرية جامعة القاهرة أمر يصعب فهمه.
وقال القمحاوي لوكالة فرانس برس أن الكتاب تضمن جدولا يضع إسرائيل جزءا من العالم العربي.. تبين أنه يقوم بتدريسه في جامعة المنوفية في حين اختارت زوجته الكتاب لتقوم بتدريسه في جامعة حلوان.
وأشار القمحاوي أن الصحيفة قررت متابعة هذه القضية إثر صدور حكم بتبرئة أسماء إبراهيم الطالبة في جامعة حلوان من تهمة البلاغ الكاذب بعد أن رفضت الطالبة هذا الخلط باعتبار إسرائيل جزءا من العالم العربي.
واعتبر أنها مصيبة ألاّ ينتبه مئات الطلاب في جامعتي حلوان والمنوفية اللتين يُدَرّس فيهما الكتاب لهذه المشكلة ولكن أسماء فقط أدركت هذه المشكلة التي تعتبرها وعن حق طمسا للهوية وهذا يدفعنا للتساؤل عن دور الجامعات في التدريس وإيقاظ الضمير لدى الطلبة.
وتضمن العدد نفسه مقابلة الطالبة التي أكدت موقفها ومع مؤلف الكتاب الذي أثار الزوبعة فتحي مصيلحي الذي دافع عنه نفسه بقوله إن إسرائيل أدخلت هنا كي أوضح أنها حقيقة في جسد الوطن العربي جغرافيا وهي موجودة داخل جسد مغتصب لكن ليس لي كجغرافي علاقة بالموضوع.
وأسماء إبراهيم, اعترضت على هذا الأمر, وقدمت شكوى بهذا الصدد لرئيس قسم الجغرافيا في الجامعة, فردت أستاذة الجغرافيا الاقتصادية ماجدة جمعة, دكتورة المادة, بقضية سب وقذف قيدت ضد أسماء إبراهيم في المحاكم. وكانت الناشطة إيمان بدوي قد حملت مجموعة أفلام فيديو قصيرة على موقع يوتيوب في شهر 2 من عام,2010 خلال محاكمة الطالبة أسماء إبراهيم, تظهر أن الكتاب المذكور يضم خريطةً لدولة إسرائيل تتضمن سيناء وسورية والأردن!!!!!
الدكتورة المعنية بالمشكلة هي زوجة واضع الكتاب د. فتحي مصيلحي بالمناسبة, وقد جاءت في الامتحان عام 2009 بأسئلة من المادة نفسها التي تعتبر إسرائيل جزءاً من المنطقة, وقامت بتهديد الطلبة الذين لا يجيبون على الاسئلة كما في الكتاب المقرر, بالرسوب!
وقد برأت محكمة حلوان الطالبة البطلة أسماء إبراهيم التي تصدت لهذا التزوير من تهمة التشهير, أو البلاغ الكاذب, وهو ما اعتبره بيان ل¯ لجنة الدفاع عن حقوق الطالب في جامعة حلوان في 25/2/2010 انتصاراً للحركة الطلابية ولحرية التعبير, وما اعتبرته أسماء إبراهيم نفسها انتصاراً لعروبة فلسطين. ففي إحدى مقابلات أسماء إبراهيم المحملة على موقع يوتيوب مع صحافي أجنبي أكدت, وهي تحمل علم فلسطين وعليه عبارة فلسطين عربية, أنها لم تكن لتربح القضية لولا دعم الأساتذة والطلبة والإعلاميين الذين أحاطوا بها عندما رفعت أستاذة الجغرافيا الاقتصادية د. ماجدة جمعة القضية عليها, ولكنها تعتبر بأن الدعم هو للقضية الفلسطينية, وليس لأسماء إبراهيم, وأن موقفها هو موقف الشارع والشباب المصري, وهو الموقف الذي يظهر نقاءً في الرؤية وفي الخلق. ونلاحظ من التقرير المتداول على الإنترنت أعلاه أن الدكتور مصيلحي, مؤلف الكتاب, قد تقهقر بعد ذلك باتجاه اعتبار إسرائيل موجودة ضمن جسد مغتصب...
وخلال فترة المحاكمة قامت قناة MBC بتغطية مستغربة للقضية في برنامج لها, موجود أيضاً على موقع يوتيوب, قدمت فيه خبيراً أتحفنا بالحديث عن الدولة الفلسطينية - فيما كانت البطلة أسماء تتحدث عن عروبة فلسطين, جوهر القضية في النهاية - وشرح لنا أنه لا يمانع التطبيع بعد إحقاق الحقوق وليس قبل ذلك... وكأن بقاء إسرائيل على 78% من فلسطين هو إحقاق للحقوق, وكأن الدولة الفلسطينية تتنافى مع مسمى إسرائيل الذي اعترضت عليه أسماء, وكأن مقاومة التطبيع تكتيك لا إستراتيجية!!!. كما ركز معدا برنامج ال¯ MBC نفسه أسئلتهما لأسماء في الفقرة الأخيرة من البرنامج على الأساتذة الذين يختبئون خلفها, وتساءلا لماذا لم يثر هؤلاء الأساتذة مشكلة الكتاب التدريسي موضع المشكلة من قبل?! وكأن المطلوب من الأساتذة أن لا يدعموا اعتراض أسماء, أو أن لا يقفوا معها في القضية المرفوعة ضدها, في الوقت الذي نفهم فيه من الحوار في البرنامج نفسه أن الأساتذة لا سلطة لهم في اختيار الكتاب التدريسي الذي فرضته د. ماجدة جمعة أو في منعه, وأن التطبيع هو سياسة رسمية تشرف عليها وزارة التعليم, وأن الاتحاد الأوروبي يمول برامج تعاون بين الجامعات المصرية والإسرائيلية, والأهم, أن الكتاب الذي اعترضت عليه أسماء إبراهيم لا يزال يدرس في الجامعات المصرية... فهل كان المطلوب من مقاومي التطبيع في مصر أن يوفروا مثل هذه الفرصة الثمينة للاعتراض على كل موضوع التطبيع الأكاديمي والتدريسي في مصر والوطن العربي?! بل كانوا يقفون مع أسماء إبراهيم في خندقٍ واحد, ولم يختبئوا خلفها...
لكن, رغم النصر القانوني والسياسي والإعلامي الذي تم تحقيقه في هذه القضية, فإن معركة الكتاب التطبيعي في المدارس والجامعات العربية لا تزال في بدايتها. وهي من أخطر المعارك لأنها تتعلق بإعادة تشكيل وعي الأجيال الناشئة تطبيعياً. فتعديل المناهج الدراسية هو أصلاً أحد استحقاقات المعاهدات والاتفاقيات المعقودة مع العدو الصهيوني. وكتاب الجغرافيا الاقتصادية بين النظرية والتطبيق لفتحي مصيلحي ليس فريداً من نوعه ولا هو الأول ولا الأخير, والأمثلة كثيرة كما وثق الباحث عبدالله حمودة في ورقته تغيير المناهج طبقاً لمعاهدات السلام التي ألقاها في مجمع النقابات المهنية في إربد يوم 3/4/.2010 بالتالي, فإن العمل الرائع الذي قامت به أسماء إبراهيم ومقاومو التطبيع الأكاديمي والتدريسي في مصر يجب أن ينظر إليه كبداية, لا كنهاية, لفتح الملف برمته. ولعل ما يسر هنا هو أحد التقارير المنشورة على الإنترنت التي تقول أن أسماء إبراهيم بصدد رفع قضية عطل وضرر على الأستاذة د. ماجدة جمعة رداً على القضية التي سبق أن رفعتها وخسرتها. ونرجو أن يكون ذلك صحيحاً, وكما قالت أسماء إبراهيم: القضية لا تتعلق بأسماء إبراهيم.