صحيفة العرّاب

المستشفى الميداني الأردني في غزة .. تميّز في الأداء وأطباؤه يصلون الليل بالنهار

في تقرير إخباري تناولت فيه وكالة القدس برس الدور المتميز للمستشفى الميداني الأردني في غزة حيث أشادت بدور الأردن قيادة وشعبا لدوره في الوقوف بجانب الشعب الفلسطيني وخاصة أثناء وبعد العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة، وفي التقرير قالت ..

" لم تكن انقشعت الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، حين دعا الملك عبد الله الثاني لإرسال مستشفى ميداني متكامل إلى قطاع غزة، يداوي جرحى الحرب، ويخفف من معاناة الأهل هناك. فالجراح عميقة، والإمكانيات متواضعة، والحرب ضروس.
 
"الخدمات الطبية الملكية الأردنية" مشهود لها على مستوى الأردن، وعلى مستوى الشرق الأوسط بالكفاءة الفنية والطبية، والخدمات المتميزة والمتكاملة التي تقدمها. أما "المستشفيات الميدانية" فغير متوفرة إلا عند الجيش، والكوادر العاملة فيها هي كوادره طبية عسكرية، لا تتبع لوزارة الصحة أو القطاع الخاص، الأمر الذي يضفي عليها ميزة مهمة، إذ إن الأوامر التي تصدر لها أوامر عسكرية، واجبة التنفيذ وليست مدنية.
 
توجيهات الملك عبدالله الثاني، نفذت في اليوم الثالث من الحرب الإسرائيلية، ولم يصدر قرار بإنهاء خدمات المستشفى حتى الآن، بل ويرجح مديره، أن يستمر العمل فيه لسنوات.
 
"قدس برس" التقت الدكتور زهران بدير، المدير الطبي للمستشفى المتواجد في حي تل الهوى جنوب غرب مدينة غزة، والذي أكد على أن هذا المستشفى توجه إلى قطاع غزة، بكوادر ذي خبرة واسعة، كل واحد في مجال اختصاصه، تشتمل على 17 نوع اختصاص، وكوادر بلغ عددهم 180 عنصرا من الكوادر الطبية والفنية والمساعدة والصيادلة وغيرهم.
 
حين تدخل باحات المستشفى تكاد تدرك أنك تتجول في الأردن، فالجدران مزينة بصور الملك عبدالله الثاني، والأطباء مصبوغون بصبغة البتراء وجرش وعمان، ولوحات التقويم السنوي، لم تخل من مناظر خلابة التقطت في مناطق مختلفة من الأردن.
 
جلسنا إلى المدير في مكتبه، واستقبلنا بتقديم الحلويات والقهوة، قبل أن نتحدث معه حول طبيعة ما يختزنه هذا المستشفى من كوادر ومعدات، دفعت مئات الناس يتوافدون يومياً لتلقي الخدمة العلاجية منه، فقال: " تم إحضار كل الأجهزة التي لها علاقة بالاختصاصات التي وصلت المستشفى، وتم رزم وشحن الأجهزة الجراحية اللازمة لكل اختصاصي، وبناء عليه، فإن كل الأجهزة ذات العلاقة متوفرة في المستشفى".
 
وأشار إلى أن المستشفى يحتوي على اختصاصيين في 17 تخصص، منها، جراحة الأعصاب والدماغ، جراحة أوعية دموية، جراحة عظام، جراحة تجميل، جراحة الوجه والكفين، جراحات نسائية، جراحة المسالة البولية، تخدير وإنعاش، جراحة عامة، جراحة الصدر، جراحة العيون، الجراحات الأذنية، المختبرات، الأشعة التشخيصية، اختصاصي أطفال، واختصاصي باطنية عامة وغيرها.
 
وعن طبيعة العمليات التي يتم تنفيذها في المستشفى، وهل منها عمليات خاصة ودقيقة جداً، لفت بدير النظر إلى أن العمليات التي تم إجراءها في المستشفى حتى الآن تجاوزت الـ 770 عملية بين عمليات صغرى وعمليات كبرى، منوهاً إلى أن معظم العمليات الكبرى التي تم إجراءها في المستشفى هي من العمليات المعقدة، وتم الترتيب لها مسبقا من خلال القطاعات الطبية في غزة لتحويلها للخارج".
 
وذكر بأن المستشفى أجرى عمليات معقدة على مختلف أنواعها، "فهناك عمليات تخص الجراحة العامة مثل عملية استئصال ورم بنكرياسي لأحد المرضى استغرقت 9 ساعات، وعمليات خلع الورك الولادي كثيرة، وغير ذلك الكثير".
 
وأشار على أن المقصود أن العمليات التي تمت في المستشفى، لم تكن مقصورة على جرحى حرب غزة، إذ إن الطواقم الوافدة كأي جسم طبي، قادرة على التعامل مع كافة الأمراض التي تحتاج عمليات جراحية أو حتى متابعات مرضية.
 
الدكتور بدير أكد أنه ليس خبير أسلحة ليستطيع- من خلال الحالات التي وصلته- معرفة ما إذا كانت إسرائيل استخدمت أسلحة محرمة دولياً خلال الحرب أم لا، مشدداً على أن الأطقم الطبية المتواجدة معه تستطيع التعامل مع أي حالة مهما كانت بكل يسر وسهولة، وتم إجراء العديد من هذه العمليات المعقدة، مثل عمليات ترقيع الجلد الناتجة عن حروق، أو عمليات كسور معقدة، وقال: "لك أن تتخيل أن تأتينا حالة بعد أسبوعين أو ثلاثة من الإصابة تكون الكسور قد التأمت بطريقة غير صحيحة، فإجراء العمليات لها يكون فيه نوع من الصعوبة، ويحتاج إلى خبرة عالية، فتم التعامل معها بكل يسر وسهولة".
 
وذكر بدير لـ "قدس برس" أن المستشفى تم اعتماده من قبل القطاعات الطبية في غزة كمستشفى يستطيع إجراء العمليات التي تقرر أن تحول إلى الخارج، وأوضح: "بعض الحالات تم التعامل معها هنا، بعضها تم التعامل معها كاستشارات طبية ولم تكن بحاجة لعلاج في الخارج أو حتى هنا".
 
تواجد هذا المستشفى بالكوادر الطبية المتواجدة فيه وخبرتهم الواسعة، كما أفادنا العاملون فيه، ليس مقصوراً على فترة معينة، متوقعين أن يستمر العمل فيه لسنوات، كما هو معمول في جنين ورام الله، "وطالما أن جلالة الملك يشعر أن أهلنا وإخوانا في غزة بحاجة إلينا فإننا سنستمر معهم"، حسب بدير.
 
معنويات جرحى الحرب الذين كانوا يصلون المستشفى عالية جداً، بغض النظر عن إصابتهم، وجميعهم ممتن للقيادة الأردنية التي بادرت بذلك، وفق بدير الذي أضاف: "شعرنا فعلاً أن أهلنا في قطاع غزة ممتنين ويشكرون باستمرار القيادة الأردنية، والطواقم الطبية، ولك أن ترى ما وصلنا من حلويات وكتب شكر وباقات ورود لا تعد، رغم شح الإمكانات، شعور رائع جداً، ونحن نبادلهم نفس الشعور، والأطقم الطبية عندنا تعمل لساعات طويلة جداً تتعدى 10 أو 12 ساعة في اليوم، ولولا أن هناك رغبة صادقة في العمل من قبل الطواقم الطبية، لما عملت بهذا العدد من الساعات".
 
كنت أتابع أثناء دخولي المستشفى حتى وصلت غرفة المدير، حركة غير عادية للمرضى والجرحى، وإقبال مهول من قبل الناس على هذا المستشفى الميداني الأول من نوعه في قطاع غزة، وسألت الدكتور بدير عن ذلك، فقال: "لولا أن هناك ثقة في المستوى الفني للطواقم الطبية لما جاء أحد، كما أن التعامل مع المراجعين يتم بسهولة ويسر، نشعر أن الناس تشعر بكل ارتياح لأن هناك احترام لمشاعرهم، فعندما يحس الناس بثقة واحترام، بالتأكيد ستجد هذا الإقبال الهائل من الناس".
 
إلى جانب الجانب الطبي، لم تغفل المستشفى القيام على تدريب عدد من الكوادر الطبية، إذ علمنا من العاملين هناك أن هناك أطباء وصيادلة، وممرضين عمليات يقارب عددهم على 17 شخصاً يتلقون تدريباً في المستشفى.
 
وذكر المدير الطبي للمستشفى "أن ردة فعل الأهالي جراء نجاحنا في علاج أبناءهم كانت مذهلة، ولفت إلى حالة المريض رمضان مقبل، الذي أجريت له عملية بنكرياس واستمرت عمليته 9 ساعات، لما خرجنا من غرفة العمليات ورأينا الأهل، الصراحة لم نستطع أن نتكلم معهم، لأنا رأيناهم يبكون ويزغردون، من الفرحة، وتمالكنا الشعور نفسه، لم نتمالك أنفسنا".
 
مكافئات مادية، لم نرها لأن المستشفى أرجعها لأهلها، شهادات تقدير، وباقات ورود، ولوحات تشكيلية، وعلب حلوى، رأيناها، كانت نتاج الشعور المرهف من قبل الأهالي المكلومين لإدارة المستشفى التي لم تقصر في تقديم الخدمة كاملة لأهل غزة، كل ذلك، قال فيه بدير: "هذا الشعور لا نلاقيه في أي مكان آخر".
 
كان يجلس على كرسي مقابل لي في مكتب المدير الدكتور علي العبوس مستشار الجراحة العامة والأورام في المستشفى الأردني، والذي أكد على أن رغبته في مساعدة الأهل في غزة تفوق مسألة تنفيذ أوامر القدوم إلى غزة.
 
وبدا شعور السرور على وجه الدكتور العبوس أنه استطاع أن يقوم، كما قال، "بشيء من واجبنا تجاه الأهل، ولولا وجودنا هنا لكان بالإمكان أن يحرم هؤلاء من المساعدة الطبية".
 
أما نائب مدير المستشفى ومستشار التخدير الدكتور إبراهيم الخصاونة، فأجاب على سؤال فيما لو طلب منكم العودة مرة ثانية إلى غزة لعلاج أهلها: "نحن جاهزين لخدمة الأهل في غزة، شعب مضياف، شعب صامد صادق، لم نشعر بغربة أبداً ونحن معهم، أنا شعرت أنني انتقلت من بيتي لبيتي، وأول ما استقبلنا الأهل هنا قالوا لنا نحن الضيوف، وأنتم أهل الدار، ولمسنا هذا الكلام على أرض الواقع".
 
ومن خلال تواجده في غزة، لم يشعر الخصاونة أن أهل قد فقدوا الأمل جراء ما يعانون، وقال: "وجدتهم صابرين، معنوياتهم عالية، لكن للأسف وجدت أن أكثر الإصابات من الأطفال، وأكثر من 50 % من إصابات الأطفال هي تشوهات خلقية، والواجب دفعنا أن نعمل عمليات مسائية حتى نقضي على الازدحام في ليستات العمليات، وكنا أحيانا نضطر لعمل عمليات حتى الساعة 8 ليلاً".
 
تحدث الدكتور الخصاونة لـ "قدس برس" حول حالات إنسانية مرضية جاءت إلى المستشفى، أثرت في الأطباء بشكل كبير، مؤكداً على أن العاملين كانوا يطيرون من الفرح حين يجدوا الأمل يعود إلى مريض بعد نزف لأيام أو مرض لسنوات.
 
تجولنا في أروقة المستشفى الذي كان عنواناً للنظافة والترتيب والنظام، التقينا المريض رمضان أحمد مقبل (65 عاماً) صاحب عملية الـ 9 ساعات، والذي قال لنا: "لقد وجدت أحسن معاملة في الدنيا هنا، رعاية 24 ساعة، الأطباء يبذلون جهدا جبارا وكبيرا جدا، والله ربنا يوفقهم ويوفق جلالة الملك عبد الله".
 
ووجه مقبل تحياته العطرة إلى القيادة الأردنية، التي، وفق قوله، "ضحت بكل شيء لإنقاذ حياة المرضى في قطاع غزة بسبب الحصار الظالم علينا".
 
واختتم بالقول "حالتي كان يرثى لها، يمكن لو قعدت 3 أو 4 ساعات أخرى دون علاج لمت، لحقوني بالعملية، عمليتي استمرت 9 ساعات، أكبر عملية في التاريخ، الله يوفق الأطباء"، كما قال.
 
أما والد الطفل عبد العزيز قديح 3 سنوات، والذي أجرى له الأطباء عملية خلع الورك الولادي، فأثنى على معاملة الأطباء هناك، شاكراً للأردن قيادة وشعباً هذه الخدمة المتميزة".
 
أم أسامة الشغنوبي (52 عاماً)، كانت آخر من التقينا في المستشفى، حيث أكدت أنها تجد كل ما تريد في المستشفى.