صحيفة العرّاب

الروابدة: وجود أغلبية برلمانية.. يسحب الحق من هذه الأغلبية في أن تنتقد الحكومة

الإصلاح ضرورة حياتية يحتاج إلى معادلة، جزء منها إرادة سياسية وآخر يتعلق بالقوى المجتمعية الموجودة وتوفر الإرادة

كثير من الأحزاب التي كانت من أشد الدعاة للديمقراطية حين وصلت للحكم كممت أفواه الناس لأنها "صاحبة الديمقراطية لخطوة واحدة"
إضافات جديدة يضعها المخضرم السياسي عبد الرؤوف الروابدة في طريق الإصلاح السياسي المنشود، ويعتبر الإجابة على "ما هو شكل الإصلاح الذي نريد؟"، أهم من توجيه سلسلة انتقادات لا تفضي الى نتيجة.
 
فبرأيه أن حجم التذمر السياسي وسط غياب تحديد الرؤية، أزمة لن تنقلنا خارج مربع النقد لصالح أشياء أخرى، ويقول في الإصلاح إنه لا يعني بتاتا أن هناك أمرا "خربانا"، وإنما "هو عملية تطوير مستمرة الى الأفضل".
 
ويشير رئيس الوزراء الأسبق خلال حوار مع "الغد" إلى أن الإصلاح لا يمكن استيراده من أي مكان في الدنيا، لأن نظام أي دولة نابع من حاجات المجتمع والمتغيرات التي يعيشها، وبالتالي فإن النظام خاضع للتطور بتطور المجتمع.
 
الروابدة يواجه حقيقة أننا لم نصل عبر المبادرات الوطنية التي أعطت وصفاتها في الإصلاح السياسي لرؤية تنفيذية بسبب أن "أحدا لم يأت ليترجم هذه القرارات العامة الى قرارات تنفيذية".
 
في تفسير العلاقات الحكومية النيابية، يسجل النائب في مجلس النواب الأردني منذ عام 1989 رؤيته، فهو يعتقد في ظل وجود أغلبية برلمانية، فإن الحكومة ستكون ممثلة لها. ما يسحب الحق من هذه الأغلبية البرلمانية في أن تنتقد إجراءات حكومية. ويضيف أن صاحب الأغلبية يجبر الحكومة على ما يريد. "فإذا لم يجبرها فهو أكثرية للحكومة!".
 
عمدة عمان الأسبق عبد الرؤوف الروابدة الذي نبه مبكرا لفكرة الأقاليم في المملكة، يعتبر أن الفكرة "إدارية لا تنموية"، ويرى أنه من الواجب أن نبدأ في الإدارة، لنصل الى النتيجة الحتمية: التنمية.
 
ويقدم تصورا من خلال فكرة الأقاليم، يحاكي كنه وتفاصيل الحالة الأردنية السياسية والاقتصادية والتنموية، يتجاوز الترهل لصالح فكرة التغير فيها من دون إثارة علامات استفهام.
 
ويلتقي على فكرة أن يجيب مشروع الأقاليم على أسئلة الرقابة والتشريع، في ظل غياب مجلس النواب عن دوره بسبب تشابك العلاقات والمصالح مع الحكومة.
 
وفي ما يلي الحوار:-
 
* الحكومة ما بعد التعديل الوزاري، وعدت بإعادة النظر في القوانين الناظمة للحياة السياسية، ومنها قانون الانتخاب، وقد تكرر لدى حكومات عدة، لكن الاصلاح السياسي مايزال المطلب المتجدد الذي لم ينفذ؟ هل يمكن ان نتفاءل مع هذا الوعد الاخير؟
 
- اولا، كل أمر في الدنيا يحتاج من حين لآخر الى إصلاح، والاصلاح لا يعني بتاتا ان هناك أمرا "خربانا" وظيفتك أن تصححه، انما هو عملية تطوير الى الأفضل. الاصلاح في كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والادارية والتربوية ضرورة من ضرورات الحياة، يحتاج الى معادلة، جزء منها إرادة سياسية من السلطة الحاكمة، وجزء يتعلق بالقوى المجتمعية الموجودة وتوفر الإرادة لديها، ثم تلتقي الإرادتان، ثم نحاول ان نجد وسائل الوفاق، ويعني ذلك انه ليس شرطا ان كل ما تطلبه ينفذ، ولكن التوافق الذي يتم بين القوى هو الامر الأفضل.
 
ثانيا، الاصلاح لا يمكن استيراده من اي مكان في الدنيا، لأن نظام أي دولة نابع من حاجات المجتمع والمتغيرات التي يعيشها، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وبالتالي هذا النظام، سواء أكان تربويا أو صحيا أو اجتماعيا أو قتصاديا أو سياسيا أو انتخابيا أو حزبيا، هو نظام خاضع للتطور بتطور المجتمع، والتطور عادة ما يأتي على دفعات تدريجية، لأن التطور الفجائي لا تستطيع ان تحسب نتائجه والقدرة على استيعابه، وقد يأتي بمردود سلبي على المجتمعات، وهو ما يسمى "بالانفجارية"، التي لا تحدث الا بالانقلابات، وآثارها معروفة.
 
في يقيني ان الارادة السياسية في الاصلاح موجودة، لكن الاسلوب متروك للحكومات لكي تقوم به، ومتروك للقوى العاملة والفاعلة في المجتمع بأن تلتقي حول رأي مشترك في هذا المجال.
 
اولا، انا فوجئت بأن الحكومة وبعد التعديل وفي أول جلسة، طرحت هذا الموضوع، وليست مفاجأتي بمفاجأة الغاضب بل مفاجأة المعجب، وامنيتي ان يجد وعدها امكانية التنفيذ.
 
اذا كان الموضوع طرح للحوار، فيصبح الحوار هو الهدف وليس الاصلاح هو الهدف! واي حكومة لا بد ان يكون لديها فكرة موضوعية عن صيغ الاصلاح، وتأتي في لقاءاتها من اجل تسويق ذلك. فلا يعقل ان تأتي مكونات المجتمع للقاء على رأي موحد تطرحه على الحكومة حتى تتبناه الاخيرة، بل لا بد ان يكون عندك كحكومة رأي وتصور تطرحه على الآخرين لتتلقى ردود الفعل، وتطور هذا المقترح، بحيث تتمكن من الحصول على توافق غالبية قوى المجتمع، ثم تطرحه على مجلس النواب.
 
وأتمنى ان تتمكن الحكومة خلال مدة قصيرة، في الدورة الاستثنائية للنواب، طرح مثل هذه القوانين، وأتمنى ان أراها، أتمنى ان أعرف الفكرة التي وراءها.
 
ثمة كثيرون ممن يتحدثون عن الاصلاح يتحدثون بالعموميات. يقولون نحن بحاجة لإصلاح، ما هو شكل الاصلاح الذي تريد؟ لنأخذ مثلا قانون الانتخاب، كل دولة في العالم لها نظام انتخابي يختلف عن الأخرى. لا توجد دولتان لديهما نظام انتخابي واحد. ايضا، لا يوجد نظام انتخابي في الدنيا يسمى بالنظام الانتخابي المثالي. بالمناسبة، كنت سأصدر كتابا خلال الاسبوعين المقبلين حول انظمة الانتخاب في العالم ومقترحاتي، ثم أوقفت المشروع عندما سمعت عن نية الحكومة واعتزامها إصدار قانون، "ليطلع بعدين إحنا بنحط العصي بالدواليب، وخلينا نرى ما يطرحوه هم".
 
كثيرون في الحكومة او في قوى المجتمع، يطرحون افكارا مطلقة. القانون "عمره ما كان أفكارا مطلقة"، والقانون يترجم الى واقع تطبيقي.
 
90% من محتويات قانون الانتخاب لا نقاش فيها، البطاقة الانتخابية والتصويت بالهويات. ما هو غير متفق عليه هو الدوائر الانتخابية وعدد نواب كل دائرة وصيغة الانتخاب، هل هو فردي او مجموعة او مختلط، او نسبي.
 
كل هذه الأفكار مطروحة بعموميات لا معنى لها، لأنك عندما تأتي لعملية التطبيق ستكتشف ان هناك هموما لا تحلها هذه الأفكار العامة.
 
* ألم تحل توصيات الأجندة الوطنية، هذه المشاكل والعقد التي تتحدث عنها؟
 
- لا أعتقد، الاجندة لم تقدم حلا، بل قدمت أفكارا. واسمح لي ان نختلف. أنت تريد ان تزوج ابنك، فتقول: قررنا زواج الولد. جيد و"كثّر خيرك"، لكن هذا القرار لا قيمة له اذا لم يكن معك نقود لزواجه، او اذا لم تحدد العروس التي تريد ان تطلبها له، او ان كان أهلها سيرفضون.
 
الاجندة الوطنية طرحت بديلين، لكنها لم تترجمهما الى واقع. وعندما تتحدث عن النسبية (القائمة النسبية المقترحة في قانون الانتخاب)، هل النسبية للأحزاب؟ إذا كانت لأحزاب فأنا لا اعتقد ان هناك حزبا متجذرا سوى واحد (يقصد العمل الإسلامي)، لذلك فإن هذه الاحزاب سترتكز على العشائرية والطائفية والإقليمية في اختيار المرشحين من اجل تكوين قوائم. أي ان ما نشتكي منه الآن سنحوله من مكان الى آخر. الأصل في النسبية ان تقوم على حياة حزبية متجذرة. اما اذا كانت القوائم ستشكل على شخصيات سياسية، فهي لن تختلف عن الواقع القائم حاليا (الصوت الواحد).
 
الأمر الثاني، هذا الجيل الصاعد (الشباب) اين سيكون دوره في القائمة النسبية؟ فرسان التغيير؟ لأنك عندما تطرح الامر على مستوى المملكة ستنجح الاسماء اللامعة وتأخذ الاصوات، فأين اصبحت فرصة الجيل الصاعد؟ انا أتحدث عن العقبات التطبيقية التي لا نجد أحدا يدخل فيها.. الى نقاط التنفيذ.
 
كيف ستحل مشكلة الكوتات؟ في الانتخابات القائمة على قائمة نسبية؟ "يمكن (كوتة) البادية الأهون، فيمكن تحويلها الى مكانية"، لكن الطائفية والعرقية والمرأة، كيف ستترجم هذه (الكوتات) ضمن إطار النسبية؟ لا يجوز إطلاق العموميات، لأن قانون الانتخاب حرفي. لك حق التصويت وليس لك حق التصويت، نصوص حرفية. لك حق الترشيح وليس لك حق الترشيح.
 
لندخل فيه بجدية. حجم الدائرة هل هو كبير أم صغير؟ نقل الاصوات: هل يسمح بالنقل، وعلى أي اساس، هل يبقى المعتمد هو مكان الولادة ام نحدد مكان الإقامة كمكان للانتخاب؟ هذه امور لا يتحدث احد عن حلها، ولم يناقشها احد حتى الآن.
 
* أليس غريبا، وقد شرعنا في نقاش منظومة الاصلاح السياسي منذ عام 2003 وعبر حوارات الاردن اولا والأجندة الوطنية وكلنا الاردن، اننا لم نصل الى نتيجة، او لم نطرح مثل هذه الإشكاليات في قانون الانتخاب؟
 
- لم نصل لأنه لم يأت احد ليترجم هذه القرارات العامة الى قرارات تنفيذية. كل اللجان الثلاث تكلمت في عموميات. ترجمة هذه العموميات الى مشروع قانون تصبح متاهة، لأنه حينها تكون قد طلبت مني ان أبدل رأيي في كيفية التوزيع (للدوائر والمقاعد).
 
دعني اعطيك مثالا. عندما كنت رئيسا للحكومة، طالب احد الحزبيين في اجتماع عام باعتماد الدائرة الفردية في قانون الانتخاب، اي ان يكون للدائرة الواحدة نائب واحد. قلت انا موافق، بشرط واحد، هو ان تقوم انت (الحزبي) بتقسيم مدينتك لدوائر انتخابية، فقال لي: لا استطيع، فقلت: اذن تريد ان تضعها في رأسي انا؟
 
مجرد ان تقول "اريد دائرة فردية" فأنت لم تضع حلا، لأنك لم تنزل للارض (الواقع العملي) لتطبيق هذا الكلام.
 
مجرد ان تقول اريد انتخابا نسبيا، لا تكون قدمت حلا، اذا لم تعط شكل وأسلوب النسبية وكيفية التقدم لها، فأنت لم تقدم شيئا.
 
والنسبية لها ألف فائدة، وبنفس الوقت لها ألف مضرّة (سلبية). فالنسبية لا يمكن ان تستخرج نتائجها في يوم ولا يمكن ان تكون أرقامها أرقاما بالنسبة. إذا اخذت 10% من مجلس النواب، وعدد مقاعده 110 لك أي 11%. طيب اذا جاءت النسبة 7.4، فكيف تحتسبها في المقاعد؟ انا ضمنت رأيي في كتاب، ففي الامر حسابات ومعادلات طويلة.
 
طبعا، انا لا اقول ذلك لانني ضد النسبية، فأنا لست ضد اي قانون انتخاب ولا يزعجني عندما يأخذ موافقة أغلبية الناس. لكن اريد ممن يطلبه ان يترجمه الى اسلوب تنفيذي واقعي.
 
عندما تقول النسبية، فهل تريدها على مستوى المحافظة ام على مستوى المملكة؟ على مستوى المحافظة التطبيق غير ممكن، فالمحافظة التي عدد نوابها اربعة، فأي نسبية "تزبط" على اربعة. اذا قلت على مستوى الاقليم اريد منك ان تقول كيف يمكن ان تتم الدعاية الانتخابية؟ نحن نريد شرحا لكيفية تنفيذ العملية المقترحة.
 
* حسنا، اذا جئنا الى قانون الصوت الواحد، المعمول به منذ عام 1993، فثمة رفض له من قبل الكثيرين. لكن، كأننا نفهم من كلامكم انك تفضل الصوت الواحد على القائمة النسبية؟
 
- كلا. أنا اعتقد ان لهذا القانون المعمول به (الصوت الواحد) من المثالب ما تؤلف به كتابا، ولكنك لن تستطيع ان تخرج نظاما ليس فيه مثالب. أنا قلت ان العالم كله يطبق أنظمة متمايزة ومختلفة، ووظيفتك ان تجد قانونا اقرب الى واقع الناس، واقرب الى التعامل مع الناس، ولن تجد ما يرضي تماما، لكن 80% أفضل من 70% و70% أفضل من 60%.
 
وأنا لست مع اي صيغة من صيغ النظام، وكل واحد له عقدة، وبعضهم يشاغب ويقول ان القانون الحالي رسخ العشائرية، وأنا أقول ان الصوت الواحد فتت ودمر العشائرية، وألغى وجودها ووزنها. بالعكس عندما كان الصوت جمعيا، للصوت اكثر من نائب للدائرة الواحدة (نظام القائمة الذي طبق في انتخابات 1989)، فقد كان بإمكان العشائر ان تتحالف وتتجمع. مع ذلك، فإن نظام الصوت الجمعي (القائمة) ايضا لا يمثل آراء الناس، لان اي واحد لديه 10% من أصوات الدائرة فإنه يستطيع ان ينجح كل نواب الدائرة، والبقية يتفتتون.
 
وكل نظام له مثالب وله حسنات. أنا أقول تعالوا لنلتقي على نظام انتخابي واحد ممكن التطبيق، ونضعه في صيغة تطبيقية لكي نجربه، واذا لم يكن كذلك، فلن ننجح.
 
انا افضل النائب الواحد للدائرة الواحدة، لكن المشكلة في غياب الحزبية، فلو كانت الحزبية متجذرة لدينا لكانت القائمة النسبية هي الانسب بين وسائل الانتخاب، وليس شرطا ان تكون على مستوى الوطن، يمكن ان تكون على اجزاء، لكن المشكلة في النسبية انها تريد حزبية، فهل لدينا حزبية حقيقية ومتجذرة في البلد؟ انا لا اعتقد. عدد الحزبيين في بلدنا لا يتجاوز عشرة آلاف مواطن، لذلك غياب الحزبية، يصب في صالح القوى المتحكمة في المجتمع، سواء السلطة الادارية او سلطة المال او سلطة التدين او العصبية، وكل هذه القوى موجودة بسبب غياب الحزبية وليس بسبب قانون الانتخاب، لأن الانسان كائن اجتماعي يريد ان يكون جزءا من مجموعة، واذا لم يجد المجموعة الحزبية فسيلجأ لمجموعة أخرى.
 
* قانون الانتخاب قد يكون آخر حلقة في القوانين الناظمة للحياة السياسية، ولكي يؤتي ثماره، يجب ان تسبقه حزمة قوانين ناظمة للحريات العامة، لكن كل هذه القوانين عليها انتقادات ولم نتقدم في إصلاحها، ما رأيك؟
 
- لدي مآخذ على كل شيء، لكن انا لا أناقش بهذه الطريقة. مثلا، عندما يأتي أحدهم ويقول لي هناك مآخذ مثلا على قانون الاحزاب، أقول له "كثّر خيرك، ما في اشي بالدنيا ما عليه مآخذ". وعندما يأتي احدهم ويقول "70% من الناس ما بحبوا مجلس النواب، قول "مزبوط"، لأن الذين نجحوا (من النواب) أخذوا 15% من أصوات الشعب الاردني، اذ ان 85% زعلانين، أصلا حكما هيك تحسب".
 
اذا أردنا أن نكون موضوعيين، فما هي المآخذ على مجلس النواب لأناقشك؟ لا ان تقول لي ان 70% ما بحبوا مجلس النواب.
 
* قلت إن الحزبية غير متجذرة عندنا، وان عدد الحزبيين المنظمين في الاردن لا يتجاوز عشرة الاف ربما، لكن في كثير من الدول يكون عدد اعضاء الاحزاب قليل، لكن لها امتداد او حضور شعبي يؤازرها في الانتخابات، فليس المهم اساسا عدد اعضاء الحزب؟
 
- اين هذا؟ دلني على الدول الحزبية وعدد اعضاء الاحزاب فيها يكون قليلا.
 
* اعطيك مثلا من الاردن، فحزب جبهة العمل الاسلامي قد لا يتجاوز عدد اعضائه اربعة آلاف شخص، لكن تأثيره وحضوره شعبيا كبير نسبيا، ويحصد في الانتخابات عشرات الآلاف؟
 
- ارجوك، دعنا نرى مثالا آخر، ودع جبهة العمل الاسلامي جانبا. "بدنا نحكي" عن حزب آخر لديه مرشح له وزن وليس ابن عشيرة. أتحدى ان يكون أي حزب آخر في الاردن استطاع ان ينجح نائبا لم يكن ابن عشيرة باستثناء الاسلاميين.
 
اذن هناك استثمار من قبل الحزبيين لقوى موجودة خارج الحزبية، إما قوى طائفية او عشائرية او عرقية او جهوية. عندها لا تقل لي ان بعثيين نجحوا، او شيوعيين نجحوا، قبل ذلك اسألك بأية صفة ترشحوا وفازوا؟
 
* في التجربة السياسية الاردنية الحديثة، لو كنا جربنا وسمحنا بحضور الاحزاب في مجلس النواب الخامس عشر عن طريق القائمة النسبية، حتى لو كان بنسبة صغيرة، وأثبتت حضورا تشريعيا ورقابيا، ألم يكن ذلك يدعم تجذر الحزبية؟
 
- "انا مبسوط عليكوا". اذن، انتم تريدون كوتا. انتم ضد الكوتا وتريدون كوتا للأحزاب! "كثّر خيركو". الليلة سأشكل حزبا من 10 آلاف ما دام هناك كوتا. وانظروا، التيار الوطني صار يعد 5 آلاف عضو. انا انصح بعدم الخوض في هذا الكلام، لأن هذا ضرر يقع علينا.
 
نحن نريد بيئة حزبية متجذرة، وحزبا على الارض وله وزن بين الناس، وليس ان تصنعه أنت ولا وزن له. أنا لست ضد الحزبية، فبلد من دون حزبية لا ديمقراطية فيه. لكن، لماذا تأخرت الحزبية؟ فليناقش الحزبيون ذلك؟
 
* إذن كيف نبدأ برأيكم؟
 
- الحزبية عادة تعيش في الانظمة الديمقراطية. لا تكون مبدأ، لأن العقيدة أو المبدأ ليسا حزبا. الاصل في الحزب هو انه مجموعة من الناس، لهم فكر سياسي اقتصادي اجتماعي، يعملون للوصول الى الحكم او المشاركة فيه بأسلوب سلمي. لا احد فيهم يقول انا أملك الحقيقة فقط، بل الحقيقة هي ما تتفق عليه الاغلبية. والأغلبية وما تريده هي الحقيقة. اذا قالت الاغلبية نريد دائرة فردية، فتكون الدائرة الفردية هي الحقيقة والصح، وان قالت النسبية فهو كذلك.
 
الاحزاب عندنا، احزاب عقائد، وبالتالي الحقيقة عندها وحدها، وليست عند احد سواها. هذا ينطبق عليها كلها. وورثناها، بدأت بالحزب الشيوعي، ثم بدأت الاحزاب الدينية، وبالتالي هذه عقائد. الأحزاب التي عاشت في العالم، هي الاحزاب التي عاشت في الدول الديمقراطية، ولها برنامج حكم، يحدد ماذا تعمل بالمياه والكهرباء والفقر والبطالة. هذه القضايا التي تهم المواطنين ويتعايشون معها، ويختارون الحزب الذي يتحدث حول هذه القضايا وليس الحزب الذي يتحدث عن مسلمات. وبالتالي ليس لدينا حزبية.
 
ورأينا كثيرا من الاحزاب التي كانت من اشد الدعاة للديمقراطية، وعندما وصلت للحكم كممت أفواه الناس، ومنعت اي رأي آخر، لماذا؟ لأنها أصلا "صاحبة الديمقراطية لخطوة واحدة"، أي انا ديمقراطي لأصل للمسؤولية.
 
نحن نريد الاحزاب البرامجية، أو ان تتطور أحزابنا القائمة الى برامجية. هم لا يسمعون رأيا غير رأيهم، واذا أبديت رأيا غير رأيهم، فإنهم ينعتونك بالعميل والرجعي و"الانالوج". لا يقبلون الرأي الآخر. اذن نحن لا نتكلم عن ديمقراطية. الديمقراطية هي في الاصل ان نختلف في الرأي و"نبقى حبايب"، ونبقى شركاء في الوطن لأنه للجميع وليس لواحد فينا.
 
*كنت أنت من السباقين، في اوائل التسعينيات، ممن شكلوا أحزابا غير عقائدية، فكانت تجربتك مع حزب اليقظة. لكنها تجربة انتهت بسرعة، رغم انها غير عقائدية، فأين الخلل؟
 
- الخلل في ذهنية المواطن، التي تربت على فكرة الحزبية العقائدية. وباتت العقائد جزءا من تكوينه الشخصي، لذلك عندما تأتي لأي شخص تريد ان تنظمه حزبيا، فإنه يسأل عن المبادئ التي تقومون عليها.
 
ثمة فرق بين الأفكار والمبادئ. لأن الأصل في الحزب ان يجمع المتدين وغير المتدين، اليميني واليساري، لأنهم يتفقون على برنامج، وهذا هو الجانب الاساسي.
 
الجانب الثاني، هو الفشل الذي قامت به هذه الاحزاب عندما حكمت في دولنا العربية المتعددة، فأين هو النموذج الداعم لفكرة الحزبية؟
 
الامر الثالث، ان حزبياتنا توسلت العسكرتاريا للوصول للحكم. والعسكرتاريا لما وصلت للحكم دمرت الديمقراطية. ليس ذلك فقط، بل ان آثار الديكتاتورية على الأفراد تمتد لأن تجعلهم يخوفون أولادهم من الحزبية.
 
هناك رعب في ذهن المواطن العربي والأردني بشكل خاص من الحزبية، لأنه يرى آثارها. أضف الى ذلك، ان لقمة العيش اصبحت هي الاهتمام الاساسي للمواطن العربي، باستثناء تلك الدول الغنية (الخليجية)، وبالتالي فالمواطن يركض وراءها دون النظر الى اي شيء آخر.
 
* أين الحكومة ومؤسسات الدولة، السياسية والأمنية، من ذلك؟ اين ما تتحمله من مسؤولية عن غياب الحزبية والديمقراطية وضعفها؟
 
- أنت تطالب المؤسسات الرسمية في العالم العربي بأن تتنازل عن صلاحياتها طوعا، فعندما تتشكل أغلبية برلمانية وتعددية برلمانية حينها تتوقع ان تبدأ آثارها. لكن عندما تكون الاغلبيات في عالمنا العربي مصطنعة! فلماذا ستكون الحكومات منزعجة؟ و"من شو؟ فهي رامية بعصاتها ومرتاحة ونايمة ليلها الطويل".
 
* دخلنا الى الحياة النيابية. انتم عاصرتم مجلس النواب منذ 1989، لكن في هذا المجلس ثمة تركيبة نيابية جديدة وخاصة. هناك كتلة برلمانية كبيرة وواسعة، وهناك كتلة اخرى حليفة لها. اليس هذا الواقع النيابي مثاليا؟
 
- انا اعتقد الآن ان الاغلبية البرلمانية موجودة. لذلك، فالحكومة ممثلة لهذه الاغلبية البرلمانية. اذا ليس من حقها ان تنتقد اجراءات حكومية. لأنك انت صاحب الاغلبية وصاحب الاغلبية يجبر الحكومة على ما يريد. اذا لم يجبرها فهو أكثرية للحكومة!
 
* هل قامت هذه الكتل الكبيرة التي أنت بعيد عنها، بشكل طبيعي؟
 
- لا اعتقد ان الولادة طبيعية، و"ليزعل من يزعل". لا يعقل ان يلتقي 65 نائبا لا يعرفون بعضهم في ليلة واحدة واذ بهم كتلة واحدة. لا يعقل، لا بالعقل ولا بالمنطق، ولا بأي اساليب أخرى.
 
هذا لا يعني اني لست معجبا بالكتلة. هذه الكتلة حق مطلق للنواب الذين شكلوها. لكن الحق المطلق ان الحكومة صارت تمثلهم، لانهم يملكون إبقاءها او مغادرتها. اذن، فإن أي نقد للإجراءات الحكومية هو نقد لهم. وانا لا اعترض على حجم الكتلة حتى لو وصلت الى 70 نائبا، لكن يجب ان يتحملوا مسؤولية اغلبية برلمانية، وهي ان المسؤولية عما تقوم به الحكومة من عمل، هي مسؤوليتهم، لأنهم هم الرقيب عليها. ويستطيعون إيقافها عند حدها بأي موضوع.
 
مثلا تحدثوا عن الغاء التوجيهي، وكنت اتوقع ان يلغى التوجيهي خلال اسبوع!
 
* هل العلاقة مشوهة بين هذه الكتلة الاغلبية والحكومة؟
 
- انا لا اعرف، هم يعرفون شكل علاقتهم بالحكومة. هذا لا يعني اني لست مع الحكومة، لكن انا مع الاجراء الصحيح، اؤيده والاجراء الغلط انتقده. هم لا يمتلكون هذا الحق، لأنهم اغلبية، هم لا يملكون حق النقد فقط لانهم يملكون القدرة والحق بإيقاف الحكومة عند حدها فيما ينتقدونه.
 
*هل تتوقع لهذه التجربة أن تستمر، وسط حديث عن انتقادات نيابية قادمة للحكومة ومن الاغلبية النيابية؟
 
-اعتقد أن هذه ارهاصات لما جرى في العام السابق، واعتقد انه يجب لهذه الارهاصات ان تأخذ مداها، بمعنى لا يجوز ان نحبطها نحن، ونحكم عليها مسبقا، ودعنا نرى وننتظر النتيجة، بمعنى آخر هل ستستمر العلاقة مع الحكومة بنفس زخمها السابق؟، هل ستستمر الكتل بنفس شكلها وقوتها السابقة؟، هل سيكون لها تأثير على الاجراءات الحكومية من عدمها؟
 
* فكرة الأقاليم منذ ان خرجت، ومرورها في مراحلها، لكنها لم تكتمل بعد، ووصلت الى طريق مسدودة لمشروع قانون الاقاليم، هل ستواجه فكرة الاقاليم ما واجهته مبادرات أخرى، لم تر النور تنفيذيا؟
 
- لا، هناك قانون، ومشروع قانون، وضعته اللجنة الملكية، والقانون جاهز، ودعه يأخذ مداه، وانا اعتقدت عندما اطلعت عليه انه قانون انتخاب.
 
*هل لديك رأي مختلف عن الرأي السائد في الاقاليم؟
 
- اولا هذا مشروعي، منذ عام 1992 وانا اتحدث في الموضوع، والآن عندي مذكراتي من 1992 تتحدث عن هذا الموضوع، وقدمت مذكرة لجلالة سيدنا الله يطول عمره الملك عبدالله الثاني، عن الموضوع وبعد ذلك بمدة تشكلت اللجنة الملكية، وانا كنت "بحكي عن موضوع تطوير اداري وليس تنمويا"، لأنني على قناعة ان الرافعة الاساسية والحقيقية للتنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، هي الادارة، فإذا لم تتطور سواء المركزية منها او المحلية، لن يكتب نجاح جيد للعملية التنموية في المجالات المختلفة.
 
وكان منطلقي من غياب الحركة الحزبية الناشطة ما جعل العملية الانتخابية النيابية شكلية، لأن مجلس النواب له وظيفتان رئيستان، التشريع والرقابة، والتشريع ليس مشكلة، في أي مجلس نواب في العالم، لأنه عادة هناك خبراء تشريع ومفكرون سياسيون، يبدون الآراء في هذه المشاريع.
 
اما الاخطر والاهم في العمل النيابي فهو رقابة الحكومة، او الرقابة السياسية على تصرفات الحكومة، وحتى تكون تصرفاتها ملبية لمصلحة الوطن وحاجات المواطنين، فيجب ان توضع بيد الشعب، والنواب ممثلو الشعب، ولسوء الحظ ولغياب حركة حزبية تحمي النائب، ولأن النائب فرد بذاته في مواجهة الحكومات وليس لديه حماية حزبية تسنده، والحماية هنا - بمفهوم العمق الحزبي والفكر الحزبي والدعم في الرأي والمشورة البرامجية - لذلك اصبح عنصر القوة لدى النائب امام ناخبيه هو ما يقدمه من خدمات، وأعني الخدمات الشخصية، فالخدمات العامة هي من مسؤولية النائب: المياه والكهرباء والطرق.
 
والخدمات الشخصية ليست موجودة إلا عند الحكومة. فأصبحت وظيفة النائب ان يركض وراء الحكومة للحصول عليها، فيسترضيها، والحكومة بحاجة للنائب للثقة بها والسكوت عليها، فتعطيه هذه الخدمات وهو يعطيها الولاء، فراحت واختفت عملية الرقابة، فكيف يحل الأمر؟
 
كانت فكرتي ان نرفع الخدمات من الحكومة المركزية، وليس التغيير في دور النواب، و"نكون شلنا الخدمات الشخصية من الحكومة المركزية، وعندما شلناها بطل النائب في مواجهة قاعدته الشعبية يعتمد على هذه الخدمات الشخصية". ثم ان الحكومة المركزية اصبحت اقدر على التخطيط والإشراف على التنفيذ والرقابة وتقييم العمل.
 
لكن "اذا شلنا هذه الخدمات اين يجب الذهاب بها؟"، يجب الذهاب بها الى الميدان، ففي الميدان تخدمنا مجموعة من الاغراض، الاولى، انها تكون اكثر تعبيرا عن حاجات الناس، لأنها قريبة اليهم.
 
الثانية، تكون عملية تدريب للقوى المجتمعية على القيادة التي يوما ما ستتطور الى نواب واعلى من ذلك، لأن التدريب بالعملية الديمقراطية تدريب على درجات، فليس مجلس النواب يمثل الديمقراطية، المجلس البلدي ايضا يمثل الديمقراطية، ومجلس المحافظة ايضا.
 
الثالثة، احساس المواطن بأنه اصبح شريكا والاغلبية الصامتة "بتروح". دعوة للمشاركة بأن يحضر اكبر عدد من الناس في صناعة القرار، و"بالتالي ببطل الشغب كاملا على الحكومة المركزية وبصير الناس يتحملوا مسؤوليتهم مباشرة وخدماتهم".
 
الآن المحافظات التي عندنا لا يجوز إرجاعها للوراء، وأن نرجعها ألوية، فهذا منطق مختل، والمحافظات الصغيرة ليس لديها البنية الاساسية للتنمية مع كل الاحترام لأهلها وسكانها، فأي وحدة ادارية تقل عن ربع او نص مليون ليس عندها بنية تحتية، ولا اقصد الطرق وما الى ذلك، اقصد هنا الانسان، والبنية الانسانية والمالية والواردات، حيث كل هذا غير موجود.
 
اذن لماذا لا نعمل مجموعات، وانا كانت تسميتي للأقاليم بالولايات، لأنها تسمية تاريخية، فأنت تأتي الى محافظات الشمال الاربع ولاية والوسط بمحافظاته الاربع ولاية، والجنوب كذلك، مع احتفاظ كل محافظة بشخصيتها، لكن ما الذي يحدث، انك تنقل الخدمات الى الميدان وعندئذ يترتب عليك أمران، اولا ان توفر لها التمويل ولهذا نحن لا نعتمد على اقتصاد المحافظات، بل نعتمد على دعم الاب الكبير، وموازنة الدولة تعطي المحافظات الاقل حظا دعما أكبر.
 
فلو أعطيت لإربد مثلا دينارا، تعطي للطفيلة دينارين أو ثلاثة، لأن وظيفتك ان تجعل الناس في نفس المستوى، فيكون دخلها الدخل المحلي زائد الدخل من الحكومة المركزية، هذا الدخل القادم من المركز للميدان يكون المسؤول عنه مجلس النواب، فإذا اخذت راحتها المحافظة من خلال ان المسؤولين عنها نوابها، الآن "لما تيجي على موازنة المدارس وأردت ان تنشئ 50 مدرسة في اقليم الجنوب، انت ما هي وظيفتك كوزير تربية في عمان ان توزعهم حسب الاكثر واسطة والاكثر ضغطا على الحكومات هم من يأخذوهم"، ونحن نقول لهم نحن وزعنا المدارس بواقع المحافظات الاربع: الكرك والطفيلة ومعان والعقبة، والاقليم يوزعهم كما يريد، وتصبح عملية التوسط بحدودها الدنيا، لأن الناس يعرفون حاجاتهم، ويعرفون قراهم وما تحتاج من مراكز صحية وشبكات طرق وكهرباء.
 
والأن حتى لا تتعنت القيادات المحلية، سنعمل مجلسا محليا منتخبا، لكن ليس له دور سياسي. ويحكي المجلس عن توزيع الموازنة وتوزيع الخدمات ويراقب تنفيذها. والأمر بهذه البساطة.