صحيفة العرّاب

مهرجان جرش... وما خفي أعظم!!؟ عندما يفيض الفن إنسانية وتتحول الثقافة إلى رسالة حياة بقلم بدران محمد بدران

 جرش

 
قد يرى البعض مهرجان جرش للثقافة والفنون مجرد احتفال سنوي يزهر بالفن والموسيقى، ويجذب آلاف الزوار لحضور العروض الغنائية والمسرحية، لكن من ينصت جيدًا لنبضه، ومن ينظر إليه بعين القلب لا بعين العقل فقط، يدرك أن ما خفي من جرش... أعظم بكثير من ما يظهر على مسارحه، فالحكاية الحقيقية هناك أعمق وأصدق، وهي حكاية إنسانية تتوشح بكرامة البسطاء، وتنبض بحياة مجتمعية كاملة.
 
 
 
 
هذا العام، لم يكن مهرجان جرش مجرد فعالية ثقافية أو تظاهرة فنية، بل تحول إلى جمعية خيرية بطابع ثقافي حضاري. دخل بيوت الأردنيين من أوسع الأبواب، وفتح لهم النوافذ نحو الأمل والعمل الشريف. فقد احتضنت ساحاته وخيامه منتجات النزلاء من مراكز الإصلاح، ومشغولات الحرفيين من قرى المملكة، وأعمال النساء الريفيات، وأبداعات ذوي الهمم، ليمنحهم فرصة حقيقية لعرض إنتاجهم أمام آلاف الزوار، ليس كمجرد “باعة”، بل كفنانين يحملون رسالة وقيمة.
 
مهرجان جرش عمل مدينة ودولة بأكملها. حرك عجلة السياحة، وأشعل الفنادق بالحياة، وأعاد للمطاعم والسائقين والتجار والمزارعين والفنيين والعمال فرصة عملهم، وفتح المجال أمام مئات العائلات الأردنية لتأمين لقمة العيش الحلال بكرامة. لم يكن مهرجانا فقط... بل كان بوابة تنمية محلية مستدامة، لا تقاس فقط بالأرقام بل بالقلوب التي نبضت بالفرح، والأيادي التي امتدت للعمل، والعقول التي آمنت أن الأردن بخير.
 
 
 
 
اليوم ، شعرت أنني لا أرى جرش بعيني فقط، بل أراه في عيون قلبي. وجوه أمهات يملأن الخيام بأطباق المونة، فتيان يعرضون منحوتاتهم الخشبية، فتيات يطرزن الثوب الأردني على مرأى من الزوار، مسنون يروون حكايات من الزمن الجميل... ومجتمع كامل يتحرّك بامتنان وحلم وكرامة.
 
 
 
 
الجانب الإنساني طغى على كل شيء. حتى العروض الموسيقية كانت محملة برسائل محبة وسلام، والموسيقى كانت تصافح أيادي المتعبين، وتربت على أكتاف الحالمين.
 
جرش هذا العام لم يكن فقط "حفلا على المسرح الجنوبي"، بل كان ساحة لقاء بين الدولة ومواطنيها، بين الحلم والحقيقة، بين الثقافة والتنمية، وبين الفن ووجدان الناس.
 
 
 
 
ولمن يشكك بأن الأردن بلد الأمن والأمان، فإن مهرجان جرش هو الجواب الأقوى. أن تقام هذه التظاهرة بكل هذا النجاح والتنظيم والانفتاح على الجميع، وأن يزورها آلاف من الداخل والخارج دون حادثة تذكر، هو دليل قاطع على أن الأمن الأردني ليس فقط حراسة للمكان، بل حاضنة للحياة الكريمة، ورؤية تنموية متكاملة.
 
جرش... موسوعة تروى بنبض القلوب وتكتب بحبر القلوب
 
إن مهرجان جرش ليس مجرد حدث ثقافي سنوي، بل هو موسوعة حية نابضة بالقصص الإنسانية والتنموية والأمنية والحضارية. هو كتاب مفتوح من فصول الإبداع والشراكة المجتمعية والمهنية الرفيعة، تروي كل زاوية فيه قصة، وكل ركن فيه يحمل حكاية. فلكل مشارك قصة، ولكل حجر قصة، ولكل خيمة قصة، ولكل فرقة موسيقية أو عرضية أو فنان مشارك حكاية تعبق بالفخر والعزيمة والإصرار.
 
جرش.... جبر الخواطر
 
جرش هو مثال رائع لجبر  الخواطر وللمهنية العالية في التنظيم، ومثال للخيرية من خلال ما قدمه للبسطاء، ومثال للتنمية لأنه منح أبناء المجتمع المحلي فرصة عادلة للعيش بكرامة. هو مثال للحضارة التي تعانق العصر، ومثال للتطور الذي لا ينسى جذوره، ومثال للتاريخ الذي لا يمحى، ومثال للمستقبل الذي نصنعه بعيون الإرادة.
 
 
مهرجان جرش هو رؤية حضارية متكاملة، تتجسد على أرض الواقع بتفاصيل دقيقة منسوجة بإبداع وحب، رؤية لا تقف عند الترفيه، بل تمتد إلى تمكين المجتمعات، وتعزيز الأمن الوطني، وخلق اقتصاد محلي متين. هي موسوعة تروى بنبض القلوب قبل حروف الأقلام، تؤكد أن جرش ليست مهرجانا فقط، بل حكاية وطن، ومشهد حضاري متجدد، وخارطة طريق لمستقبل أردني يزهو بثقافته ويحتضن مجتمعه.
 
فحقا... مهرجان جرش، وما خفي أعظم.