استراتيجية الإرساء في سياق الزيارة الملكية لأوروبا
سامح المحاريق
لم ينظر الملك لقمة شرم الشيخ على أنها محطة ختامية أو تتويج لعملية سلام، ولكنه وحسب ما دللت لقاءاته وتصريحاته ليست أكثر من جولة في مسيرة طويلة وشاقة، ولذلك انطلقت الرحلة الملكية لأوروبا في الوقت الذي أخذ كثير من القادة يركنون إلى الراحة بعد ماراثون الأسابيع الأخيرة الذي أدى لانتهاء الحرب في غزة.
يفهم الملك الصراع بمختلف أبعاده وتراكماته التي تبدأ وتنتهي في جانب حقوق الشعب الفلسطيني ويقف بخبرة عميقة على الاستراتيجيات الإسرائيلية التي تسعى لتقويض هذه الحقوق، ولذلك يتحرك ليحشد دعمًا دوليًا لمواجهة اعتداءات إسرائيلية محتملة تجاه المقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس وذلك من خلال زيارة الفاتيكان التي جمعته مع البابا الجديد وأتاحت فرصة لاستعراض المخططات الإسرائيلية الخبيثة، كما والتقى الملك مع الرئيس الإيطالي في خطوة تستهدف تأسيس نقطة نظام أخلاقية تجاه التلكؤ الإيطالي في اتخاذ قرار الاعتراف بالدولة الفلسطينية أسوة بكثير من الدول الأوروبية الأخرى.
يدرك الملك أن العقلية الأوروبية المحكومة بعقدة ذنب قديمة لا يجب أن تبقى في هذه الوضعية وأنها تحتاج بصورة دائمة لتحديها من خلال الاستعراض المتوازن والعقلاني للوقائع على الأرض، ويعرف أن التواصل الإسرائيلي السياسي وحتى الثقافي من خلال أدوات الإعلام والتغلغل في النخب الأوروبية يجب مواجهته بخطوات مدروسة تقدم الأردن ممثلًا لمجموعة عربية منفتحة ومعاصرة، ولذلك لم تكن ثمة فترة للراحة أو الاسترخاء الذي لا يبدو خيارًا أردنيًا ولا رفاهية متاحة في مرحلة حاسمة من تاريخ المنطقة.
توجه الملك إلى شرم الشيخ لأنها خطوة أساسية لإنهاء الحرب والمعاناة الإنسانية في قطاع غزة، وبقيت حاسته السياسية متيقنة من ضرورة العمل في الهوامش غير الواضحة التي أنتجتها هذه القمة، لأن هذه الهوامش قد تكون فرصة لإحداث انقلاب اسرائيلي على كافة المخرجات.
يسعى الملك لعملية إرساء anchoring مع العديد من الدول الأوروبية في رحلته، وإلى مواصلة المواجهة الشجاعة للسردية الإسرائيلية المغرضة، وذلك بناء على دراسة للتصرفات الإسرائيلية المتوقعة بناء على طبيعة التركيبة لسياسية في إسرائيل وما يمكن أن تواجهه من هزات واختلالات في الأسابيع القادمة.
لم يلتفت الملك كثيرًا للإسراف الخطابي في شرم الشيخ ولكن العائد كان يستحق المشاركة والتعاون، وتأتي هذه الرحلة الأوروبية لتحاول استكمال المسكوت عنه وسط ضجيج القمة الأخيرة.
السياسة الأردنية ثابتة وواضحة وسياقها ليس قابلًا للتشويش فالعلاقة مع القضية الفلسطينية عضوية ومركزية، وبذلك يتخذ الحراك الأردني قوامًا مستقلًا لأن المسافة صفرية والأردن الذي قاوم الحلول التي حملت النوايا السابقة لترحيل عبئ القضية تجاهه، سيبقى على ذلك وسيستثمر علاقاته وتحالفاته لهذه الغاية بصورة دائمة .