في الجنوب اللبناني عادت الطائرات الإسرائيليّة لتملأ السماء، لكنّ الجديد هذهِ المرة بأنّ الرسائل لم تعد موجهة إلى حزب الله بل إلى الدولة اللبنانيّة ذاتها.
غاراتٌ مستمرة وتهديداتٌ علنيّة تتهم فيها بيروت بالمماطلة في نزعِ السّلاح. فيما تُصرّ الحكومة اللبنانية على التزامها بقرار مجلس الأمن ألف وسبعمائة وواحد، وتذكّر العالم بأنّ إسرائيل هي من تواصل الاحتلال والخروق اليوميّة برّا وبحرًا وجوًا، ومع ذلك تسير واشنطن بخطٍ موازٍ، وضغوط متزايدة على لبنان وتلميحات متكررة بأنّ صبرها بدأ ينفذ. بل إنّ بعض التسريبات تتحدث عن تفهم أميريكي لأي عملية إسرائيليّة محدودة داخل لبنان، إن استمرّ ما تصفه تل أبيب بعجز الدولة اللبنانيّة عن كبح الحزب. وهنا تتعقد المعادلة أكثر فلبنان الرسمي يبدو بأنّه يواجه الضغط الخارجي الذي يطالب بالنزع الكامل لسلاح حزب الله، وحزب الله الذي يرفع السقف عاليًا رافضًا أي تفاوض أو ابتزاز إسرائيلي.
أمّا على الأرض فوقف إطلاق النار الهش يتآكل يومًا بعد يوم وسط تساؤلاتٍ عن حدود الدور الأميريكي اليومي؟!.
فهل تسعى واشنطن إلى لجمِ تل أبيب أم منحها الغطاء؟.
وهل تتحمّل الدولة اللبنانيّة كلفة مواجهة لم تعلن، لكنّها تخاض فعليًّا؟
وهل واشنطن فقدت ثقتها بقدرة الدولة اللبنانيّة على ضبط حزب الله وسلاحه؟.
الدولة اللبنانيّة التزمت بكل ما نصَّ عليه الاتفاق العام الماضي، والخطوات التي قام بها الجيش اللبناني جنوب نهر الليطاني كانت في غاية الجرأة، من ناحية حصر السّلاح في تلك المناطق بيد الدولة اللبنانيّة وتسلّم الذخائر من الحزب.
المطلوب من لبنان أن تُلزم الولايات المتحدة الأميركيّة وفرنسا والمجتمع الدولي للضغط على إسرائيل لمنع الاعتداءات على الأراضي اللبنانيّة؛ لتتمكن الدولة من القيام بدورها على النحو المطلوب.
خطاب حزب الله في الرسالة الأخيرة أثار الجدل فيما يتعلق بعدم استيعابه لبعض المتغيرات، فالحزب مازال يكابر ويريد فرض إرادته على إرادة الدولة، ويتعارض مع مبدأ التفاوض، في وقت يدعو الرئيس اللبناني إلى التفاوض في أي إطار كان، بينما يرفضها الحزب ذلك.
في وقت يدور التساؤل حوّل مصداقية الولايات المتحدة الأميركيّة وهل هي على المحك من ناحية منح إسرائيل الغطاء للاستمرار بالانتهاكات الإسرائيليّة المتزايدة المتعلقة بوقف إطلاق النار، وكذلك التلويح بحرب ومواجهة مع حزب الله لبنان في الداخل اللبناني؟
حلقة النار تضيقُ على لبنان اليوم في وقت تهدد إسرائيل بحربٍ شاملٍة بسبب حزب الله، والأخير يتمسكُ بخيار السّلاح والمقاومة، بينما الدولة اللبنانيّة تسير على حبل التوازنات الرفيع بين إملاءات الخارج وحاجة الداخل الملحّة.
إسرائيل على ما يبدو بأنّها تتأهب إلى مرحلة أكثر خطورة مع لبنان، في وقت التصريحات والتهديدات الصادرة من قلب تل أبيب تنذرُ بحربٍ كبرى خصوصًا وأنّ حزب الله يقدم الذرائع على طبقٍ من ذهب، رافضًا كل الأصوات المطالبة بحصريّة السّلاح والبقاء تحت خيمة الدولة. التصريحات في لبنان تتوالى في ظل هذهِ المرحلة الحرجة، التي تشي بتجدّد الحرب واحتمالها مع إسرائيل.
الرئيس اللبناني جوزيف عون أكّد استمرار وحرصه على توقف الأعمال العدائيّة، فيما تزال إسرائيل تحتل التلال الخمسة جنوبي البلاد، وتضاعف من الاعتداءات، التي وصفها عون بأنّها جريمة مكتملة الأركان ورفضٌ حقيقي لأي تسوية.
قرار الحرب والسلم بيد الدولة اللبنانيّة ولا أحد لديه قرارٌ بذلك سواها، وهو التصريح الذي أدلى به رئيس الحكومة نواف سلام، مؤكّدًا بأنّ الدولة الآن في المرحلة الأولى من خطّة حصر السلاح، التي تشملُ حاليًا جنوب نهر الليطاني.
لبنان اليوم بحاجة للدعم العربي والدولي لوقف اعتداءات إسرائيل المستمرة.
الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط طلب من الرئاسات اللبنانيّة الثلاث الاتفاق على صيغة مقبولة للخروج من الحرب التي تزيد احتمالات اندلاعها أو تتراجع. مؤكّدًا ضرورة عودة الجنوب المحتل إلى لبنان وعودة الأسرى. في وقت شدد وزير الدفاع اللبناني على ضرورة الضغط على إسرائيل لتنفيذ القرار ألفٍ وسبعمائة وواحد، وهو الأمر الذي من شأنه أن يتيح المجال أمام الجيش اللبناني لاستكمال المرحلة الأولى من خطّته.
السفارة الأميريكية في بيروت قالت على منصّة إكس بأن واشنطن ستمنع حزب الله من تهديد لبنان والمنطقة بكل السبل المتاحة، والتي من بينها العقوبات. بالفعل الخزانة الأميركية فرضت عقوباتٍ على شبكة من العناصر الماليين لتورطهم بصفقات تجاريّة سريًّة، وتحويلات ماليّة تستخدمُ في تمويل أنشطة حزب الله اللبناني. في وقت أوضحت الخارجيّة الأميركيّة بأنّ إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ستواصل الضغط ضد إيران ووكلائها وداعميها من الجهات الارهابية.
في وقت يركزُ الإعلام الإسرائيلي بشكلٍ كبير على ملف حزب الله، ويتحدثُ بإسهابٍ عن مرحلةٍ أكثر خطورةً من ذي قبل مع لبنان.
أمام تعنت حزب الله كيف يمكن للدولة اللبنانيّة أن تخرج من هذهِ المعضلة المزدوجة بين محافظتها على استقرارٍ حتى لو كان هشًا، ومواجهة الضغط الدولي الذي يضع بيروت والجيش اللبناني في حرجٍ كبير؟!.
وهل لدى إسرائيل خطّة وهدف واضح لاستهداف لبنان مجددًا؛ للضغط على الشعب اللبناني من أجل الدفع أكثر لتفكيك سلاح الحزب؟!.
كما هل لدى إسرائيل سيناريو واضح لتبرير نواياها المبطنة تجاه لبنان، ولإفشال مهمّة الدولة في بسطِ سلطتها في جنوب النهر الليطاني؟.
ولماذا يتشبث حزب الله بموقفه الرافض تسليم سلاحه وهو ما يعد تقديم لمصلحته على مصلحة الدولة ؟
وهل تشير المعطيات من التصريحات الإسرائيليّة تجاه لبنان بأنّ قرار توسيع الحرب ضد بيروت قد اتخذ؟
وهل توسّع إسرائيل حربها لتطال بيروت؟!.
إسرائيل التي ضربت حزب الله واضعفت قدراته الآن تتحدث عن ضرورة العودة لضرب قدراته من جديد؛ فما هي النتائج المتوقعة من ذلك؟
وإذا ما ضربت إسرائيل لبنان؛ هل سيتكرر السيناريو الذي حدث في العام ألفين وسته عندما تجاوزت الأهداف الإسرائيليّة الحزب؟
السرديّة الإسرائيليّة التي تتحدث عن تواطؤ لبنان مع حزب الله والتهاون في بسط سلطته تفتقد للأدلة والبراهين، سيما وأنّ تل أبيب تزعم بوجود صور أقمار اصطناعيّة لم تظهرها للمجتمع الدولي على غرار ما حدث في الضربات الإسرائيليّة على إيران والتي كانت تظهر الصور أولًا بأول.