صحيفة العرّاب

فليتحدث الرئيس مباشرة مع الناس

 

مالك العثامنة

 

أحيانًا، لا تكون المشكلة في القرار، بل في الصمت الذي يليه،والصمت، حتى حين يكون نابعا من نية حسنة، يترك مساحة واسعة للظن والتأويل.

الحكومة الحالية، حكومة جعفر حسان، قدّمت ما يمكن وصفه بأنه خطوة ناضجة في إدارة الدولة، مشروع الموازنة العامة مبكرا، قبل أن يدخل العام الجديد، خطوة إدارية في ظاهرها، لكنها سياسية بامتياز، لأنها ببساطة تقول إن الوقت لا ينتظر أحدا، فالتأخير في إقرار الموازنات كان يعني تأخيراً في الصرف، وفي التشغيل، وفي دوران عجلة الاقتصاد، التي كانت تبقى معطّلة حتى الربع الأول من كل عام تقريباً.

هذه المرة، أرادت الحكومة أن تكسر النمط، فقرّرت أن تبدأ السنة بخطة جاهزة، لتفتح الدفعات في الأسبوع الأول من يناير، فيتحرك المقاول والمورّد وسائق الشاحنة والموظف العام، لأن الإنفاق العام المبكر لا ينعش الوزارات فقط، بل يعيد ضخّ الحياة في القطاع الخاص الذي يعيش على توقيت الدولة، حين تُدفع المستحقات في وقتها، يشعر السوق بالثقة، وتبدأ دورة المال بالتحرك بدل أن تبقى مجمدة في حسابات الانتظار.

كل ذلك جيد ومطلوب، لكنه ليس كافياً، لأن الفعل، مهما كان محكماً، يحتاج إلى كلمة توضّحه وتشرحه للناس، والناس اليوم يريدون أن يسمعوا من رئيس حكومتهم، لا من بيانات ولا من ناطقين، يريدونه أن يظهر، أن يحكي، أن يجيب على الأسئلة التي تتردد في الشارع والمقاهي والمكاتب، ويجيب على أسئلة كثيرة مثل: إلى أين تتجه الدولة؟ ما الذي ينتظر المواطن في العام المقبل؟ ومتى تصبح الإصلاحات أرقاماً ملموسة في الجيب لا في الورق؟ وكثير من أسئلة أجوبتها عند من يدير حياة الأردنيين.

جعفر حسان معروف بأنه رجل تنفيذ لا استعراض، لكنه يعرف أيضاً أن السياسة ليست إدارة ملفات فقط، بل إدارة ثقة، والثقة لا تُبنى بالوعود ولا بالأرقام وحدها، بل بالكلمة الصادقة التي تشرح للناس ما يجري، بلا تجميل ولا مراوغة.

لقد حان الوقت أن يتحدث رئيس الحكومة مع الأردنيين مباشرة، عبر الإعلام المهني المحترم الذي يحترم عقل الناس ويمنحهم الحقيقة بلا وسطاء.

البلد لا يحتاج إلى مؤتمرات مكرّرة ولا شعارات، بل إلى صوت واضح صادق من أعلى الهرم التنفيذي يقول للناس ماذا يجري، ولماذا، وإلى أين نحن ذاهبون، فحين يتكلم الرئيس، لا يشرح فقط، بل يبني جسرا من الثقة لا يُقام بالقرارات وحدها، والناس ينتظرون أن يسمعوا من رجل الدولة الأول، لا عنه، وهذه هي الخطوة التالية التي ستُكمل ما بدأته الحكومة، أن تفتح باب الكلام كما فتحت باب الفعل.

'الغد'