أنهى الجنرال مائير داغان مهام منصبه رئيسا للموساد بعد ثماني سنوات وسلّم قيادة جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية لخلفه تامير باردو.
وكشف المراسل الأمني لصحيفة "يديعوت أحرنوت"، روني بيرغمان النقاب عن فحوى مواقف داغان الحقيقية بعد أن كان لوقت طويل يتردد في الإفصاح عنها علنا.
بالنسبة للعلاقات مع الأردن اقتصر داغان على القول إنه من زاوية النظر الأردنية، لم تكسب المملكة الأردنية من اتفاقات السلام مع "إسرائيل".
وخلافا لكل ما كان يشاع ويقدر في الماضي، وبحكم توليه لمهمة محاربة المشروع النووي الإيراني، أوصى بعدم المسارعة لمهاجمة إيران.
وفي حفل وداعه الأخير في الموساد قال داغان، وفق "يديعوت" إن الإيرانيين بعيدون جدا عن القنبلة النووية، كما أن خطتهم تتأجل مرة تلو أخرى بسبب عراقيل توضع في طريقهم.
وأوضح داغان أن إيران لن تمتلك القنبلة النووية قبل العام 2015.
وأشارت الصحيفة إلى أن لداغان رأيا واضحا عبر عنه في الماضي: لا حاجة لإسرائيل للمسارعة إلى الهجوم أو إلى شن الحرب، إلا في حال تعرضها للهجوم أو حين يكون السكين على رقبتها، وليس فقط على الرقبة بل عندما تبدأ قطع اللحم الحي.
وقال داغان عن "حزب الله" إن 90 في المائة من الدول في العالم لا تملك قوة نار مثلما يملك الحزب، "توجد إمكانية في أن تتدخل سوريا أيضا في القتال وتحاول المس بشكل شديد بالجبهة الإسرائيلية الداخلية". هذه الجبهة كما أوضح داغان في أحاديثه ليست جاهزة اليوم لهجوم صاروخي متداخل.
وفي أثناء ولايته جعل داغان المشروع النووي الإيراني، الذي يرى فيه تهديدا وجوديا، المهمة المركزية للموساد. مئات آلاف ساعات العمل ومليارات الدولارات استثمرت في محاولة لفهم ماذا يوجد لدى إيران. منذ تعيينه في المنصب عزيت للموساد سلسلة من النجاحات في هذا الموضوع.
وقبل نحو سنة ادعى في لجنة الخارجية والأمن إنه ستكون لإيران قدرة على إطلاق صاروخ يحمل سلاحا نوويا في العام 2014 فقط. حتى ذلك الحين يوجد الكثير من الوقت للنشاط السري، المفضل على القصف العلني الذي سيكون نجاحه جزئيا ومن شأن نتائجه أن تكون قاسية.
مؤخرا غير داغان هذا الجدول الزمني، ويدعي اليوم أنه قد يكون لإيران أداة نووية أولى ربما في العام 2015، وهذا أيضا تقدير متشدد جدا، يستند إلى الافتراض بأن مساعي الإحباط والإبطاء ستتوقف الآن، وكل العالم سيقف جانبا حيال "التحول النووي الشيعي". وبكلمات أخرى، إذا ما بقيت اليقظة العالمية واستمرت النجاحات الغربية في ممارسة الضغط على إيران، فإن الموعد سيكون أبعد من ذلك.
التقدير الاستخباري لوضع المشروع النووي الإيراني لا يختلف على نحو كبير بين "إسرائيل" والولايات المتحدة. الخلاف الجوهري هو في فهم التهديد. فالولايات المتحدة لا ترى في المشروع تهديدا وجوديا بالنسبة لها فيما أن "إسرائيل" واثقة بأنه كذلك.
ورغم أن الولايات المتحدة لا ترى تهديدا وجوديا لذاتها، إلا أنها تفهم أن إسرائيل ترى خطرا بإبادة الدولة اليهودية، وهي تأخذ النهج الإسرائيلي على محمل الجد. ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة متورطة في سلسلة صراعات في ساحات مختلفة في العالم وتدفع أثمانا على وجودها العسكري، فضلا عن الميزانية العادية، بمليارات الدولارات في اليوم. مثل هذا المبلغ الهائل يثقل أيضا على القوة العظمى الأقوى في العالم وليس لديها مقدرات للدخول في مواجهة أخرى، هذه المرة مع إيران.
وأشار داغان إلى اغتيال عماد مغنية في دمشق قبل عامين تقريبا قائلا إنه كان رئيس أركان "حزب الله" وضابط الارتباط مع إيران وسوريا. كما أنه كان مسؤولا عن استخدام القوة وبنائها، وإبعاده عن الساحة أضر شديدا بالمنظمة. وواقع أن الأمر تطلب أربعة خلفاء لشغل مناصبه، يدل أكثر من أي شيء آخر على قوته وقدراته، بحسب داغان. خليفة مغنية في 12 في المائة من نشاطاته هو صهره، مصطفى بدر الدين، خلفاء آخرون هم حسن لقيس، طلال حمية والأمين العام للحزب حسن نصر الله نفسه، الذي أخذ بعض الصلاحيات. "وحاول حزب الله الانتقام لموته بسلسلة من المواقع في العالم، ولكنه فشل كل مرة من جديد. المرة الأكثر بروزا كانت محاولة تفجير السفارة الإسرائيلية في باكو عاصمة أذربيجان".
ويشير بيرغمان إلى أنه بالرغم من الضربة لـ"حزب الله" بتصفية مغنية، فإن خلفاءه يحسنون بالتدريج أداءهم. وقال إنه يتبين أن "لا أحد يستحيل استبداله، حتى الإرهابي العبقري والمطلوب في العالم".
أما في الموضوع السوري فقال داغان في أحاديث الوداع إنه لم يغير موقفه منذ انتخب لمنصبه: فهو مع السلام مع سوريا، ولكن حيال الشرط السوري المطروح لاستئناف المفاوضات (الوديعة التي أعطاها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق اسحق رابين لوزير الخارجية الأميركية والتي استخلص منها السوريون تعهدا إسرائيليا كاملا بالانسحاب من هضبة الجولان) يجب لإسرائيل أن تطرح شرطا خاصا بها: نزع سلاح "حزب الله" وإلغاء اتفاقات الدفاع والتعاون الاستراتيجي مع إيران.
وأعرب داغان عن أسفه في أحاديث الوداع معه عن بعض إخفاقات الموساد، كلها في مجال الأسرى والمفقودين، والتي أولى داغان لها أهمية كبيرة في أثناء خدمته كرئيس للموساد. فقد فشلت الموساد في حل مسألة المفقودين من معركة السلطان يعقوب، ولم تنجح في جلب عظام ايلي كوهين، الذي أعدم في دمشق، ولم تجلب معلومات ذات مصداقية عن الجندي الأسير لدى حركة "حماس" جلعاد شاليت.
ويعتقد داغان أن الحكم في مصر مستقر وسينجح في نقل الخلافة إلى زعيم آخر بعد الرئيس حسني مبارك بشكل مرتب. "القلق المركزي للحكم، اليوم هو المعارضة وبعده ما يجري في السودان الذي له طاقة كامنة لخلق موجة لاجئين إلى داخل مصر والتحول بذاتها إلى بلاد لجوء لرجال الجهاد العالمي". داغان يرى خطرا كبيرا في ترسانة السلاح النووي في باكستان والتي "قد تقع في أياد إسلامية متطرفة".
وتنقل "السفير" ملاحظة للمعلق في "يديعوت" شمعون شيفر يصف زيارة له لمكتب داغان في مقر الموساد حيث "لم تخف عن العيون هدايا منحها له رؤساء دول: سيوف من ذهب صاف مزينة بحجارة كريمة باهظة الثمن".