صحيفة العرّاب

رجائي المعشر يقترح تعديل قوانين الانتخاب والاحزاب والاعلام وتداول السلطة التنفيذية

القى رئيس اللجنة المالية في مجلس الاعيان الدكتور رجائي المعشر محاضرة في السلط السبت عرض من خلالها ما يمكن اعتباره خطة للتنمية السياسية واللامركزية في الاردن تقوم على تعديلات جوهرية على قوانين الانتخاب والاحزاب والاعلام والحكم المحلي.

 المحاضرة التي حملت عنوان في النقاش حول التنمية السياسية واللامركزية توقفت عند تحديد المفاهيم اولا والاشكاليات الناجمة عن النقاش حولها في اروقة السياسيين والاعلاميين. وفيما يلي النص الكامل لمحاضرة العين المعشر.
 
تلقيت دعوة جمعيتكم للحديث معكم حول هذا الموضوع الهام بكل الشكر والعرفان والسرور. ولم أتردد في قبول الدعوة لأن السلط ومدرسة السلط تمثلان قيم الاردن واهله, خير تمثيل. فالسلط مدينة الاهل والعقل والفكر والابداع, ومدرسة السلط شكلت الوعاء الذي صهر ابناء الاردن في مراحل نشأته الاولى, ومنها تطورت الهوية الاردنية العربية الاسلامية الى ما هو عليه اليوم. لكل هذا قبلت الدعوة شاكرا لجمعيتكم ممثلة برئيسها واعضائها, واخترت موضوع التنمية السياسية واللامركزية لأنه في هذه الايام, يتصدر النقاش والحوار.
 
واتذكر معكم المكرمين من خريجي مدرسة السلط الثانوية في هذا الحفل الخير فاشعر بتواضع شديد ورهبة اشد عند الحديث عن موضوعنا هذا. فهم الذين أسسوا للأردن نهضته بجهدهم وعقلهم وقلبهم وفكرهم والالتفاف حول قيادتهم الهاشمية ستبقى ذكراهم العطرة معنا على مر الاجيال وسيبقى تاريخهم الناصع مثالا يحتذى, رحمهم الله جميعا وأسكنهم فسيح جناته.
 
ويزيدني تواضعا ورهبة هذا الحشد المميز من أبناء الاردن الاوفياء جنود مخلصين يعملون كل في مجاله لبناء الاردن الحديث وفيكم ايها الاخوات والاخوة من هو اقدر مني واولى للحديث في موضوعنا هذا.
 
يحثنا جلالة الملك المعظم باستمرار للسير على الطريق الذي يصل بنا الى الاصلاح السياسي المنشود. ومن هنا أمر جلالته بتشكيل اللجنة الملكية للأقاليم, ودعا الى ايجاد المنابر السياسية البرامجية التي تمهد لقيام الأحزاب الوطنية ويطرح جلالته وما يزال, المبادرة تلو الاخرى, للمزيد من المشاركة الشبابية والنسائية في الحياة العامة, مثل مبادرة شباب كلنا الاردن والكوتا النسائية في المجالس النيابية والبلدية.
 
ولكن استجابتنا لهذه المبادرات الملكية لم تكن بحجم الطموحات, فزاد التشرذم وتغولت المؤسسات الدستورية بعضها على بعض, واختلطت ادوار مؤسسات المجتمع المدني, فأصبحت النقابات منابر سياسية وبعض الأحزاب اقرب الى جمعيات خيرية تنتظر مساعدة الحكومة لتمويلها, وصار النائب يقضي الجزء الاكبر من وقته في متابعة الاحتياجات الشخصية لناخبيه بدلاً من التفرغ لأداء دوره الرقابي والتشريعي وهكذا..
 
من المشكلات الجدية التي تعوق بلورة الافكار المشتركة في بلدنا, اننا, غالبا, ما نبدأ النقاش حول قضايا لم نتفق على فهم مشترك لمنطقها وحدودها وابعادها, مما يجعل الحوار مضطربا غير ذي نتيجة. ومن هذه القضايا, بل من اهمها قضيتا التنمية السياسية واللامركزية.
 
ومن تفحص التعليقات الصحفية, وبيانات الاحزاب والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني حول هاتين القضيتين, وجدت ان هناك من يختزل التنمية السياسية الى بحث تفصيلي في قانون انتخاب, ربما يكون من شأنه ان يخدم اهدافا خاصة, بينما لاحظت ان هناك من يوسّع مفهوم التنمية السياسية الى حدود غامضة, ورؤى لا يمكن تحقيقها او انها تتجاهل حقائق وطنية واجتماعية قائمة ومبادىء اساسية لا مساومة عليها.
 
وكذلك الحال, تتراوح الطروحات حول قضية الاقاليم او اللامركزية, بين طرح يعتقد ان الهدف هو تقسيم الاردن الى ولايات او اقاليم مستقلة, وبين طرح آخر يعتقد ان اقصى المطلوب هو مجرد منح المحافظين, صلاحيات تنموية.
 
هذا, بينما ارى ان المنهج الموضوعي العقلاني يتطلب تسلسلا منطقيا لنقاش القضايا, يحدد المفاهيم اولا, ثم الاشكاليات ثانيا, ثم يقترح, ثالثا, حلولا وبرامج.
 
وحديثي اليوم محاولة متواضعة في هذا الاتجاه.
 
التنمية السياسية: تطوير الانموذج الديمقراطي الاردني
 
أبدا بالتأكيد على ان التنمية السياسية, في بلد كالأردن, تعني, بالضرورة, تطوير الانموذج الديمقراطي كما حدده الدستور. وبالتالي زيادة المشاركة الشعبية في العملية الديمقراطية. وباعتماد هذا المفهوم للتنمية السياسية يمكن قياس وتقييم اي تشريع او اجراء يهدف الى التنمية السياسية بمدى انسجامه مع مفهوم تطوير الانموذج الديمقراطي الاردني وتعظيم المشاركة الشعبية في صنع القرار. ومن هنا تأتي اهمية اعمال لجنة الاقاليم التي تسعى الى وضع اسس تعظيم المشاركة الشعبية في صنع القرارات التنموية التي تهم المواطنين في وحدات الادارة المختلفة كالبلديات ومجالس الاقاليم. كما تساعد على تدريب ابناء الوطن على العمل السياسي والديمقراطي الانتخابي واستخدام اسلوب الحوار والاستماع الى مختلف الآراء في التعامل مع قضايا وخطط التنمية في الاقاليم معتمدين البرامج والاهداف ضمن الاموال المتاحة.
 
(1)
 
تشكل الدولة, في التحليل الأخير, رابطة مدنية (منظمة سياسية) ذات سيادة على ارض وطنية, واعضاؤها: المواطنون. ومثل كل منظمة سياسية, للدولة, اية دولة, مبادىء واستراتيجيات (الثوابت), هي حصيلة الهوية الجماعية والمصالح المشتركة للمواطنين والجغرافيا السياسية للإقليم الوطني.
 
ويرتبط كل انموذج ديمقراطي, ايا يكن واينما كان, بالاجماع على ثوابت واستراتيجيات الدولة الوطنية, والولاء لها. وهو ما يشكل الاطار الملزم للممارسة السياسية الديمقراطية المعنية بالمتغيرات.
 
وهكذا, فلا توجد ديمقراطية خارج المجال السياسي المنتظم (الدولة), ولا توجد دولة من دون ثوابت. وتتحدد النماذج الديمقراطية, من حيث شكلها ومضمونها, بمحددات العلاقة بين الثوابت والمتغيرات.
 
الديمقراطية هي آلية لاتخاذ القرار الوطني - في اطار الثوابت - حول المتغيرات. وهذه الآلية هي التي تنظم النقاش والتسويات بين وجهات النظر والمصالح المتعددة التي تتشكل في احزاب, هي, بغض النظر عن موقعها الاجتماعي - الفكري (محافظة ام وسطية ام يسارية) احزاب وطنية طالما انها تتقيد بثوابت الدولة الوطنية.
 
(2)
 
نشأت الدولة الوطنية الاردنية من اللقاء التاريخي بين الثورة العربية الكبرى - ومبادؤها الوحدة والحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة - وقيادتها الهاشمية, وبين الحركة الوطنية الاردنية, المؤمنة بهذه المبادىء وتلك القيادة, والطامحة الى تأسيس دولة وطنية في الاراضي الاردنية, تصون الهوية الاردنية, والمصالح المشتركة للاردنيين, والثوابت الاستراتيجية للاقليم الاردني, في اطار حكم دستوري, بقيادة الملك عبدالله وورثته.
 
وقد تكرست هذه المبادىء والمعطيات كلها في ثوابت اقرها الاردنيون - بالإجماع - في الميثاق الوطني الاردني لسنة .1929 ولم ينشأ بشأنها نزاع منذ ذلك.
 
وعليه فإن تطوير الانموذج الديمقراطي الاردني, يتعلق, فقط, بآليات اتخاذ القرار الوطني حول المتغيرات, داخل اطار الثوابت, وانطلاقاً منها.
 
(3)
 
وقد تمثل الدستور الاردني, هذه الثوابت, وحدد حقوق وواجبات كل من الملك والشعب, والآليات الدستورية لاتخاذ القرار الوطني حول المتغيرات.
 
وللتذكير, نص الدستور الاردني على ان الاردن جزء من الامة العربية, وعلى الحريات العامة وحق المواطنين في تشكيل الاحزاب والهيئات والنقابات, واكد على المساواة بين المواطنين من غير قيد او شرط, وحدد مبدأ العدالة الاجتماعية من خلال الحقوق الاساسية في التعليم المجاني والعمل والرعاية الصحية, وتمويلها من خلال الضرائب التصاعدية, وكل ذلك في اطار سيادة القانون.
 
الامة هي مصدر السلطات في الدستور الاردني. وهو, حسب المبادئ الديمقراطية الاساسية, يفصل فصلا كاملا, بين السلطات الثلاث:- التنفيذية والتشريعية والقضائية. وقد اناط الدستور, الصلاحيات التنفيذية بالملك. ولكنه يمارس هذه الصلاحيات من خلال الوزراء الذين لا تعفيهم اوامر الملك الشفوية او الخطية, من مسؤولياتهم, الفردية او الجماعية. فالملك غير مسؤول, وحكومته لا تمارس الولاية العامة, قبل ان تحصل على ثقة مجلس النواب. وهكذا, فإن النظام السياسي الاردني هو ملكي دستوري.
 
وقد اناط الدستور, الصلاحيات التشريعية بمجلس الامة (الاعيان والنواب) وبالملك.
 
ولمجلس الاعيان جميع صلاحيات التشريع ومناقشة سياسات الحكومة, ولكن ليس له- لانه معين من قبل الملك- ان يمنح او يحجب الثقة عن الحكومة او الرقابة على انفاقها.
 
اما مجلس النواب المنتخب من قبل المواطنين, فله صلاحيات تشريعية ورقابية. وهو الذي يمنح الثقة ب¯ او يحجبها عن الحكومة او اي من وزرائها, وطلب مناقشة السياسات الحكومية, والحصول على الردود بشأنها.. الخ.
 
تصدر القوانين بموافقة مجلس الامة. وتصدر بها ارادة ملكية واذا كان يحق للملك ان يعيد القوانين الى المجلس, فللأخير الحق في قبول اقتراحات الملك او رفضها بشأن هذه القوانين. واذا لم يقم الملك بتوقيعها, تصبح نافذة بعد مرور ستة اشهر.
 
اما السلطة القضائية, فهي تتمتع, دستوريا, باستقلال كامل.
 
(4)
 
وعليه, فإن تطوير الانموذج الديمقراطي الاردني, لا يبدأ من الصفر, بل من ثوابت وطنية راسخة, وآليات دستورية ديمقراطية محددة, تعكس مبادئ الحداثة السياسية والفقه الدستوري الحديث.
 
وانطلاقا من ذلك كله, يمكن, بل ويجب السعي الى تطوير الانموذج الديمقراطي الاردني, في اطار الثوابت الوطنية الدستورية, كالتالي:
 
اولا- تطوير بنية المجلس النيابي ودوره وادائه:
 
مجلس النواب هو الركن المركزي في النظام الدستوري الاردني. وتطوير الديمقراطية الاردنية, يبدأ من ويرتكز على تطوير بنية المجلس النيابي ودوره وادائه. ويمكن تحقيق ذلك كالتالي:-
 
(1) تعديل قانون الانتخابات العامة, على اساس الصوت الواحد في دائرة ذات مقعد نيابي واحد. وهكذا تتم المحافظة على ايجابيات الصوت الواحد دون سلبياته, وينفتح المجال امام التحالفات الانتخابية على المستوى الوطني, وتشكيل الاحزاب البرلمانية... الخ.
 
وتقسيم المملكة الى دوائر انتخابية- مساوية لعدد المقاعد النيابية- يتم على اساس جغرافي- وليس سكانيا- للاعتبارات الاردنية التالية:
 
أ) عدم قيام الدولة الفلسطينية, ووجود عدد كبير من الفلسطينيين في الاردن, بصورة دائمة في مظهرها, مؤقتة في مضمونها;
 
ب) حقيقة ان الناخبين الاردنيين, مرتبطون سياسيا, ولاسباب سسيوثقافية معروفة, بمناطقهم الاصلية, وليس بمناطق اقامتهم او عملهم, ما يجعل المناطق قليلة السكان من حيث الاقامة, مراكز اقتراع رئيسية من الناحية السياسية.
 
ج) التطور الاقتصادي المتفاوت بين مناطق المملكة, يتطلب تمثيلا سياسيا اقوى للمناطق الاقل حظا, تحقيقا لمبدأ العدالة.
 
ثانيا: تطوير الدور السياسي للمجلس النيابي/تداول المعارضة والموالاة:
 
1- تشكيل منابر فكرية- سياسية في مجلس النواب, ووضع نظام للكتل البرلمانية, لتحقيق مؤسسية العمل السياسي داخل البرلمان.
 
2- انضمام النواب الى هذه الكتل طوعيا وفقا لتوجهاتهم الفكرية والسياسية.
 
3- المنابر/الكتل المقترحة هي: المحافظون, الوسط, اليسار.
 
4- تنشأ عن هذه المنابر/الكتل, مؤسسيا, احزاب برلمانية على اساس برامج اقتصادية واجتماعية وثقافية محددة ومعلنة.
 
5- يتم تداول السلطة التنفيذية بين هذه الاحزاب البرلمانية على اساس الاغلبية البرلمانية, ووفق برنامج مفصل للعمل الحكومي.
 
 
ثالثا: تطوير الاداء النيابي:
 
ويتحقق ذلك من خلال وضع نظام داخلي جديد لمجلس النواب, يلحظ ما يلي:
 
(1) انشاء فصل خاص في هذا النظام ينص على قيام المنابر الفكرية السياسية- التي تتشكل على اساسها الكتل البرلمانية- وطرق الانضمام اليها والانسحاب منها, وآليات اتخاذ القرار داخلها وانتخاب رؤسائها والناطقين باسمها, والنص على امتيازاتها, وعلى حقها في انشاء هيئات بحث متخصصة تابعة لها من خارج المجلس النيابي او من ضمن جهازه لاجراء الدراسات العلمية حول البدائل الممكنة.
 
(2) النص على استحداث ثلاث قراءات لمشروع القانون:-
 
* القراءة الاولى- في المجلس- لمناقشة الاسباب الموجبة والاستماع الى الشرح المقدم من الحكومة حول مشروع القانون المعني وانسجامه مع السياسة العامة للدولة.
 
* القراءة الثانية- في اللجنة المختصة- لمناقشة مشروع القانون بصيغته مع المختصين والمعنيين واقراره بصيغته النهائية.
 
* القراءة الثالثة -في المجلس- ويقتصر البحث, خلالها, في تقرير اللجنة المختصة, والمخالفات المقدمة من اعضاء اللجان, ومن ثم التصويت.
 
 
(3) اقتصار النقاش النيابي على مناقشة الوزراء حول القضايا العامة, اما القضايا التي تخص منطقة النائب الانتخابية, فيتم تقديمها على شكل رسالة الى امانة المجلس لتقوم بتحويلها الى الجهة المختصة حسب الاصول.
 
(4) النص, في النظام الداخلي للمجلس, على بنود ميثاق شرف للعمل النيابي, ينبذ المحسوبية والواسطة, والضغط على الوزراء لتحقيق مصالح انتخابية خاصة او مآرب شخصية, بحيث يكون النائب, نائب امة يدافع عن قضاياها, وينشغل بالسياسات العامة, لا بقضاء الحوائج الشخصية لناخبيه وعائلته.
 
تطوير العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية, وفق قواعد جيدة
 
حدد الدستور مبدأ الفصل بين السلطات. وجاء ذلك واضحا في حق الحكومة باصدار نظام الخدمة المدنية وتنظيم السلطة التنفيذية. استنادا الى احكام الدستور, ومن دون العودة الى مجلس الامة. وكذلك الحال بالنسبة للسلطة التشريعية, اذ ان كل مجلس يضع نظامه الداخلي, ويرفعه مباشرة الى جلالة الملك للمصادقة عليه, ليصبح نافذ المفعول.
 
والعلاقة بين السلطتين في التشريع, محددة في الدستور بوضوح. وهو يرسم الية التعامل بين السلطتين في هذا المجال. وفي المراقبة, حدد الدستور آلية المراقبة من خلال مناقشة السياسات ومراقبة الانفاق من خلال تقرير ديوان المحاسبة, وحجم الانفاق وأوجهه من خلال قانون الموازنة العامة للدولة.
 
كما اعطى الدستور الحق لمجلس النواب, منح الثقة بالحكومة وطرح الثقة بها او بأي من وزرائها وحدد آلية ذلك.
 
ان العلاقة بين السلطتين يشوبها جو من الضبابية. وهو بحاجة الى مصارحة ومراجعة دستورية وقانونية لمنع تغول جهة على اخرى. ومن القضايا المهمة في هذا المجال:
 
1- مناقشة الحكومة عند منحها الثقة يجب ان يعتمد على ما يلي:-
 
أ- مدى انسجام بيان الحكومة الوزاري مع كتاب التكليف السامي.
 
ب- السياسات التي ستعتمدها الحكومة لتحقيق ذلك.
 
ت- قدرة الطاقم الوزاري على تحقيق الاهداف.
 
وبعد الاجابة عن هذه الاسئلة, يستطيع النائب ان يقرر منح الثقة او حجبها على أسس ومعايير علمية وعملية لا شخصية.
 
2- تشكل الموازنة العامة احد اهم اوجه العلاقة بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية. والموازنة حكما هي سياسة الحكومة المالية والنقدية للسنة القادمة, وتشتمل على سلسلة من الاجراءات الاقتصادية والمالية لتحقيق خطة الحكومة الاقتصادية. لذلك فان مسؤولية مجلس النواب ان يدرس هذه الموازنة من منظار السياسات العامة الاقتصادية النقدية والمالية, ليصل الى قناعة مع الحكومة, للموافقة او رفض التشريعات المتعلقة بالضرائب والرسوم التي تنوي الحكومة فرضها لتحقيق الايرادات المنصوص عليها في الموازنة.
 
وفي حالة الرفض, فعلى المجلس اقتراح البدائل, اما عن طريق تخفيض الانفاق او زيادة رسوم وضرائب اخرى غير تلك التي اقترحتها الحكومة, ان الارتقاء بمناقشة الموازنة الى هذا المستوى يزيد من هيبة المجلس ومكانته وثقة المواطنين به لان الحديث عن مطالب مناطق تزيد في الانفاق دون اظهار اوجه التوفير او المناقلة او المبادلة, يضع المجلس بصيغة المطالب الذي لا سميع له.
 
3- ان عملية المتابعة من قبل مجلس النواب لاداء الحكومة, يتطلب مراجعة دورية للانجازات والعقبات التي تواجه الحكومة بهدف المساعدة على تحقيق الاهداف لا المزايدة والمناكفة والشخصنة التي اصبحت تتسم بها بعض جلسات مجلس الامة.
 
4- اذا اقتنع النواب بضعف اداء اي من اعضاء الحكومة, فلهم الحق على محاسبة هذا الوزير, بما في ذلك طرح الثقة به. وهذا لا يعني الانتقاص من شخصه او من الحكومة, بل انه اجراء يتم لغايات تنفيذ البرنامج المتفق عليه, فالعملية اساسها التكامل بين السلطتين لتحقيق الاهداف الوطنية, لا التنافس والتناحر وتسجيل المواقف.
 
5- وفي الوقت الذي يسعى اعضاء مجلس الامة للاطلاع والمعرفة فان على اعضاء السلطة التنفيذية, اعطاء المعلومات بشفافية عالية حتى تبنى جسور الثقة في العملية الديمقراطية, وكلما زادت مأسسة العمل الديمقراطي وشفافيته, كلما اغلقت الابواب في وجه المفسدين والمغرضين.
 
6- ان الانجاز والعمل يتطلب المناقشة الموضوعية للسياسات مرة واحدة لا العودة اليها بأشكال مختلفة مثل طرح الاسئلة والاستفسارات حول ما تم اقراره من اغلبية مجلس النواب. ففي هذا ما يعيق الحركة ويؤخر الانجاز.
 
مجلس الاعيان
 
يستمر مجلس الاعيان بممارسة صلاحياته المنصوص عليها في الدستور وهي (1) التشريع. (2) مناقشة السياسات العامة (3) تفسير الدستور من خلال انتخاب اعضاء في المجلس العالي لتفسير الدستور.
 
تطوير القوانين الخاصة بالعمل السياسي والمجتمع المدني والاعلام:
 
(1) قانون الاحزاب:
اصدار تشريع جديد يشجع على قيام الاحزاب من خلال تقديم التسهيلات الادارية والاجرائية لها, على ان يضمن هذا القانون منع التمويل الخارجي للاحزاب, وفي الوقت نفسه, ضمان حق الاحزاب في الحصول على التمويل لنشاطياتها من متبرعين محليين على ان تعتبر المبالغ المدفوعة لهذه الغاية معفاة من ضريبة الدخل وكذلك السماح للاحزاب بتأسيس مراكز الخدمات الاجتماعية والتنموية والاشراف عليها وكذلك, مراكز الابحاث السياسية والفكرية اللازمة لعملها وفي جميع الحالات يجب ان يضمن هذا القانون ما يلي:
 
2- المبادئ العامة
 
- الايمان بالدولة الوطنية الاردنية, وبأن الاردن جزء من أمته العربية والاسلامية.
 
- الولاء للقيادة الهاشمية
 
- احترام حقوق الانسان
 
- احترام الحريات العامة
 
- الحوار
 
2- قبول مبدأ تبادل الموقع (الموالاة والمعارضة) عن طريق الانتخاب
 
3- عدم المساس بالمبادئ الرئيسية للدولة الاردنية والمؤسسات المنصوص عليها بالدستور او بصلاحياتها.
 
4- القبول بالتعددية السياسية.
 
 (2) قوانين النقابات:
 
في الوقت الذي يجب ان تسمح فيه قوانين النقابات, للقوائم الحزبية بالترشيح لانتخابات مجالس النقابات المختلفة, الا ان عمل هذه النقابات يجب ان يقتصر, بموجب احكام القانون, على تنظيم المهنة وخدمة المنتسبين, من دون الحق في العمل السياسي. والا فان هذه المجالس تصبح مجالس تمثيلية سياسية علما بأن انتخابها لم يتم لهذه الغاية كما ان اعلانها مواقف سياسية, باسم كل المنتسبين, يسلب الحق السياسي للاقليات النقابية غير الممثلة في المجالس.
 
وبالمقابل, هناك ضرورة وطنية لكي تصبح النقابات المهنية, مراكز ضغط على النواب والاعيان والحكومات من خلال الحوار حول القوانين والتشريعات والانظمة الخاصة بها او التي لها صلة بها, على ان تتم هذه العملية من خلال الدراسات التي تعدها هذه النقابات. والحوارات التي تجريها مع اصحاب السلطة التنفيذية والتشريعية.
 
(3) قوانين الاعلام:
 
لقد اصبح واضحا بأن الغاء وزارة الاعلام بهدف تحويل المؤسسات الاعلامية الى مؤسسات مستقلة تعمل كأدوات لاعلام الدولة وليس اعلام الحكومات لم يحقق الغاية المرجوة. وهذا الواقع يتطلب اعادة النظر في قوانين الاعلام بهدف انشاء هيئة لتنظيم قطاع الاعلام تضم كل هذه المؤسسات وتعطيها الحرية في العمل دون التدخل في شؤونها الادارية او الفنية او التحريرية.
 
ومقابل رفع سقف الحرية هذا لا بد من ان تتضمن التشريعات تأسيس محكمة خاصة تعطي صفة الاستعجال للقضايا المقامة ضد الصحافة من قبل الاشخاص او المؤسسات الخاصة والعامة. ويحدد هذا القانون الحد الادنى للتعويض المادي لكل اساءة ترتكبها وسيلة اعلامية ضد اي شخص اعتباري او معنوي, والعقوبات الجزائية للحالات التي تثبت فيها النية للكاتب او الصحيفة او عدم توفر البينة على الاتهام او التجني او الاساءة الشخصية.
 
(4) القوانين المتعلقة بحقوق الانسان وحقوق المرأة والمشاركة الشبابية وبناء الاسرة
 
يتوجب مراجعة هذه القوانين لازالة اي تميز ضد اي فرد من افراد الاسرة. ويمكن ان يدرس موضوع اصدار تشريع واحد يسمى قانون المساواة بين المواطنين يضمن المساواة بين جميع ابناء الوطن في الحقوق والواجبات معتمدا في ذلك على المواد ذات العلاقة في الدستور.
 
بالاضافة الى تطوير القوانين السابقة, لا بد من مواكبتها بالطلب الى جميع المؤسسات العامة ومؤسسات المجتمع المدني وضع مواثيق شرف تضمن التحكم المؤسسي اللازم لحسن ادائها والشفافية في تعاملها واخلاقيات العمل المطلوبة من العاملين بها من منطلق ان هذه المؤسسات تهدف الى خدمة الوطن والمواطن ضمن قواعد واصول تعكس قيم الاردن واخلاقه. ومن هذه المؤسسات النقابات وخاصة نقابة الصحافيين ومؤسسات المجتمع المدني وخاصة المنابر الفكرية والاحزاب.
 
التربية والتعليم والمشاركة الشبابية:
 
1- وضع منهاج التربية الوطنية ليتضمن ما يلي:
 
أ) مبادئ الثورة العربية الكبرى.
 
ب) الدستور الذي يترجم هذه المبادئ لبناء نموذج ديمقراطي اردني.
 
ج) الأنموذج الديمقراطي الاردني.
 
د) حقوق الانسان.
 
ه¯) واجبات المواطن.
 
2- تشكيل مجالس الصف ومجالس الطلبة في المدارس والكليات والجامعات, بحيث يتم وضع نظام لانتخاب مجلس الصف ومجلس المدرسة والكلية, والجامعة... ويحدد النظام طريقة الانتخاب القوانين المتعلقة بحقوق الانسان وحقوق المرأة والمشاركة الشبابية وبناء الاسرة, المبنية على البرامج لأعلى الاشخاص, واجراء حوار بين المرشحين حول برامجهم, ومن ثم اجراء العملية الانتخابية, وتحديد يوم معين في السنة يسمى يوم الانتخابات والديمقراطية في المدارس تتم فيه الانتخابات للمجالس المختلفة.
 
3- تعميق مفهوم الحوار وقبول الرأي الآخر عند الطلبة. وهو ما يضع مسؤولية على المعلم والمدرسة لاجراء الحوارات بين الطلبة حول مواضيع اجتماعية وثقافية واقتصادية على ترسيخ هذا المفهوم وتطويره.
 
(2) حول اللامركزية
 
جاء قرار جلالة الملك عبدالله الثاني, بتشكيل لجنة الاقاليم - وحث الحكومة على وضع الأطر التشريعية والتنظيمية اللازمة لتطوير مفهوم اللامركزية في الادارة المحلية - مكملا لعملية تطوير الأنموذج الديمقراطي الاردني.
 
ومفهوم اللامركزية ينطلق من ضرورة مشاركة ابناء الوحدات الادارية (الاقاليم) في تحديد احتياجاتهم من المشاريع التنموية والخدمية, والمساهمة في, والاشراف على الجهود الادارية والفنية اللازمة لوضع تلك الاحتياجات ضمن اولويات متوافق عليها, وفي حدود الاموال المتوفرة.
 
وهذا التوجه يخدم الأنموذج الديمقراطي من خلال تمكين مجلس النواب من تلافي اهدار وقته وطاقته في مناقشة ومتابعة المتطلبات التنموية والخدمية للمجتمعات المحلية, والتفرغ للقيام بدوره الرقابي والتشريعي ومناقشة السياسات العامة.
 
ولا بد, بالطبع, من اجل تحقيق أكبر مشاركة شعبية ممكنة في تحديد الاولويات لدى المجتمعات المحلية, من وجود مجالس تنموية منتخبة في كل وحدة ادارية محلية, تكون وظيفتها مناقشة الاحتياجات الخاصة بتلك الوحدة الادارية, وتحديد اولوياتها, وتوزيع الاموال المخصصة لها, وفقا لتلك الاولويات, وعلى اساس برامج واضحة تتجسد في مشاريع محددة. ويتم, في ضوء ذلك كله, متابعة الاجهزة التنفيذية العاملة على إنجاز المشاريع, وتلك المعنية بإدارتها.
 
ويشكل المحافظون ومدراء الدوائر في المحافظات, الاجهزة التنفيذية للوحدات الادارية, مما يتطلب تطوير تلك الاجهزة, سواء من حيث الآليات الادارية او من حيث القدرات الفنية, بحيث تتمكن من تحديد احتياجات المناطق, واقتراح اولوياتها, وتنفيذ هذه الاولويات مباشرة او بالتعاقد مع الغير, بالاضافة الى القيام بأعمال الاشراف والمتابعة اللازمة لتنفيذ المشاريع, حسب جداولها الزمنية المقررة وضمن المخصصات المالية المرصودة لها.
 
غير ان نجاح عملية تطبيق اللامركزية يحتاج الى توفر ما يلي:-
 
1- تحديد التقسيمات الادارية التنموية التي ستطبق اللامركزية فيها,
 
2- إتمام هذه العملية على مراحل, يجري تقييم شامل لكل مرحلة منها, قبل الانتقال الى المرحلة التالية,
 
3- تطوير الاجهزة المحلية القادرة على التعامل مع ادارة المالية العامة وادارة المشاريع وتنفيذها,
 
4- وضع نظام داخلي للمجالس التنموية يحدد آليات عملها,
 
5- وضع ميثاق شرف ملزم لاعضاء المجالس التنموية والهيئات التنفيذية, ينص, خصوصا ومن بين امور اخرى, على الفصل بين المصالح الشخصية والعائلية والفئوية والانتخابية وبين المصالح المحلية العامة,
 
6- التحوّل التدريجي, ولكن المستمر والجدي, في وظيفة المحافظ - او مفوض الأقليم - من مفهوم تطغى عليه الطبيعة الامنية الى مفهوم تطغى عليه الطبيعة التنموية. هذا وكان قد تم التأسيس لذلك التحوّل, عن طريق اقرار تشكيل قوات الدرك واناطة المهمات الامنية ومهمات مكافحة الشغب وأمن السفارات والمؤسسات .. الخ. بها والابقاء على مكافحة الجريمة والأمن الوقائي والترخيص والسير .. الخ.. ضمن صلاحيات الأمن العام,
 
7- تحديد القطاعات التي تخضع للادارة اللامركزية. ومن ثم تحديد المشاريع التي تعتبر خاصة بالوحدات الادارية المحلية من تلك المشاريع المشتركة بين الأقاليم, والتي تعود الى صلاحيات الحكومة المركزية.
 
8- تحديد العلاقة بين الأقاليم المختلفة, وآليات تنسيق تلك العلاقة, بهدف التوصل الى اعلى درجات التكامل التنموي فيما بينها,
 
9- تحديد شكل العلاقة وآليات الارتباط بين وحدات الادارة اللامركزية المحلية, وبين الحكومة المركزية, في مجالات التمويل والربط الوظيفي والانظمة المالية ومراقبة ديوان المحاسبة ومراقبة اداء الوحدات اللامركزية ومتابعة اعمالها.
 
10- المحافظة على الوحدات الادارية الاخرى مثل البلديات والمحافظات وتطوير ادائها.
 
11- عدم السماح للأقاليم المستحدثة بفرض رسوم او بدلات خدمات او ضرائب والمحافظة على ما يرصد لها في الموازنة العامة كمصدر وحيد لمواردها المالية.
 
ولكل ذلك, وسواه من المهمات الكبيرة المطلوب انجازها من اجل نجاح تجربة اللامركزية, علينا ان نستبعد تحقيق مفهوم اللامركزية بأسلوب الصدمة, بل, تدريجيا وعلى مراحل: تبدأ المرحلة الاولى بتشكيل مجالس تنموية للوحدات الادارية المحلية, بالتعيين من رؤساء البلديات ومندوبين عن الهيئات الاهلية التطوعية والقطاع الصناعي والتجاري والزراعي في المنطقة المعنية. ويستمر عمل هذا المجلس المعين, لمدة تتراوح بين سنتين واربع سنوات. ويتم خلال هذه المرحلة وضع الانظمة واساليب العمل اللازمة لنجاح التجربة.
 
وفي المرحلة الثانية, يتم انتخاب نصف اعضاء المجلس التنموي, ويعين النصف الآخر من اعضاء المجلس المنتهية ولايته بهدف تحقيق التواصل والاستمرارية والتمكين. وتستمر المرحلة الثانية لمدة سنتين الى اربع سنوات. وفي المرحلة الثالثة, يتم انتخاب كامل اعضاء المجلس التنموي بموجب قانون انتخاب يتواءم مع قانون الانتخابات النيابية العامة, بما في ذلك تحديد حصة للمرأة في المجالس التنموية.
 
لقد أطلت عليكم ولكن اسمحوا لي بملاحظة اخيرة حتى لا ننسى فضل المكرمين اننا في الاردن بحاجة لمعرفة انجازاتنا ولم تأت الديمقراطية الى الاردن بالصدفة بل بجهد متراكم ومتواصل للقيادة الهاشمية ولأبناء الاردن الأوفياء لمبادئ وطنهم وقيمه, فنحن حملة راية الثورة العربية الكبرى ونبني الاردن الحديث على قواعد دستورية ومبدئية وقيمية أصلية - وحب الاردن والانتماء أليه يعني بالضرورة العمل على ترسيخ هذه القيم والحفاظ على المبادئ وحماية الدستور من أي عبث والمؤسسات الدستورية الديمقراطية من أي محاولة للنيل منها. فبهذه الطريقة تبنى الأوطان وتستقر النظم الديمقراطية وتتطور لتواكب متطلبات العصر.
 
مرة اخرى أشكركم على دعوتكم الكريمة وادعوا الله ان يجمعنا دائماً لما فيه خير أردننا الغالي وشعبه العربي الأبي ويمكننا من السير معا بخطوات ثابتة الى مزيد من التقدم والازدهار بقيادة جلالة مليكنا المفدى عبدالله الثاني المعظم انه سميع مجيب الدعاء. ( العرب اليوم )