صحيفة العرّاب

عضيبات يجمع النقيضين ليعيشهما شعراً

 ضمن سلسلة الكتاب الأول التي تصدرها وزارة الثقافة, صدر للشاعر عضيب عضيبات مجموعته الشعرية الأولى بعنوان (شاهدة المهد) من القطع المتوسط, والذي يحتوي على خمس وثلاثين قصيدة بين العامودي والتفعيلة, وأهدى عضيبات الكتاب  إلى أبي وأمي المثقلين بخمسة هموم هي أنا وإخوتي, إلى أربعة هموم منها,إلى أول الشعر,إلى آخره.
على غير العادة وبشيء من المجازفة يقدم عضيبات لكتابه الشعري الأول بتقدمة نثرية, المجازفة وجود القصيدة الكلاسيكية العمودية بين دفتي كتابه, وأن يقدم الشاعر لنفسه ولقصيدته وفكره الشعري والحياتي بهذا الشكل يطفي بعض الغباش على خط الشعري في العمل, لكن عضيبات الذي استطاع بذكاء صوره وخفة ظل طرحه وتمكنه الشعري واللغوي في هذه النثرية أن يعطي انسجاما كاملا بينها ويبن القصائد المقدمة في العمل ما أعطى النثرية والقصائد امتدادا واحدا لم ينفصل, لا سيما أنه يقدم رأيا نقديا شعريا وآخر وجوديا له, لامسين هذين الرأيين في متون ما قدم من شعر والذي تمايز بين العمودي والتفعيلة الحديث, لدى شاعرنا كما كتب في المقدمة نرى العاشق المنهزم والذي يلبي رغبة من يحب والمعشوق الذي يحتفي في انتصاره بعد تلبية رغباته في قصيدة (النساء: جراح آدم):
يلدنني
الفاضلات يلدنني
يقلن البعض: 
أن ولادتي أشهى من التحديق في رجل)
وفي قصيدة أخرى هي (محاولة) يعطي العاشق المهزوم:
(هي شيء من صعود الروح عليين
¯روحي¯ 
للسماء..
لا يفل العشق إلا العشق
نامي يا حبيبة..
لم أقل إلا خيالي حين قلت الشعر)
في نهاية مطافه تغدو كل هذه البلاد والنساء ضربا من جموع الذكريات والأحلام برأس الشاعر.
(شاهدة المهد), لماذا ارتباط الشاهدة التي تحمل دلالات نهاية الأشياء بالمهد الذي يحمل دلالات بدايتها? التقاء متناقضين بالمفهوم والدلالة بنفس الجملة والتي تحمل عنوان العمل وبالتالي هي تحمل طبيعة الشاعر وكتابه, قد تكثر التأويلات, فشاهدة المهد قد تكون القصيدة التي يعيشها الشاعر والتي تحمل بدايته ونهايته تحمل مثواه الأخير وولادته, هي الحياة التي لا مفر منها والمرض العضال الجميل الذي لا رجاء من شفائه, هي الطريق بين النقيضين الواضحين الموت والحياة هما اللحظتان الثابتتان الوحيدتان في الحياة, وقد تَشكلا لدى الشاعر بهيئة القصيدة ليصير الشعر هو الوحيد الثابت والحقيقي الذي يعيشه, والذي يحمل المسلمات في حال وجودها والشكوك على طول خط السير الفاصل أو الواصل بين النقيضين, ليحمل بنفس الوقت النقيضين الثابتين بين سطوره إذا هو الحياة والموت في آن ورؤيته لموته ونهايته لحظة ولادته, الحياة والموت, (بين الحياة والموت أكون أنا) كما قدم عضيبات في نثريته, هناك اختزال لضرورة الوقت الذي فقدت ضرورتها فأصبحت لا تحفل في البداية أو النهاية.
أما الموقف النقدي الذي قدمه عضيبات في مقدمته النثرية والتي ما زلنا بها ( وأيتها القصيدة إما أن تكوني واقعية تدعين الرمز وإما أن تكوني تقليدية تحترمين الكرم), هنا يتضح رأي الشاعر تماما في القصيدة شكلاً ومضموناً, فهو يدعو قصيدته لتكون واقعية قريبة منه تصور حالاته وتفصيلاته بجموع هذه الهواجس والمخاوف والأحلام والذكريات ولا تحلق بعيدا عنه في أفلاك قد لا تلامس واقعيته وسماءه مستدعياً الرمز ليكون له مكانه في هذه الواقعية, أو أن تكون كلاسيكية تحترم كلاسيكيتها وتلتزم بها.
مرة أخرى هنا يؤكد عضيبات التماهي بين هذه المقدمة ومجموع عمله الشعري, لنلمس رأيه النقدي الذي صرح به في نثريته في قصائد الكتاب لنرى تباين القصائد بين التفعيلة الواقعية التي تتحدث عن شاعرها مستدعيةً رمزها ليكون مفتاحها, وقصيدته الكلاسيكية التي تمسكت بضروب وأنظمة العمودي شكلاً ومضموناً ولغة.0