بعد يوم من "الإنذار" شديد اللهجة الذي وجهه وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوجلو لنظام الأسد ، فوجيء السوريون بتطور آخر سار عندما تبرأت رابطتان تنتميان للطائفة العلوية صراحة من ممارسات هذا النظام .
ففي 16 أغسطس ، أصدرت رابطة "تنسيقيات الساحل السوري" ورابطة "الإخاء الوطني والعيش الواحد في الساحل السوري" بيانا أكدتا فيه أن أبناء الطائفة العلوية لا يؤيدون التعاطي الأمني للنظام السوري مع المظاهرات التي تشهدها مختلف أنحاء البلاد منذ منتصف مارس الماضي وذكرتا في هذا الصدد بانخراط الطائفة في كافة مناحي الحياة السياسية في البلاد بعيدا عن أي اصطفاف مذهبي. وأدان البيان بشدة "الزوابع الإعلامية" المثارة حول ما يسمى تأييد الطائفة العلوية لممارسات النظام السوري ومليشياته ضد المتظاهرين وقوى التغيير الديمقراطي في سوريا. وتساءل البيان "من أين جاء النظام أو الأطراف الأخرى بما نسب للعلويين على منابر الإعلام بشأن تأييد نظام الرئيس بشار الأسد الذي ينحدر من الطائفة العلوية". وأوضح البيان أنه لم يصدر عن الطائفة العلوية أية فتاوى تجاه النظام أو غيره وذلك لانعدام وجود من يفتي أو يشكل مرجعية مذهبية للعلويين على خلاف ما هو عليه الأمر لدى طوائف أخرى. ودعا البيان أبناء قرى ومدن وتجمعات الساحل السوري ومن ينتمي إلى الطائفة العلوية إلى التجند في مشروع وطني سوري يجسد العيش الواحد والحراك الواحد والمصير الواحد في إطار وحدة الوطن السوري ووحدة قضية التغيير الديمقراطي. وحذر البيان الذي نشرته قناة "الجزيرة" من خطر تخطيط النظام للاقتتال الداخلي عبر افتعال المؤثرات الطائفية عبر أدواته و"شبيحته" وقواه الأمنية بأسلحة كانت مليشياته قد هربتها وباعتها. بل وفجر البيان مفاجأة مفادها أن من يسمون "الشبيحة" الذين يحملون السلاح في وجه المتظاهرين هم بقايا تنظيمات مسلحة سابقة تابعة لعائلة الأسد كسرايا الدفاع التي شكلها رفعت الأسد شقيق الرئيس الراحل حافظ الأسد وجمعية المرتضى التي شكلها جميل الأسد عم الرئيس بشار . ورغم أن البيان السابق لم يكن الأول من نوعه الذي يصدر من داخل الطائفة العلوية ويتبرأ من جرائم نظام الأسد إلا أن توقيته يحمل دلالات هامة جدا في تضييق الخناق عليه خاصة وأنه يتزامن مع إعلان أمريكا وبريطانيا أن الأسد بدأ يفقد آخر ما تبقى من شرعيته . وكانت جماعة تسمي نفسها "شباب الطائفة العلوية" أصدرت في يوليو الماضي من مدينة حمص بيانا تؤكد فيه رفضها الشديد "لأي سلوك أو تحريض يقوم على أساس مناطقي أو ديني أو طائفي". وأكد البيان رفض العنف أيا كان مصدره وحمل النظام وأدواته من الشبيحة المسئولية الكاملة عما جرى في مدينة حمص من قتل وتخريب وتحريض على الكراهية. وأشار بيان شباب الطائفة العلوية إلى أن الاستبداد لا دين له ولا طائفة ، مشيرا إلى أن اتهام الطائفة العلوية بولائها المطلق للنظام يصب في خدمة هذا النظام الذي يحاول استقطاب الطائفة لمصلحته عبر تخويفها من التغيير. إقالة حبيب وبجانب البيان السابق ، فإن هناك من فسر إعلان الرئيس السوري بشار الأسد في 8 أغسطس عن إقالة وزير الدفاع علي حبيب من منصبه وتعيين رئيس أركان الجيش داوود راجحة بدلا منه بأنه يعكس وجود انقسام داخل بنية الطائفة العلوية الحاكمة ، خاصة وأن عائلة حبيب تعتبر أكبر من عائلة بشار الأسد داخل هذه الطائفة . ولعل تزامن قرار الإقالة مع القنبلة التي التي فجرتها صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية في مطلع أغسطس حول احتمال انقلاب العلويين على نظام الحكم يرجح صحة ما سبق . صحيح أن تصريحات الأسد منذ تفجر الاحتجاجات المناهضة لنظام حكمه بعثت برسالة للجميع مفادها أنه سيواصل التحدي لأن ما يبقيه في السلطة هو الجهاز الأمني الضخم الذي أسسه والده حافظ الأسد والذي تسيطر عليه أسرته العلوية وهي طائفة شيعية تشكل أقلية في سوريا ، إلا أن قنبلة "نيويورك تايمز" جاءت على ما يبدو لتربك حساباته تماما في هذا الصدد . فقد كشفت الصحيفة في تقرير لها أن العلويين الذين يشكلون 12% فقط من تعداد سكان سوريا قد أيد معظمهم الأسد خوفا من أنه إذا أطيح به فإنهم سيُذبحون ولذا يجب على المعارضة أن تقنع العلويين بأنهم يمكن أن ينقلبوا بأمان على نظام الأسد. وأشارت الصحيفة إلى أن هذا الأمر ليس بعيد الاحتمال كما يعتقد كثير من المراقبين ، قائلة :" مع تزايد أعداد القتلى بعد أن قتلت قوات الأمن نحو 1500 مدني منذ مارس/آذار لم يكن زعماء العلويين غافلين عن التقويض السريع لسلطة الحكومة السورية وعجزها عن استعادة السيطرة". وأضافت " إذا اطمأن قادة العلويين البارزين إلى سلامتهم فإنهم قد يشرعون في سحب تأييدهم من أسرة الأسد ويجربوا حظهم مع -أو على الأقل يساعدون ضمنا- المعارضة وإشارة منهم يمكن أن تقنع قادة الجيش العلويين المتنفذين بالانشقاق وأخذ ضباط آخرين معهم".