صحيفة العرّاب

(عصر الجنون) .. حلم الشعوب باستعادة ثرواتها المستباحة

 جدلية الفنان والسلطة, وسلطة الفنان, أو فنان السلطة, وتأثير الفن على الشعوب في التغيير, هو ما تطرحه مسرحية عصر الجنون, التي عرضت في مهرجان الشباب المسرحي في الآونة الأخيرة, وأنهت عروضها أمس الأول على خشبة أسامة المشيني في اللويبدة, وهي عن النص الأصلي للكاتب السوري عبد الفتاح قلعجي فنتازيا الجنون, قام بالإعداد لها وإخراجها رامي شوابكة والتمثيل فيها.
يتكون العمل من ثلاثة ممثلين يجسدون خمس شخصيات, هم أحمد مساد, الذي قدم دور المهرج, برمزية الفنان, وآلاء حماد بتجسيدها لزوجة المهرج, والشوابكة نفسه الذي أدى الشخصيات الثلاث الأخرى, وهي: القائد العسكري وأنتونيو الروماني, والشاعر عمر بن ربيعة, والتأليف الموسيقي في العمل كان لأحمد مساد.
تدور أحداث هذا العمل حول المهرج (الفنان), الذي سئم تهميش دوره في الحياة, وكل تلك المناكفات مع زوجته البسيطة, التي تريده أن يكون شخصاً غير الذي هو عليه, بما يُشبع لها رغباتها في الرجل الذي تحلم به أي امرأة, ليبدأ دخول الشخصيات المتخيلة التي يتحداها هذا المهرج, مثبتاً مرة تلو الأخرى, أحقيته على كل هؤلاء, وتفوقه عليهم, ومحاولات هذه الشخصيات الثلاث الظفر بزوجته, مع ميول الزوجة لهم لاعتقادها أنهم هم الرجال الذين يستحقونها والذين تحلم بهم أي امرأة, ابتداءا من القائد العسكري الذي يسهل عليه سفك الدماء وإقامة الحروب في سبيل أهدافه الخاصة, مروراً بأنتونيو الروماني الذي تعلق حب كليوبترا له, وقطع البلدان والحروب لأجلها, والشاعر محب النساء المرمز له بعمر بن ربيعة.
كل تلك الحوارات الجدلية بين الشخصيات أخذت طابعاً وجودياً إلى حد ما, وكان الفنان أو المهرج ينتصر فيها كل مرة, تعويلاً على صدق حالته, وأهميتها المهمشة, ليكتشف الحضور في نهاية العمل أن كل هذه اللوحات التي عرضت ما هي إلا حلم مجنون في أحد المصحات العقلية وما يجول في رأسه من رؤى, وما يعتبره البعض ضربا من الهلوسات لشخص فاقد الأهلية العقلية.
مساد جسد دور المهرج في هذا العرض, ورفع الستار عن موهبة تمثيلية فذة, وقدرة على لعب الشخصية المركبة والمعقدة, قال في إعداده لشخصية المجنون لقد بنيت هذه الشخصية من خلال مراقبتي لورق اللعب ذات مرة, فكان الجوكر من رأيته في الورقة والشخصية المناسبة ليسرق المجنون في هذا العمل ملابسه وشخصيته, فالجوكر هو الورقة الأعلى والأضعف بذات الوقت, فهي تضع تحتها وأقل منها الشيخ والبنت وهم السلطة في الحياة الواقعية, وأيضاً هي الورقة التي تهمش في بعض أحيان في اللعب فتكون هي الأضعف.
وأضاف في العمل يرمز هذا الجوكر الى الشعب المدافع عن حقوقه التي تتعرض للسلب ويثبت أنه الأقوى, بالرغم من أنه كان الأضعف عندما وضعوه في هذه المصحة العقلية واعتبروه مجنوناً, تماماً كما في ورق اللعب, ليكمل مساد في الحديث عن الشخصية أنها الوحيدة التي أخذت منه كل هذا الشغف من بين ما لعب من شخصيات حيث عاشها حتى في حياته اليومية سائلاً الناس قبل العرض عن رأيهم فيها, وفي ما يخص العمل نفسه يرى أن العمل يعكس واقعاً سياسياً عربياً وعالمياً, خاصة فيما يخص الوضع في الوطن العربي.
حماد, الممثلة التي جسدت دور زوجة المهرج, قالت إنها اعتمد التلوين في الشخصية التي قدمتها, فكان اللعب على أكتر من شخصية واحدة في نفس العمل ومن خلال شخصيتها الرئيسية, مميزة كل واحدة من هذه الشخصيات بخصوصية معينة, نظراً للرجل الذي يريد أخذها من بين القائد وانتونيو وبن ربيعة.
وتابعت اعتمدت على أنوثة المرأة وإغرائها, ولكن على قوتها في الوقت نفسه, الأمر الذي استطاعت من خلاله أن تمسك بمكامن الضعف لدى الرجل, وكسر شخصية الزوجة الضعيفة المستكينة.
وترى حماد أنه جاء في وقت مواكب للنهضة العربية الكائنة في هذه المرحلة من ثورات تجوب مختلف بلدان الوطن العربي, وكإسقاط من المخرج على التدخلات الخارجية التي من شأنها أن تسلب ثروات هذه البلدان, وكان الأمر واضحاً لدى من شاهد هذا العرض.
وقال الشوابكة إن هذه المسرحية تتكون من ثلاث لوحات قدمت الوضع السياسي في العالم والوطن العربي تحديداً بشكل لا يخلو من طرافة الكلمة والموقف, فهذه الحالة من الجنون المطلق التي تصيب العالم من تجويع وتشريد وسلب للحقوق, ليست بالحالة الجديدة, بل تعانيها الإنسانية منذ القدم, وشخصية المهرج التي ترمز إلى الانسان العربي, وما يقاسيه في الدفاع عن حقوقه وعن أرضه في وجه من يريد سلبه إياها, وشخصية القائد العسكري على سبيل المثال التي ترمز للدول الغربية العظمى, التي تحاول سرقة حقوق الشعوب وثرواتها, حالة تهميش صوت الحق الذي يرمز له بالمهرج, من تراه في نهاية العرض في مصحة للأمراض العقلية لإسكات صوته.