صحيفة العرّاب

(ثلاث أحزان مسموعة).. لحظة بناء الروابط الإنسانية

 الخطاب الوجودي والجدلي الذي قدمته مسرحية (ثلاث أحزان مسموعة), فتحت زاوية الرؤيا على عدة أبواب ووجوه للعلاقات الإنسانية, جدلية الفار ورجل الأمن ولحظات بناء رابطة انسانية بين الإثنين, ذهبت في الشكل العام للعلاقة الى حيز آخر شفيف وبعيد في آن, فالمطارد كان مقتولا على كل الأحوال, ورجل الأمن عندما عثر عليه رفض القيام بذلك مع وجود جميع المبررات التي تسوغ قتله لهذا المطارد, الأمر الذي ينزع القناع البشري عن الوجوه, لتتبدى الوجوه الحقيقية من جهة, ومن جهة أخرى ذلك الشخص الذي في داخل كل منا نريد أن نكونه ولكن الظروف تحول دون ذلك, فيبقى مختبئاً في سرائرنا.
(ثلاث أحزان مسموعة) عرض لرشيد ملحس إخراجاً وسينوغرافيا, ومن تمثيل أحمد العمري بدور المطارد, واشرب طلفاح بدور رجل الأمن, وعمران العنوز بدور المخبر, والمسرحية للكاتب التركي عزيز نسين عن عمل يحمل الإسم نفسه, والتي تم عرضها خلال مهرجان مسرح الشباب.
تفتح الستارة على المطارد الذي يركض هارباً من مكان الى آخر مع بعض لعب السينوغرافيا من شاشات تغير صور المكان, باديا الخوف والتعب عليه, مع نشرات الأخبار التي تتحدث عن هروبه وخيانته, والمكافأة المالية التي سوف تدفع ثمناً لموته وهو المحكوم عليه بالإعدام رمياً بالرصاص, مع المسابقات التي عرضت لرأسه متاجرة بالحدث الأجل في المدينة, إلى أن يجده رجل الأمن الذي يبدي تردداً كبيراً في قتل المطارد ويتصنع عدم رؤيته إلى أن يقع تحت الواقع ويجب أن يتعامل معه, فيطلب منه الفرار لا يريد قتله, والآخر يرفض الفرار بسبب تعبه الجسدي, ليبدأ الكلام يشد من أزر العلاقة اليهم, ليتورطوا انسانياً ببعضهم البعض, ويشلحوا عن أوجههم زيف أقنعتهم الجلدية, إلى أن يدخل المخبر الشخصية الثالثة في العمل ويعكس مسار الأحداث, الى أن يكتشف المخبر وجود المطارد فيضع رجل الأمن أمام الخيار الصعب بمواجهة عيني المطارد ليقتله وهو الذي رفض أن ينظر الى المطارد طوال مسير الأحداث, عندها يأخذ المطارد القرار بإطلاق النار على نفسه ليخرج صديقه الجديد من صلابة الإختيار ومن هذه المشكلة التي من الممكن أن تهدده وعائلته.
ومن أكثر ما ميز العمل اختيار ملحس للهجة شرق أردنية, وتحديداً لهجة أهل شمال الأردن, الأمر الذي قرب العرض الى الحالة وصبغ عليه شكل الهوية الأردنية, والاستفادة من مرونة النص الأصلي الذي كان بالإمكان اسقاطه على أي بيئة يريدها مخرج لعمومية الموضوع وعدم أخذه لتفاصيل حياتية خاصة بمكان ما, يصعب اسقاطها على زمان ومكان آخرين.
وقال ملحس مخرج العمل  ل¯ العرب اليوم, أن الفكرة الرئيسة من النص الأصلي بأنه مكتوب ليتمكن تجسيده في أي مكان أواقليم, بالإضافة إلى أنه نص متماسك درامياً, وهذا من أهم مشاكل المسرح الأردني بأنه لا يوجد نص أردني متماسك درامياً , برأي الخاص كمخرج للعمل أرى بأن النص هو الذي حمل العرض في المقام الأول لجودته.
ليكمل ملحس بأنه كان هناك ثلاثة أهداف ومحاور رئيسية في العرض تم العمل عليها, الأولى تضييق الفجوة بين المسرح الجاد والمجتمع بدون المرور بتجارية المسرح, كيف تقدم مسرحاً للجمهور العادي والمثقف في آن, وتكون محترماً ذوقه وعقله, ثانياً أن تعيد المسرح الى المربع الأول وهو أداء الممثل نفسه من خلال الصراع الذي يحمله الممثل, وثالثاً تقديم لغة مسرحية محلية تحمل هوية المكان الذي أنتج فيه العمل, ويحدد بأنه انتاج اردني محلي, أما بالنسبة للهجة أهل الشمال فهي لهجة اردنية بحت, بعكس اللهجة العمانية التي تحتوي على العديد من الاختلاط في اللهجات, ولهجة الشمال تحدد هوية مكان وهوية اردنية.
ليكمل ملحس بأن اللغة الفصحى في المسرح لغة أدبية بعيدة عن المتلقي بعض الشيء, بعكس اللهجة العامية المحكية التي هي أقرب لك ولشخصيات العرض, كما أن النصوص المترجمة مأخوذة في الأصل من لغة محكية, فاللغة المحكية تقرب شخصية العمل من المتلقي