صحيفة العرّاب

لكل زمان ... !!

لايعرف كثيرون مدى القلق والآرق والمعاناة والتعب الذي يشغل ابو سهل ، ويظنُ بعض الناس ان كل ما يقوم به من باب الترف ، وقليلون عرفوا ان الرجل لم يذق طعم الراحة ، والقريبون منه أشفقوا عليه وعلى أسرته وجسده ، وكأنه خلق ليشقى ، لحمله هموم الآخرين !نن السذاجة ان يعتقد أياً كان ان طموح وغاية الباشا منصب ما ، او البحث عن جاه ، والواقع انه تجاوز ذلك منذ زمن بعيد ، مرحباً به اينما حل ، سيداً شيخاً كبيراً عزيزاً كريماً .

لن تنحني هامته ، لم يتغير او يتبدل ، مهما عظمت المِحن والنوائب التي مرّ عليها ، وتجاوزها بهمة عالية ورباطة جأش ، ولمنهجه لوناً واحداً عنوانه الإخلاص للوطن ، والوفاء للقيادة ، وليس كما فعل آخرون بالإنحراف مائة وثمانيين درجة عند أول هزة .

لا يختلف حكيمان ان عبدالهادي المجالي شخصية لعبت دوراً هاماً في كافة مناحي الحياة ، إمتلك الحكمة والعلم والخبرة ، إستل العِبرّ من التاريخ ، إنسجم مع الحاضر ، وإستطلع ملامح المستقبل ، عمل جاهداً على إستباق الربيع العربي ضمن الهامش المتاح ، ليأخذ الناس دورهم في المشاركة من خلال التأسيس لحياة برلمانية ، تتكفل فيها الأغلبية بتحمل همّ الوطن بتفويض شعبي .

هذا الكلام لم يعجب كثيريين ظناً منهم ان عجلة الحياة توقفت على ما نحن عليه ، وما ان إنتهى من وضع اللبنة الأولى لبداية عمادها المواطنة ، بعيداً عن الغلو والتطرف والأيدلوجيا بكل مسمياتها ، شكل تهديد لأصحاب المصالح ، المتسلقين الوصوليين المتلهفيين لإلتقاط الفتات .

هذا النجاح لم يرق للآخريين ، وبدافع الغيرة الأنثوية ، بدأت أبواق الردح بالنباح ، ونفث السموم بالتشكيك بالغاية والهدف ، ومن طبع الكبار الترفع عن الصغار ، لم ينزلق الى ذاك المستنقع ، وربأ بنفسه عن الرد على المهاترات ، والصمت أبلغ من الكلام أحياناً ، ويزيد صاحبه وقاراً على وقار .لم يكن مُنظّراً ، وقرن القول بالفعل ، وتحمل في سبيل ذلك صعاباً جمّة ، إستمع للكبير والصغير ، للرجل والمرأة ، للغني والفقير ، ودخل قلوب الكثيرين ، ونثر مع نخبة من أبناء الوطن بذرة لتكون نواة لهوية حزبية أساسها المواطنة.

بعض البسطاء فرحوا كثيراً عندما عصفت الرياح الرسمية بالتيار الوطني ، في محاولة لردم عقدين من العمل الجاد ، وتداعى بعض أعضاء الحزب بين ترغيب وترهيب ، ممن إنضووا تحت لوائه بحثاً عن المنافع والمكاسب الشخصية ، مع العلم ان الحزب كشف عن هويته ، وحدد غايته وأهدافه ، وأعلن برنامج عمله.

ومن السخف الإعتقاد ان فرار المتداعين مرتبط بالحزب فكراً وتنظيمناً ، وإنما بالقدرة على التضحية والإيمان بالمبادىء والثبات عليها ، لا ان يصبحوا كعصف مأكول مع أول هبة ريح ، ويتبرؤا من الحزب ويخلعوا ثوبه ، ليرتدوا بعد ذلك أثوابا !لقد اثبتت الأيام ان القرار بإستهداف الحزب خطأ ومحدود الأفق ، وعلى الرغم من ذلك وقف ابو سهل في وجه تلك الرياح شامخاً صامتاً كشموخ شيحان وبددها بكبرياء ، لم يتجه يميناً او يساراً ، ولم يستغل الظروف وبقي سطياً معتدلاً ، لأن البقاء للأصدق والأصلح .

وعود على بدء يقال " لكل زمان دولة ورجال" ، من الظلم آخذ المقولة على إطلاقها إذ ليس كل الذكور رجال ، وعلى الأغلب تقال هذه الأيام تندراً من بائس وصل حد اليأس ، ومن غير الجائز مساواة الغث بالسمين ، والصالح بالطالح ، وشتان الفرق بينهما ، وكل الكائنات منها الذكور .

غياب أبو سهل وأمثاله ، كغياب البدر عن ليلة ظلماء ، ورحم من قال :وكم رجل يعدُّ بــألف رجلٍ ... وكم رجالٍ تمرُّ بلا عداد