صحيفة العرّاب

عشيات حلم.. مناجاة الغجريات بنظرة جديدة لحياة عرار

 ما تعلق في هوى الشاعر, ومن تعلق فيه, عندما يتحدث الاثنان هذه المرة, عن الحب والوطن والتراب والخمر والتعب, ذلك الذي عاش طويلاً مع شاعر لفتته الكلمة بأشد روائح البخور جمالا, أخذوه بالرقص, كان رقصاً موجعا, موجعاً حتى أول الفجر, هذه المرة كان غناء الغجر يوازي غناء شاعرنا, لهفة وشوق, كان الانتظار المعبق برائحة القهوة على باب الخرابيش, ينظر من بعيد إلى ألمه, منتظراً أن يصل كي يربت فوق فلبه وينفض عنه بعض الشعر, انه عرار, ذلك الصعلوك الملك, إنهن النوريات عشق تربى في ملامح شعره, ولهفة بهن لتجاعيد سكنت وجه ذاك الشاعر.
مسرحية "عشيات حلم" التي عرضت ضمن فعاليات اليوم الخامس, من موسم مسرح الكبار لهذا العام, على خشبة الرئيسي في المركز الثقافي الملكي, وهي من تأليف الكاتب مفلح العدوان وتمثيل سهير عودة, أريج جبور, وأحمد العمري, وكان في التأليف الموسيقي الملحن عامر محمد, وأخرجها صانعاً السينوغرافيا أيضاً فراس المصري. 
نص العرض الذي ألفه العدوان كان من الحوامل الرئيسية في هذا العرض, حيث كان شعرياً ماكناً متماشياً مع طقوس المسرح التي قد تأخذ خصوصية عن الشعر, هو عرض يتحدث عن شاعر, فكان الشعر على لسان النوريات أيضاً اللواتي من الامكان اعتبارهن محور الحكاية جلها, هذه النظرة الجديدة لقصة عرار التي يطرحها الكاتب, كانت على لسان معشوقات عرار النوريات وليس فقط على لسان الشاعر نفسه, فكان العدوان موفقاً في نصه, استطاع شد الجمهور اليه لسماعه والاستمتاع به في خضم كل السينوغرافيا ولعب الاخراج التي ألقاها المصري بمهارة على الخشبة.
المشهديات الموزعة على المسرح, والمستغِلة لكل زواياه, تقسيم الخشبة الى ثلاثة اقسام وثلاثة عوالم ومستويات للعرض والتي قدمها المصري معتمداً على قواعديات رئيسية وبسيطة للخشبة, ولكنها أخذت على يد المخرج المتمرس حيزاً آخر شد انتباه الحضور وجعلهم في أجواء الحكاية والتنقلات الدرامية والنفسية للعرض, صانعة في ذات الوقت مشهدية بصرية متميزة, روائح القهوة والمحمصة والبخور التي كانت طوال العرض أدخلت بعداً جديدا امتد من المسرح الى كراسي الحضور لتضعهم في المكان الذي ولدت فيه الحكاية وبين الخرابيش حيث البخور والقهوة ورائحة الصحراء, الرحى وتوزيعها والقمح المطحون وما صنعه في اللعب من متعة بصرية أضافت للعرض نكهة راقصة وشيئا من التجريد وسط الحكاية.
سهير عودة واريج الجبور اللتين كانتا في دور عاشقات عرار من النوّر, كانتا في حالة من التناغم الجميل في الاداء والحركة, كنّ المحور الرئيسي في العمل, كنّ عاشقات شاعرات وليس مجرد عاشقات لشاعر, استطعن أن يقدمن هذه النظرة الجديدة للنور في قصة عرار بشكل متميز, لا يقل عن أهمية وتميز شاعرهن, العمري الذي قدم عرار بشكل متميز والقى شعره بحالة مغايرة لما قدُم بها شاعرنا من قبل, تقمصه للشخصية الصعلوكة صاحبة المبدأ اللاهي العاشق لمكانه واهله المحب للخمر والشعر والصبايا, بكل هذه التناقضات التي تسكنه.
عامر محمد المؤلف الموسيقي للعرض والعازف لموسيقاه على الخشبة, كان صانعاً للدهشة بصنعه وبما قدم في هذا العرض, باستخدامه لاكسسوارات العمل ومشاركة الممثلين من خلال العاب الايقاع التي صنعوها في تشكيل الحالة الموسيقية, مما أضاف للعرض أكثر من ذروة واضعاً الحضور مرة أخرى تحت وقع دهشة المشهدية البصرية المرافقة للموسيقي, حالة صاغها عامر محمد تكمل حالة العمل في العموم وتطفي عليه رونقا موسيقا رائقا, بجانب ما لعبه على البزق في هذا العرض, ليثبت محمد مرة أخرى بعد عروض أخرى أهميته كملحن وكصانع لموسيقى المسرح.0