صحيفة العرّاب

قراءة هادئة لأحداث عاصفة.. الأردن... تكيف حذر مع سياسة المحاور

لا يبدو قرار الحكومة الأردنية بالتغيب عن قمة الدوحة الاخيرة قرارا شعبيا بكل الاحوال فقد صدرت بيانات تنادي بعض اعضاء البرلمان لحضور القمة بهدف تكريس الانطباع بان عمان تقترب اكثر من معسكر الممانعة قياسا بحجم الاضرار الاستراتيجية التي لحقت بها جراء اعادة العدوان الاسرائيلي الجميع في المنطقة للمربع الاول. ورغم ذلك حرصت مؤسسة القرار الاردنية على ترسيم حدود آمنة لمواقفها من كل مبادرات القمم التي اجتاحت المنطقة مؤخرا ومن نتائجها ودرست بالسياق انحيازات مدروسة بدقة لا يبدو الشارع الاردني الصاخب المعارض والمتظاهر دوما الان محتفلا بها وان كان يتفهمها تماما كما قيل في اجتماع داخلي لاقطاب المعارضة النقابية.

 وعمليا يمكن القول ان التكيف الحذر الذي قرره المستوى السياسي الاردني مع معركة القمم العربية التي اندلعت في اقنية النظام الرسمي العربي خلال الاسبوع الماضي رسم لكي يبعد الاردن قدر الامكان عن سياسة التمحور داخل النظام العربي، على امل ان لا يؤدي خلافا للانطباعات قصيرة النظر التي تصورها البعض لانضمام عمان الى اي محور من المحاور النشطة في المنطقة.
 
الموقف حسب الوسط الرسمي درس بعناية فائقة، ورسمت ملامحه بمبضع جراح كما يقول سياسي اردني مطلع وهو يوضح ان الدوحة لم تغضب من الغياب الاردني بعدما تأكدت بأن هذا الغياب ليس سببا لافشال قمتها، وبعدما قدمت القمة للاعب القطري الذي يمدد مساحات مناوراته اقليميا ما يريده من اوراق بالرغم من انعقادها بدون نصاب.
 
اتصالات خاصة بين القصرين الاردني والقطري في اللحظات الاخيرة نتج عنها تفهم الدوحة لدواعي الغياب الاردني، بعدما اصبحت كلفة الحضور اكبر من كلفة الغياب اقليميا ودوليا ومحوريا، فالرياض اعتبرت عدم الحضور طلبا شخصيا من عمان والدوحة تعاملت بنعومة مع الغياب الاردني ولم تجعله حتى الآن، على الاقل، مشكلة تربك هدفها الحصري في محطة 'الجزيرة' وهو المؤسسة المصرية.
 
وفي نفس الوقت كان الحضور الاردني لقمة قطر او التغيب عن قمة شرم الشيخ مجازفة سياسية كبرى مع المصريين الذين سعت عمان لامتصاص جرعة غضبهم الرسمي، بعد الاعتصامات التي واجهت لاول مرة في تاريخ الاردن السفارة المصرية في عمان واطلقت فيها شعارات منددة بالرئيس مبارك.
 
وعمان بدورها قررت انها تستطيع البناء على المرونة التي تتطلبها الحسابات القطرية، لكن لا مصلحة لها الان بالمجازفة في مواجهة الاعلام المصري الصاخب.
 
ومن الواضح ان قطر اظهرت مرونتها مع الغياب الاردني بعدما لمست نوايا الاردن الايجابية تجاه لعبتها، وابلغت عمان عبر قنوات خلفية قمة الدوحة بأنها لا تعارض دورها او طموحها في لعب دور، فالاردنيون لديهم علم بأن المناورة القطرية ليست عبئا بنفس القدر الذي اصبح فيه الجلوس دوما في الكرسي السعودي والمصري فقط عبئا حقيقيا.
 
والاردنيون اعتبروا ان التوسع القطري في الدور طموح مشروع وغير عدائي وقنواتهم الخلفية لم تعترض على حق الدولة القطرية الذكية في التحرك، بعدما تيقن الجميع بأن الدوحة تمارس حقها في الاحتفاظ بورقة اقليمية ستساعدها عندما تبدأ حفلة الرئيس الامريكي الجديد باراك اوباما.
 
وقطر الصغيرة تقول لاوباما بعد جلوسه ان اعتى المتطرفين العرب والاقليميين يمكنها جمعهم في اي لحظة، وانها طرف يستطيع الاتصال بالجميع مرحليا ويستطيع- وهذا الاهم- اجلاس الاقليم السني والشيعي معا على طاولة واحدة، كما جلست سورية وخالد مشعل وطهران.
 
بهذا المعنى وثقت المؤسسة الاردنية وهي تتعذر للقطريين اثناء مفاوضات غياب عمان عن القمة القطرية اعترافها بشرعية اللعبة القطرية، فعمان نفسها كانت تحتفظ بنفس الاوراق في الماضي وعدالتها في التقييم تقول بأن الاردن اسس مجده الاقليمي على فكرة مشروع يتحدث مع الجميع ويتحدث معه الجميع.
 
ومن هنا مر الغياب الاردني عن قمة الدوحة بسلام، بعدما وجدت قطر ان متطلبات اكمال مشوار اللعبة تقتضي عدم المجازفة ايضا بعمان كلاعب اساسي في المنطقة، بسبب غياب تكتيكي بسيط عن قمتها، فالدوحة لم تنته بعد من مخططها للعب دور يتجاوز حجمها وهو طموح كان ياخذه الكثيرون في الماضي على عمان.
 
وفي الجانب المحلي من المشهد نفسه كانت الحسابات مستمرة فمرة اخرى تغيب الدبلوماسية بمستواها التنفيذي عن دائرة المتابعة والتقدير والتحليل لحدث هام، ومرة اخرى تجد المرجعيات نفسها مضطرة للتدخل بالتفاصيل لاصدار التعليمات لمن يفترض ان الثقة وضعت فيهم لوضع التصورات وتقديم مبادرات وافكار في لحظة اقليمية حرجة.
 
والجدل الذي دار طوال 48 ساعة داخل اروقة اكثر من مؤسسة قرار حيوية قبيل قمة الدوحة اثبت مجددا ليس فقط ضعف الجبهة الحكومية في صناعة القرار، لكن ايضا كشف عن شغف المرجعيات بوجود مطبخ وزاري يضع سيناريوهات ويقدم مبادرات وافكارا تساعد في اتخاذ القرار، وهو مطبخ كان غائبا فيما يخص المسألة القطرية بحيث تكرس الاحساس السلبي بان جبهة المستوى التنفيذي تكتفي فقط بنصيبها من التعليمات ولا تقوم تماما بواجبها من حصة التفكير والتدبير ووضع بدائل امام صانع القرار المركزي.
 
لكن الاهم محليا هو التداعيات السريعة لنتائج الوحشية الاسرائيلية على الساحة الاردنية فكل الاقتراحات التي يسمعها المسؤولون الآن تطالبهم بالالتحاق بمعسكر الممانعة، وهي نغمة ستتواصل مطولا في الاردن والتخلص منها سيحتاج لقفزات قوية على صعيد الدولة الفلسطينية في عهد ادارة الرئيس باراك اوباما.
 
وفي السياق يمكن القول ان جبهات مقاومة التطبيع ستعيش لاحقا في عمان عصرها الذهبي تماما بعد ان نجحت ضربات حكومية متعددة باضعافها، ومن الواضح ان الحديث عن السلام لم يعد مقنعا او مطلوبا في الرواق الرسمي مقابل آراء تتألف حتى للمعتدلين وتدعو لاستراتيجية مقاومة فاعلة لخيارات الوطن البديل، خصوصا وان الاردن اعتبر رسميا ان عدوان غزة يمهد لمؤامرة على الشعب الفلسطيني. القدس اللندنية