صحيفة العرّاب

المستشارون في الديوان الملكي * بقلم النائب غازي عليان

منذ قيام المملكة يعتبر الديوان الملكي حلقة الوصل الرئيسية بين جلالة الملك والأجهزة الرسمية ، والوسيط بين الملك والشعب ، وفي الآونة الآخيرة إتسع نطاق عمل الديوان ليشمل دوائر مختلفة في جميع المجالات والأعمال ، وضم عدد من الدوائر تهتم بكافة القطاعات المرتبطة بعملية التطوير الإقتصادي والاجتماعي والإعلامي والتربوي والصحي والعسكري ، ويقوم على هذا العمل عدد من المستشارين . nوعلى الرغم من ان وظيفة المستشار غير واضحة المعالم إلا ان لدينا كثير من المستشارين وقد لا تخلو دائرة عامة او خاصة من تلك الوظيفة ، والمعروف ان الغاية من وجودهم إبداء الرأي والمشورة ، ولكي تكون مشوراتهم ناجعة لابد من ان تكون واضحة وشاملة ودقيقة ، وبيان أبعادها السياسية والإقتصادية والإجتماعية والإدارية ، بما يتوافق والمعارف الثقافية والدينية للمجتمع ، وضمن الخيارات الممكنة والمتاحة ، وقابلة للتطبيق ، ولاحقاً رصد ردود الأفعال على تلك القرارات .

الدوائر الرسمية تعُجُ بالمستشارين ومنها الديوان الملكي ، ولأهميته نفترض ان المستشارين فيه صفوة الحكماء ، اللذين يحملون الرؤية المهنية والعلمية المتميزة ، الممزوجة بالمعرفة التامة بالواقع الإجتماعي ، وعدم إستنساخ تجارب الآخرين خاصة تجارب الدول المتقدمة على علاّتها ، إذ قد لا تلقى قبولاً إجتماعياً ، ومن المهم ان لا تملأ تلك الشواغر بقصد التخلص من موظف على قاعدة مستشار لايستشار ، او إعتبارها إستراحة محارب او إسترضاء او مجاملة لصديق .

ومن المفترض ان من يقترن إسم وظيفته بجلالة الملك بصفة خاصة ، ان يكون على تماس مباشر معه وعلى علم ودراية بكل مايحيط بمجال عمله ، ولخطورة هذه المهمة لابد من توافر مواصفات فيمن تناط به وأهمها ، الخبرة والكفاءة والحكمة والأمانة والإخلاص والجرأة ، والآخيرة مهمة جداً لأن طبيعة المسؤول يميل الى حجب المعلومة الصحيحة عن صاحب القرار على إعتبار ان كل ما يقوم به غاية الكمال .لو تتبعنا أحوالنا على كافة الصعُد لوجدنا ان لدينا خلل ما ، وهناك مشكلة ، حيث تم العودة عن كثير من القرارات بعد ان كلفتنا ثمناً باهضاً في كافة المجالات ، سواء أكانت سياسية أم إقتصادية أم إجتماعية ، ولا يمكن رده إلا الى .. عدم فهم المستشارين لطبيعية عملهم .. او عدم قدرتهم على تقديم المشورة الصحيحة .. او إفتقادهم للجرأة ولجوئهم الى المجاملة او الإعتماد على تقارير رسمية ، او لتقدير شخصي بعيد عن الواقع .

ومن المهم أيضاً الإشارة الى عدم خروج المستشار عن مهمته الأساسية ليقوم بأدوار تنفيذية ، لأن ذلك يلغي دور المؤسسات الرسمية ، ويعتبر تدخلاً وتعدياً وتجاوزاً على عمل وصلاحيات وإختصاصات الجهات التنفيذية ، وينزع عن المستشارين الحياد والنزاهة .nالمستشارون لعبوا دوراً سلبياً وتماهوا مع الجهات التنفيذية وإستمدوا معلوماتهم منها وفي بعض الأحيان تحالفوا معها وأساؤا للقصر ولم يعملوا بإستقلالية ، وبنوا مشورتهم على المعلومات التي تقدمها لهم ، وأغلقوا كل الأبواب التي تصلهم بالمجتمع المدني ومؤسساته ، وأربكوا المشهد من كل جوانبه ، وحجبوا الحقيقة عن جلالة الملك في كثير من الأحيان ، وكثيراً منهم إختبئ تحت عباءة الملك على إعتبار ان كل ما يتخذ من قرارات إستناداً الى أوامر من فوق ، هذا الأمر نفاه جلالة الملك أكثر من مرة .

الملك بحكم الدستور غير مسؤول عن أي قرار حتى لو صادق عليه ، والأمانة تقتضي ان تقدم الجهات الإستشارية الرأي السديد ، وتمتلك الجرأة ببيان تبعات أي أمر حتى لو تعارض مع التوجهات والرغبات العُليا ، وان تعتذر الجهات التنفيذية عن التنفيذ إذا كان القرار مبني على مشورة ودراسة غير واقعية وغير منطقية ومخالفة للقانون ، وان تساوي بين أعمدة الدولة الثلاث ، الوطن .. والمواطن .. ونظام الحكم ، لضمان سلامة وإستقرار الدولة .