صحيفة العرّاب

مذكرات سوزان طه حسين تصدر باللغة الفرنسية

 لا تحظى كتابات طه حسين عن ارتباطه العاطفي وزواجه سوى ببضع صفحات في سيرته, بينما كتبت زوجته, سوزان طه حسين, سيرة طويلة بعد وفاته, وعملت على نشرها باللغة العربية قبل وفاتها عام .1989 
وبالنسبة لأي شخص مهتم بحياة واحد من أعظم الكتّاب في العالم العربي, فإن نشر النسخة الأصلية الفرنسية من مذكرات بريسيو عن زواجها طه حسين, التي حملت عنوان معك, ستكون موضع ترحيب شديد.
قصة زواج طه حسين, أحد أبرز الشخصيات الرئيسية في النهضة الأدبية العربية, في القرن الماضي, من شابة فرنسية بينما كان طالباً مبعوثاً للدراسة في فرنسا خلال الحرب العالمية الأولى, واعتماده عليها لمساعدته في القراءة والكتابة بسبب فقدانه البصر, رواها طه حسين بنفسه في المجلد الأخير من سيرته.
وألقت سيرته, التي نشرت قبل بضعة أشهر من وفاته في عام 1973 الضوء على زواج دام أكثر من 50 عاماً عندما طرقت صديقة باب غرفته في سكنه الطلابي في مونبلييه, الذي عرّفها بالفتاة صاحبة الصوت الجميل, في ذلك الوقت سوزان بريسيو, التي لعبت دوراً محورياً في نجاحه الأكاديمي في فرنسا, رافعة الستار الثقيل من عمى حجب عني العالم منذ طفولتي, كما يقول طه حسين.
وانتقلت بريسو سريعاً من كونها مجرد فتاة فرنسية عينت لمساعدة طالب مصري ضرير في دراساته, لتصبح شخصاً لا غنى عنه لطه حسين, محولة ظلامي الممل إلى ضوء مبهج. علمته بريسو اليونانية القديمة واللاتينية, اللغات التي كانت ضرورية للطلبة الذين يدرسون لنيل درجة فرنسية في الأدب في ذلك الوقت, لكنها غير مشمولة بمنهاج التعليم في الأزهر, وكتبت كامل أطروحته في الدكتوراه عن فكر ابن خلدون الاجتماعي.
كتب طه حسين كنت أقول ما كان يدور في خلدي,, وكانت خطيبتي تدونه, مصححة, ما وصفته بتشوهات لغتي الفرنسية. كانا شاباً وفتاة في الأيام الأولى من خطبتهما, مشغولين معظم اليوم بالدراسة: اللاتينية في الصباح, وقراءة الترجمة الفرنسية لمقدمة ابن خلدون, ثم, بعد استراحة لتناول الغداء, مطالعة التاريخ اليوناني والروماني.
وتم إعداد هذه المذكرات للنشر بالفرنسية من قبل الأكاديميين زينا ويجاند ورونفارد برونو, وفي تقديمها للكتاب, كتبت حفيدة طه حسين, أمينة طه حسين-العقاد, أن الأسرة كانت تأمل دوماً أن مذكراتها سوف تظهر في نهاية المطاف بالفرنسية, حيث أن هذه هي اللغة التي تمت كتابتها بها في الأصل. فضلا عن كونها تأريخاً متحركاً لحياة الأسرة, فإنها تتضمن أيضا ثروة تفصيل حول مصر والعلاقة بين جنوب وشمال البحر الأبيض المتوسط, كما تتجلى في حياة طه حسين.
نقلا عن ذكريات لوالدها, تذكّر أمينة طه حسين-العقاد قراء معك بحياة وعمل جدها, فضلا عن الطباع الرائعة لجدتها. عاشت سوزان طه حسين التي ولدت في ريف فرنسا الريفية في نهاية القرن التاسع عشر, وحياتها كاملة تقريبا مع رجل عربي وفي دولة مسلمة, حيث كانت رفيقة درب رجل مصري ضرير لأكثر من 60 عاماً أصبح من أكبر الكتاب العرب في القرن العشرين الذي تم الاحتفال به للأشياء التي فعلها لتعزيز التعليم, العلم والثقافة, وإقامة الجامعات والمؤسسات البحثية في مصر وفي الخارج.
طوال هذا الوقت, كانت إلى جانبه, تمنحه المحبة, واليقظة والولاء. وواسته وشجعته عندما ساءت الأمور, وشاطرته النجاح وتحقيق الانتصارات بطريقتها المتواضعة. وقالت أنها ساعدته في التغلب على إعاقته, ليصبح الشخص الذي كان, لتناول العشاء على مائدة الملوك وتتلقى الثناء والأوسمة في أوروبا والشرق الأوسط وأماكن أخرى. وقالت أنها كانت دائماً موجودة عندما قال انه بحاجة اليها, وهو نفسه قال انه من دون زوجته لم يكن شيئا.
تركز كنت معك في معظمها على الجانب الشخصي من هذه الشراكة الرائعة, حيث تصف سوزان طه حسين العديد من مشاهير الزوار الذين جاؤوا لزيارة الأسرة في منزلها, أولاً في الزمالك وطريق الأهرامات في وقت لاحق. ومع ذلك, هناك أيضاً تأملات في مذكراتها عن بعض التناقضات المعروفة التي  وجد زوجها نفسه في شركها: بعد تأسيس الجامعة المصرية, جامعة القاهرة لاحقاً, عين أستاذا, من الدرجة الثانية, وتكتب, ولم تتوقف المؤامرات والتآمر ضده.
بعد نشر كتاب طه حسين في الشعر الجاهلي في عام ,1926 تكتب سوزان طه حسين عن الحقد الذي لا معنى له والغيرة النفاق الذي أوقد حملة ضد رجل صادق, وإحالته أمام محكمة تأديبية بعد حظر الكتاب وتنظيم الحملات الصحافية والشتائم والتهديدات بالقتل ضده.
وتجددت الحملة مرة أخرى في عام ,1932 وأجبرت طه حسين مؤقتاً على ترك منصبه في الجامعة, وتكتب سوزان طه حسين عن  الاشمئزاز من حملة هدفت ليس فقط لدفعه الى الخروج من الكلية, ولكن أيضا إلى حرق كتبه وسلبه منزله وحيه الذي عاش فيه.
وتعلق أيضا على محاولات طه حسين المحاولات الرامية إلى إيجاد رابطة من قراء أعماله في مصر. في الثلاثينات من القرن الماضي, وتكتب, أجهد نفسه, وهو يكتب, في تحرير مجلة الكوكب, التي ارتفع تداولها من 4.000 إلى 20 ألف نسخة, دون تحسن مواردنا المالية. ثم صدرت مجلة أخرى, الوادي, التي رأس طه حسين تحريرها. ما أنجزه في هذه المجلة كان رائعاً, وتكتب لكنه اضطر إلى التعامل مع الأجهزة المعطلة, الورق الذي كان يصل بكميات غير كافية ونوعية رديئة والصحافيين الذين لم يرسلوا تقاريرهم والبائعين الذين لا يبيعون.
استعان طه حسين بجيش من المترجمين من لغات مختلفة, وإيجاد أعمال غربية معاصرة وترجمتها إلى اللغة العربية. ورغم ذلك, فشلت هذه المبادرة أيضا, تقول سوزان طه حسين لأسباب سياسية, ونشرت مجموعة مختارة منها على شكل مجموعة المعذبون في الأرض التي كانت محظورة في مصر ونشرت في لبنان.
يذكر أن النسخة العربية من مذكرات سوزان طه حسين نشرت عن دار المعارف في القاهرة عام 1982 قبل أن تشهد الطبعة الفرنسية النور هذا العام في ظل الاحتفالات بمئوية الأديب المصري الكبير.